الإسلام.. حضارة حياة ترفض العصور الوسطى

2021-07-12

الشارقة - محمد إسماعيل زاهر

ما الذي ينتابنا ونفكر فيه عندما نذكر مصطلح «العصور الوسطى»؟ البعض سيستحضر مشاهد إحراق الساحرات، والبعض الآخر سيتذكر محاكم التفتيش، وسيتحدث فريق ثالث عن الصراع بين الكنيسة والعلماء، لكن ماذا لو سألنا عن «العصور الوسطى الإسلامية»، هنا سنجد أنفسنا أمام إشكالية مركبة، فهناك وجهات نظر ترفض المصطلح من دون أن تستند إلى حجج وبراهين، مجرد دفاع عاطفي، ووجهات نظر ثانية تؤكد أن العالم بأكمله عاش مرحلة العصور الوسطى، والتي تميزت في الشرق بسمات لم تختلف كثيراً عن أوروبا.

مرة ثانية، لا يمكن توصيف «العصور الوسطى» إلا بالمصطلح الإشكالي المربك، فمن داخل الثقافة الغربية نفسها، هناك من يستعيد بلغة حنينية أجواء الفروسية وقيم النبل التي صاحبتها، فضلاً عن حكايات الغابات المسحورة، وينتمي هؤلاء غالباً إلى فضاء الشعر، وعلى جانب آخر يوجد لدينا هنا في الثقافة العربية تيار فكري حداثي، متطرف، لم يكن يحلو له وصف الآخرين إلا بأنهم ينتمون على المستوى العقلي إلى العصور الوسطى.

وبعيداً عن ذلك الجدل الفكري الذي شاهدناه لعقود في ساحتنا الثقافية دخل المؤرخون على الخط، وتعاطوا مع الإشكالية عبر أكثر من منطلق، لكن كان الرأي اللافت لأولئك الذين رفضوا أن يكون تاريخ الغرب هو التاريخ الوحيد المعتمد للعالم، فالعصور الوسطى الأوروبية تزامنت مع النهضة العربية الإسلامية، وعندما بدأت أوروبا تنويرها ويقظتها كانت منطقتنا تدخل في سبات عميق وتراجع طويل، هنا سنجد أنفسنا أمام مجرد زحزحة زمنية لحقبة العصور الوسطى ذات السمات المعروفة، والتي عاشتها حضارتنا، لكن في قرون لاحقة لنظيرتها الأوروبية.

إذاً، وبعيداً عن حنين الشعراء، عرف التاريخ والفكر ومسار الحضارتين العربية والأوروبية، تلك الفترة المظلمة المسماة «العصور الوسطى»، والتي أصبحت أحد ثوابت الخطاب العربي، سواء في جولاته التاريخية، هنا أو هناك، أو في توظيفه للمصطلح خلال معاركه الفكرية.

 

من هنا يستمد كتاب «لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟» للمستشرق الألماني توماس باور، أهميته وفرادته، وما يستوقف أي قارئ لهذا الكتاب، ليس المقدمة التنظيرية التي تشرح مفهوم «العصور الوسطى»، وأبعاده ودلالات توظيفه، لكن يمتعنا باور بما يشبه المعجم الذي يتكون من 26 مفردة بعضها يتعلق بالفكر،

والبعض الآخر بالعقيدة الإسلامية، لكن معظمها يرتبط بالبشر، ما يود باور قوله في النهاية أن الإسلام: عقيدة وشريعة، ثقافة وسلوك يومي، حضارة وكتابة، بشر وأمكنة، لم يكن يحتفي طوال تاريخه إلا بالحياة، ولذلك لم يكن للعصور الوسطى أن تزدهر في أي مكان في الحضارة العربية الإسلامية.

يؤكد باور تحت عنوان «الأمية»، أن تعلم القراءة والكتابة ظل يقتصر على النخبة الأوروبية، الملوك والنبلاء، حتى العصور الحديثة، أما العمال وفي مهن مختلفة في العالم الإسلامي فكانوا ينظرون إلى التعليم بوصفه فريضة دينية، وتحت عنوان «الفرص المتاحة»، يذهب إلى أن الإسلام هو العقيدة الوحيدة التي سمحت بالترقي

الاجتماعي لأعلى المستويات، فالمماليك وصلوا إلى مرتبة السلاطين، وهو ما كان يستحيل في أي مكان آخر في العالم، وليس أوروبا فقط، ويلفت إلى أنه وعلى عكس السائد فإن الإسلام انتشر ببطء ومن خلال الإقناع، فربع سكان تركيا وحتى الحرب العالمية الأولى كانوا من غير المسلمين، أما الطب الإسلامي فلم يكن إلا مصطلح تعريفي وحسب، ففي أرض الواقع كان معظم الأطباء من المسيحيين أو اليهود.

مع باور نقرأ عن الكثير من المفردات من منظور جديد: ولع المسلمين بالحمامات العامة والنظافة، عنايتهم بالحدائق، اهتمامهم بفنون الزجاج والعمارة وانتشار القطع النقدية الصغيرة «الفكة»..مع باور نتوقف لنتأمل منظور جديد للحضارة الإسلامية التي لم تعرف فكرة الغريب إلا في الأدب، أما الغريب ذلك الإنسان المجهول

القادم من بعيد ويحمل إلينا شراً ما فيقبع حتى الآن في روح أوروبا، مع باور ننظر مرة أخرى إلى شعر الحب والذي لم يكن مسموحاً به هناك حتى وقت قريب، ينبهنا باور لنقارن بين «جحيم» دانتي الكئيب والمرعب و«غفران» المعري المعرفي والفلسفي.

مع توماس باور، نظرة مختلفة تماماً للإسلام بوصفه أسس حضارة تحتفي بالحياة وترفض ظلام العصور الوسطى.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي