كيف أصبح السودان ساحة معركة مهمة في الصراع بين أمريكا وروسيا؟

2021-06-07

تحاول روسيا في السنوات الأخيرة أن تعيد فرض نفوذها في مناطق العالم العربي وأفريقيا التي كان لها فيها نفوذ كبير في العصر السوفييتي منذ عقود، ويتجلى هذا في سياستها الخارجية تجاه السودان، وهي دولة كانت مؤيدة للسوفييت منذ 1969 (عندما تولى جعفر النميري السلطة) حتى الانقلاب المدعوم من الشيوعيين في 1971.

وتنبع أهمية السودان الاستراتيجية بالنسبة لروسيا من موقعها الجغرافي على طول البحر الأحمر، الذي يربط البحر الأبيض المتوسط ​​بآسيا، وهو أحد أكثر المجاري المائية ازدحاما في العالم.

كان للسوفييت ذات يوم بصمة عسكرية على طول البحر الأحمر في إثيوبيا والصومال وجنوب اليمن، وبالتالي فإن إعادة ترسيخ روسيا لوجودها في المنطقة أمر حاسم في إظهار النفوذ البحري والوصول إلى المحيط الهندي.

وبوجود منشأة بحرية لروسيا في سوريا والتحدث عن المزيد من القواعد في ليبيا، فإن ترسيخها لموطئ قدم في السودان يوفر لموسكو منصات في كل من البحر المتوسط ​​والأحمر، فيما يعد خطوة مهمة في جهود روسيا لتصبح قوة بحرية عالمية. 

السودان يحاول الموازنة

على مدى القرن 21، وخاصة منذ عام 2017، عززت روسيا علاقتها بشكل ملحوظ مع السودان في عهد الرئيس "عمر البشير" والحكومة الانتقالية الحالية.

واليوم، أصبحت السودان واحدة من أكبر أسواق الأسلحة لروسيا في إفريقيا، وبلغت التجارة الثنائية 500 مليون دولار في عام 2018، مما يجعل السودان ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا جنوب الصحراء الكبرى.

لكن السودان في الوقت ذاته يتطلع لفرص جديدة لتعميق العلاقات مع الغرب، بعد إزالته من قائمة الحكومة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، في أواخر عام 2020.

وهكذا يجب على السودان موازنة نفسه جيوسياسيًا بين روسيا والولايات المتحدة، في وقت يمكن أن ينضغط فيه بسبب المنافسة الأمريكية الروسية على النفوذ في البحر الأحمر.

الماضي الروسي مع البشير

وخلال الفترة بين 2005 و2010، اتهمت المحكمة الجنائية الدولية "البشير" ولاحقته، وأصبح السودان بعد فرض العقوبات، معزولًا ومنبوذًا عالميًا بشكل متزايد.

ونتيجة لذلك، أولى نظام الخرطوم اهتمامًا أكبر لعلاقته مع روسيا، وعزز دعم موسكو من السرديات الروسية حول احترامها للحقوق السيادية للبلدان العربية والأفريقية، إذ أنه لطالما قدمت روسيا نفسها لدول العالم الثالث كحصن ضد التدخل الغربي في الشؤون الداخلية لدول العربية والأفريقية، وترفض وعظ المستبدين حول حقوق الإنسان.

وبالرغم من أن "البشير" كان مطلوبا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، فقد زار مدينة سوتشي الساحلية الروسية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، مسافرًا على متن طائرة أرسلها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى الخرطوم.

ومع مراقبة "البشير" للتدخل الروسي في سوريا لدعم حكومة "بشار الأسد"، في أواخر عام 2015، فإنه طلب المساعدة من "بوتين" في مواجهة ما رآه تهديدات وجودية داخلية وخارجية لنظامه.

تضمنت هذه التهديدات اندلاعات للصراعات في المناطق الطرفية للبلاد والمظاهرات المناهضة للحكومة في المدن السودانية، وكذلك العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، وأعرب "البشير" أثناء وجوده في سوتشي أيضا عن اهتمام بشراء نظام الدفاع الجوي "S-300" الروسي.

 وجاءت رحلة "البشير" إلى المدينة المطلة على البحر الأسود قبل 13 شهرا من زيارته التي قام بها لـ "الأسد" في دمشق، في علامة على أن السودان أصبح أكثر دعمًا لأجندة روسيا الإقليمية، التي تنطوي على دفع الدول العربية لإعادة تطبيع العلاقات كاملة مع الحكومة السورية.

وفي سوتشي أيضًا، أعرب "البشير" عن دعم العمليات العسكرية الروسية في سوريا، ومواقف موسكو بشأن القضايا الأخرى المثيرة للجدل في الشرق الأوسط.

ولعب "البشير" بطاقة مناهضة الولايات المتحدة لاسترضاء القيادة الروسية، قائلًا لـ"بوتين": "نحن نعارض التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولا سيما التدخل الأمريكي في العراق".

تم ربط توقيت زيارة "البشير" إلى سوتشي برغبته في استغلال التنافس الأمريكي الروسي لمصلحته الخاصة، وعندما ذهب "البشير" إلى روسيا، توقعت الخرطوم بناء على ذلك أن تليّن إدارة "ترامب" موقف واشنطن ضد النظام السوداني.

وتعززت توقعات السودان هذه بفعل ولع الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" بدعم الدكتاتوريين، وكذلك اصطفاف السودان مع دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران في عام 2016، بالإضافة إلى اتفاق بعد محادثات سوتشي، بإنشاء روسيا لقاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر في السودان، وهو تطور ستراه واشنطن كتهديد، وربما سيؤدي لتواصل أمريكي مع الخرطوم لبدء فصل جديد في العلاقات الثنائية.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي