أُحِبُّ غيابَكَ أكْثَر

2021-08-12

شِعر: إباء اسماعيل *

 

صَباحُكَ يَنثُرُني
مثلَ زنْبَقَةٍ
في حقولِ النَّهارْ..
يُبَعْثِرُ أجْنِحَتي
في فضاءٍ شَفيفٍ
و يَفْتَحُ آفاقَ روحي،
يُعطّرُها في الصَّباحِ
رذاذُ البِحارْ!...
فَكَمْ مِنْ سَماءٍ سأعبُرُ
مِنْكَ إليكَ،
لِكَي ترْتديني قَميصاً
مِنَ الوَرْدِ
أوْ كَمْ سَتَرْنو إلَيَّ نُجومُ يَدَيْكَ
تَلأْلأُ ماءً و ضوءاً
تَصاعَدُ منها
بُخارُ الطُّيوبِ
فَهَلّا سَقَيْتَ دِمايَ
رَحيقَ يَدَيْكَ
و َهَلّا سَكَنْتَ مَدايَ
كَحُلْمِ الصِّغارْ؟!...
***
كَأنَّكَ حُلْمي
فَغِبْ فِيَّ ما شِئْتَ
كُنْ فيَّ شِعْراً
و َنَثراً
و بَرّاً
وَ بَحْراً
وَجَوّاً
ودَعْني أراكَ
بِعَيْني الّتي في رؤاكَ
جنوناً ونارْ..
و لا تَكْتَرِثْ لِجُنوني،
فَعَصْفُ الرِّياحِ،
بِشَرْقٍ و غَرْبٍ
و َصَيفٍ و َشَوْقٍ،
سَيُحْيي مَدينَتَنا
بَعْدَ أنْ مَزَّقَتْها
عصورُ الدّمارْ!..
***
لمَوجةِ شَوقٍ
غَفَتْ في يَدَينا
وقامتْ ربيعاً مُزهَّرْ...
سأحْفَظُها
في بريدِ جنوني
لعَلَّكَ تأتي
بِأوراقِ صُبْحٍ
وأنَّى تَراني،
بِهَيْئَةِ شمْسٍ
تَغيبُ ..
تَغيبُ كَلَيْلٍ طويلٍ
يُفَتِّحُ أقْمارَهُ في الغِيابِ
لِهذا أُحِبُّ غِيابَكَ أكْثَرْ!...
***
أُرَفْرفُ نحْوَ فضائِكَ
مثلَ القصيدةِ،
حينَ ترفُّ
وحينَ تَشفُّ
ببَعضِ الخَضارِ
وبَعْضِ الجِمارِ
لأحملَ فيكَ
سماءً وروحاً
وتغفو النوارسُ
في راحَتَيْنا
بَياضاً نَطيرُ
و أبحثُ عنْكَ
لعلّي أراكَ
تُشِعُّ بِنورِ الغِيابِ
تُفَتِّتُ فينا خَرابَ الخَرابِ ...
لعلَّكَ حينَ تَغيبُ نَخيلاً
وفجراً
و تيناً
أُحبُّ غيابَكَ أكْثَرْ ..
***
لأنّي أراكَ بِمِرْآةِ روحي
وموسيقى بعْضي
و كُلّي..
تُرَتِّلُ إيقاعَ نهرٍ،
يُغَطّي رِمالي
فأنتَ الحضورُ
تَغيبُ لتحرثَني
منْ جذوري
وتحتَلَّ أحرفَ بائي
وهمزةَ وصْلي وزهْري
لأصْحو على حلُمٍ قَدْ تَكَسَّرْ!...
***

تغَرَّبْ تغرّبْ
كأنّكَ فيَّ سمائي البعيدةُ
تهْوي عليَّ
تُقاومُ قحْطي
تُضيءُ نداي
تُساوِرُ بَرْقي
تُحمِّلني نَبْضَ قَلْبٍ تَبَعْثَرْ ..
***
لأنَّكَ غابَةُ مائي،
أَحِلْني بأمْطارِكَ الصادحاتِ
إلى قطّةٍ من ربيعِ البَراري
تُبَلِّلُها مثْلَ طوفانِ نوحٍ
عليهِ ،عليكَ ،
عَلينا السلامُ ..
وتقرأُني فاتِحاتُ السِّواقي ،
كلحظةِ ماءٍ بعمقِ البحارِ،
تفجَّرْ..!...
و أغصانُ أشجارِكَ الباسِقاتِ،
تُضيءُ زهوري،
جذوري ..
وفي نَسْغِها
كَم بُخارٍ تدفّقَ شوقاً
وأمْطرْ...

وتوقِظُ ثَلْجي
تُحيلُ الصَّقيعَ شموساً
تَدورُ بِدَمّي و روحي
وأرفَعُ رايةَ عِشْقي وروداً
على شرْفةِ الضَّوءِ تكْبرْ!...
فَدَعْني أعودُ
إلى جَنَّةٍ من شموعِ الحَنانِ
لأغْفو على ساعِدَينِ منَ الغَيمِ
والجُلَّنارِ
وفي كلِّ يومٍ يمرُّ
أُحبُّكَ أكْثَرْ!!...
***
غِيابُكَ فيَّ
كَبَعْضِ اشتِعالِ النَّدى
في الخَرابِ ،
و بَعضِ احتراقِ المدى
في السَّرابِ،
وبعض الرجوع إلينا
وتبْعُدُ فيَّ
إلى أقصى روحي
وروحي مُعَمَّدةٌ
بمياهِ السَّحابِ
وأنْتَ سَحابي،
وكلُّ الدروبِ
إليكَ مَطَرْ!....
ووجْهُكَ حينَ يَغيبُ بِقَلْبي
أُحِبُّ غيابَهْ ...
وحينَ تَدَفَّقُ منهُ ينابيعُ نورٍ،
و صرخاتُ روحٍ،
أعيشُ عذابَهْ !!...
أُحِبُّ رحيقاً على شَفَتَيكَ
كَوَرْدٍ يَهيمُ علَيكَ
لأقْطُفَ منهُ غَريدَ الكلامِ
وأُزْهِرَ فيهِ زنابِقَ عُمْرٍ
تَخَيَّلْتُهُ قَدْ تَصَحَّرْ!...
***
أُحبُّ جنونَكَ إذْ يَحْتَويني
وَفي البُعْدِ يَجْعَلُني
مِثْلَ جنِّيَّةٍ في البَراري
مَداها،
سَنابِلُ عشْقٍ
وَشُحْنَةُ بَرْقٍ
وَزَهْرَةُ توليبَ ماسَتْ
على غُصُنٍ،
فوقَ صدرِ الغيومِ نَمَا
منْ ضياءٍ
وأزْهرْ!...
***
وَخصْلةُ شَعْرِكَ تَهْطلُ
فوقَ رِمالِ جَبيني
فَهَلْ مِن قَميصٍ
لأنْسِجَهُ منكَ
فيَّ ؟!..
لأفْتَحَ أزْرارَ شَوقي إليكَ
ومن همْسِ روحي،
أقيمُ قيامةَ صبْحي وليلي
وأطفئُ جمْرةَ دمْعي
فهل تتذكَّرْ؟!
وهلْ تتأثَّرْ؟!!

عميقاً عميقاً
جُننتُ بِوَعْدك لي
كي أنام على مجدِ حلم بهيٍّ
منَ الورد يسْطعُ
في بوحِ شمْسي
ويسْكَرُ من ماء عشْقي
بِعطرٍ يُسابقني برحيقك
منِّي إليكَ
وَيَفتنُ نَحْلي وشِعري و زهْري
وأبقى البعيدةَ كالبرقِ
أهْذي بضوئكَ
يخْطفني منْ ضيائي
ويُبْقي اشتعالي
يُهدْهدُ خصْلاتِ زهركَ
تهْذي وتنْمو جروحي
كما وَطَنٌ
فوقَ نارٍ تسَوَّرْ!...
***
يفوح على زهْرِ نبضي
رحيقُكَ
أرشفُهُ
وأغوصُ ببحْرِ الغِيابِ
وأمْضي بأحْرفكَ الفاتناتِ
تُضيءُ مدايَ
وتسْقي حَنينيَ أكْثرَ..
أكْثرْ !...
***
أُحبُّ غِيابَكَ ثلْجاً
يَذوبُ بِحُرْقَةِ شَمْسٍ
كَمَوْجٍ تَلاشَى
على عُشْبِ رَمْلٍ
أُحِبُّ غِيابَكَ أَكْثَرْ ...
فَنارُكَ تُدْهِشُني
في الغِيابِ،
كَنارِ الحنينِ!..
لأرحَلَ فيكَ
أيا وطناً ضائِعاً
في فَضاءٍ مُبَعْثَرْ !...


_______________________

* شاعرة سورية أمريكية
-اللوحة المرفقة للفنان التشكيلي نذير نبعة







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي