من أين تأتي الأفلام الجيدة المصنوعة بعناية

2021-06-01

 المال والأعمال.. الدبلوماسية الناعمة في صناعة الأفلام

طاهر علوان*

كثيرا ما تسمع شكوى خاصة في هذه الأيام من رداءة مستوى أغلب الأفلام العربية وخاصة التجارية منها.

ويستطيع جمهور عريض من المشاهدين أن يصف أو يعدد لك أسباب تلك الرداءة، كما أن بإمكانه أن يشخص عناصر الضعف في هذا الفيلم أو ذاك، ومع ذلك هنالك إصرار على إنتاج هذا النوع المتردّي من الأفلام.

في المقابل هنالك مشاريع لمخرجين وكتّاب سيناريو تذبل وتموت لأنها لا تجد طريقها للحياة على الشاشات.

لا أحد يسأل عن أيّ أحد في مجال الإنتاج الفيلمي، فالأمر الواقع هو هذا الذي قدّمنا له والذي يشكّل السواد الأعظم مما نشاهده.

لكن السؤال العملي الذي نحتاج للإجابة عنه هو من أين تأتي الأفلام الجيدة والمصنوعة بعناية، والتي يمكن أن تمثلنا عالميا ونحن لا نعنى بكتّاب السيناريو والمخرجين أصحاب المشاريع ولا نبحث عنهم ولا توجد منصّة حضارية يمكن لها أن تستقطبهم.

الكل يريد أفلاما جيدة عربية تنافس وترتقي، فالفيلم العربي بصفة عامة لم يحقق النجاح الذي حقّقته السينما الإيرانية ولا التركية، هؤلاء الذين يجاوروننا والذين ينتجون العشرات من الأفلام سنويا وتصل أحيانا إلى أكثر من 100 فيلم سنويا.

أفلامهم وصلت إلى الأوسكار ونالت الجوائز ودخلت المهرجانات وحصدت الجوائز هذا على صعيد السينما الإيرانية، أما التركية فيكفي أنها تمتلك تلك القوة الإعلامية الناعمة التي تنتشر وتدخل بيوت الملايين من البشر من خلال المسلسلات التركية ذائعة الصيت وواسعة الانتشار.

هذا مجرّد مثال وبالطبع أن تلك الوفرة والنجاحات لا يمكن أن تأتي من فراغ، فالنجاح على المستوى الإقليمي والدولي معناه أن هنالك صناعة فعلية وماكنة إنتاجية تدور وميزانيات كبيرة يتم رصدها لهذه المشاريع، ومن أجل هدف أساس تسعى له جميع الدول المتحضرة والواعية وهو القوة الإعلامية والفنية الناعمة التي صارت جزءا أساسيا من الدبلوماسية الناعمة.

في مقابل ذلك الإنفاق على المشاريع السينمائية وإنتاج الأفلام والمسلسلات وما يرافقه من الدفع بطاقات ومواهب جديدة هنالك مشاهد الجدب المؤسفة عندنا، فهل يعقل أن ميزانيات دول ثرية ومتوسطة الثراء ليس فيها دولار واحد يتم رصده سنويا ليس من أجل سواد عيون المخرجين بل من أجل الاسم والسمعة والواجهة والقوة الناعمة.

لماذا تتخلى الحكومات عن مكاسب عظيمة يمكن أن تجنيها فيما هي تبخل عن الإنفاق على صناعة الترفيه ولربما نجد هنا وهناك أن صانع القرار ما يزال يشفق على السينما وصناعة الترفيه والمسلسلات ويعدّها نشاطا هامشيّا وليست أسبقية جديرة بالنظر.

مشاريع أفلام طويلة وقصيرة ووثائقية بلا ميزانية منذ زمن في كل بلد وكلها يمكن أن تتطور حتى نصل إلى نوع من الخميرة الإنتاجية التي تساعد على دوران عجلة الإنتاج وتشغيل طاقات معطّلة، وفي نفس الوقت التخلّص من ظواهر الانزواء والشللية والمصالح الضيّقة في منح الفُرَص للمعارف والأصدقاء والصديقات في مقابل حرمان آخرين.

تجد في بعض الأحيان منَحا سنوية للمساعدة في تمشية مشاريع أفلام طويلة أو قصيرة أو وثائقية سواء في مرحلة ما قبل الإنتاج أو مرحلة التطوير أو مرحلة التصوير أو ما بعد ذلك، لكنها منَح تشبه المستحيل كونها شبه تعجيزية بعراقيل بيروقراطية ومسابقات صارمة لا تمنح جائزتها الهزيلة أصلا إلا لمتسابق واحد أو اثنين وعلى عشرات غيرهم انتظار مسابقة أخرى بعد عام أو عامين.

فهل يخدم هذا المشهد والواقع المزري حركة الإنتاج وهل سوف ينمّي فعلا طاقات ومواهب أم أنها مجرّد لصقة على جدار كبير وهي ظواهر دعائية أكثر منها مدروسة بعناية للمساهمة في عملية تطوير هذا القطاع؟

 

  • كاتب عراقي مقيم في لندن






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي