الخرطوم: درس الجفاء المزمن بين الجيش والديمقراطية

2021-07-18

ليس الجيش مؤهلا لحمل لواء الإصلاح وملاقاة المطالب الشعبية والسير بالانتفاضة الشعبية لأهدافها العليا.

تتابعت سريعا هيمنة الجيش وجاهزية ميليشيات جنجويد الماضي القريب أو «قوات الدعم السريع» الحاضر لاستعادة ألوان البطش القديمة.

هل اختلف السودان عن شقيقاته العربيات في مسألة واحدة لكنها مركزية تماماً: موقع المؤسسة العسكرية في تشكيلات ما بعد إعادة تدوير الأنظمة؟

توفّر طراز كاذب متعمد ومخادع من التغنّي بالسلمية وائتلاف الجيش مع التكوينات المدنية ووجود «تكنوقراطي» ربيب مؤسسات مالية دولية على رأس الحكومة. 

صراعات راهنة تحتدم بين رؤوس الجيش ثمّ بين هؤلاء والمكوّنات المدنية للحكم تكرر مآسي انتفاضات عربية بل تقتدي بأشرس ما أفرزته الثورات المضادة من ارتداد ونكوص نحو الاستبداد.

وحدهم أصحاب النوايا الحسنة، وبعض السذّج بالطبع، انتظروا أن تسير الانتفاضة الشعبية في السودان من حسن إلى أحسن، وأن تتجاوز العقبات والمصاعب والإشكالات والاستعصاءات التي شهدتها انتفاضات عربية سابقة، في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، أو حتى الجزائر.

ولقد توفّر طراز، كاذب عن سابق قصد ومخادع، من التغنّي بالسلمية وائتلاف الجيش مع التكوينات المدنية المختلفة، فضلاً عن وجود «تكنوقراطي» ربيب مؤسسات مالية دولية على رأس الحكومة.

غير أنّ الحقائق، الصلبة الصارخة المحتومة أحياناً، تتابعت سريعاً لجهة تأكيد هيمنة الجيش وجاهزية ميليشيات جنجويد الماضي القريب أو «قوات الدعم السريع» الحاضر لاستعادة ألوان البطش القديمة إياها.

وجرى استئناف تحالفات الهيمنة والفساد، في مستويات شتى اقتصادية وسياسية واستثمارية؛ ثمّ تنويع شبكات الارتباط والعمالة الإقليمية، من مصر والإمارات إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي وتشاد وخليفة حفتر.

وقد يساجل مساجل، على نحو مشروع لا يغيب عنه بعض الصواب، أنّ هذه حال منتظَرة من انتفاضة على الشاكلة التي اتخذتها، وبالقياس والمقارنة مع شقيقاتها الانتفاضات العربية هنا وهناك.

ما خلا أنّ سجالاً كهذا يتوجب أن يردّ الكثير من عناصر التأزّم الراهنة إلى معضلة كبرى شرقية (بل تكررت بعض الوقت غربياً، كما في اليونان الحديث) هي علاقة الامتناع الكلاسيكية بين المؤسسة العسكرية ونظيرتها المؤسسة المدنية، أو الجفاء المزمن بين الجيش والديمقراطية على نحو أعرض.

وفي سياق سجالي مثل هذا لا يصحّ، منهجياً على الأقلّ، استبعاد الفرضيات التي تقول إنّ حاكم السودان الأقوى اليوم هو عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، وأنّ الثاني من حيث القوّة هو محمد حمدان دقلو آمر وحدات «الدعم السريع»، وللمرء أن يضع رئيس الحكومة في أية مرتبة بعد ذلك!

وليس من كبير فارق، بالنسبة إلى شعب السودان أو مسارات انتفاضته، أن يتوجه هذا إلى القاهرة أو ذاك إلى أبوظبي أو ثالث إلى أنقرة أو رابع إلى واشنطن أو خامس إلى موسكو… ما دامت النتائج تنتهي، في كثير وليس في قليل، إلى الحصيلة المشتركة: هيمنة الجيش.

يتحدث حمدوك عن «أزمة وطنية شاملة»، يُدرج في تضاعيفها بنود تأزّم كبرى مثل تعدّد مراكز القرار وتفاقم الفساد وتصاعد الخلاف بين شركاء الفترة الانتقالية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي