من أجل هنري ميشو

2021-06-29

تجربة ميشو في الرسم اُعتبرت فاتحة للأسلوب التبقيعي

فاروق يوسف*

ما لا يعرفه الشعراء عن الفرنسي البلجيكي هنري ميشو (1899 – 1984) أنه كان رساما طليعيا بل واحدا من أهم الفاتحين في الحداثة الفنية.

لذلك فإن من لا يعرف ميشو رساما، فإنه لا يعرفه أبدا حتى لو أتيحت له فرصة قراءة شعره المثير والممتع كله.

“أكتب لكي أجوب مجاهل قارات نفسي ولذلك أرسم وأؤلف. أتجوّل داخل نفسي. المغامرة هي أن تكون على قيد الحياة”.

   

مع ميشو نرى ما رُسم غير أننا في الوقت نفسه نسافر في اتجاه ما لم يُرسم لكي نراه.

عاش ميشو حياته مسافرا، متنقلا بين القارات، ذاهبا إلى الأقاصي.

أقاصي المكان وأقاصي التجربة الإنسانية، وهو الذي عُرف بالرسم وكتابة الشعر تحت تأثير الأفيون.

عاش في الصين سنوات وتردّد عليها كثيرا.

رجل الحركة الذي لا يريحه سوى أن يكون مكتشفا كان يقضي الجزء الأكبر من وقته في التأمل. تأمل حركة الكائنات غير المرئية. كما لو أنه عاش حياته كلها في حلم كانت أشعاره ورسومه مليئة بالظلال. الحياة باعتبارها حقلا لظلال لا تتوقّف عن الحركة.

اخترع ميشو جغرافيا للنوم. كانت رسومه هي الأرض التي وضع عليها خرائط تجربة النائم الذي يسحب اليقظة من سريرها لينيمها إلى جانبه.

أعتبرت تجربته في الرسم فاتحة للأسلوب التبقيعي. صار التبقيع بعده مصطلحا دخل إلى المعجم الفني باعتباره تجسيدا لمحاولة توسيع الحداثة الفنية.

كان باحثا عن الجوهر الذي لن يجده إلاّ في الأعماق القصية التي يمتزج فيها الغموض بالرغبة الحرجة في المضي قدما من غير توقف.

بهذا المعنى كان الرسم كما مارسه استمرارا في التماهي مع عنصري الخط والمسافة اللاهثين.

أنت ترسم لتكون موجودا داخل البقعة ووراء تشابك الخطوط لا أن تكون مجرّد مشاهد ينقل ما يراه. ما تعلمه ميشو من الصينيين يفوق أهمية لما ورثه من تجارب فنية غربية.

ذلك ما أضفى على محاولته الفنية طابع الدهشة والغرابة والحيوية التي لا تتعارض الحركة فيها مع قوة التأمل الكامنة.

التبقيعية هي اتجاه فني حركي يستند في الأساس على عنصر الصدفة غير أن حركيته لا تشوّش القدرة على التأمل العميق. بل العكس هو الصحيح.

فكلما غصنا في تفاصيل الخطوط والمساحات كلما ضاقت المسافة التي تفصل بيننا وبين التأمل. مع ميشو نرى ما رُسم غير أننا في الوقت نفسه نسافر في اتجاه ما لم يُرسم لكي نراه.

 

  • كاتب عراقي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي