
نما التآزر والتعاون بين الخليج وشرق البحر الأبيض المتوسط بشكل كبير في الأعوام الأخيرة. وأشار وزير الخارجية القبرصي في حديثه باجتماع "بافوس" في قبرص، في منتصف أبريل/نيسان 2021، مع نظرائه من اليونان وإسرائيل، وكذلك "أنور قرقاش"، وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية لدولة الإمارات، إلى أن "شبكة التعاون الإقليمي المتطورة تخلق سردا جديدا".
وبعد أسبوع، حلقت الطائرات المقاتلة الإماراتية والإسرائيلية معا علنا، لأول مرة، في مناورة جوية دولية استضافتها اليونان. فكيف يمكننا تفسير علامات التعاون المتزايد بين هذه الجهات الفاعلة التي تعمل على ما يبدو في ساحات قريبة ولكنها ليست متداخلة تماما؟.
أدت التطورات التي تتراوح من الحرب الأهلية الليبية إلى "اتفاقيات إبراهيم" التطبيعية إلى خلق مساحة تبدو فيها مصالح دول شرق البحر الأبيض المتوسط، مثل اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل، ودول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، أكثر اتساقا من أي وقت مضى.
وأصبحت التطورات غير ذات الصلة على ما يبدو في مجالات مثل قطاع الطاقة مترابطة الآن بطرق تزيد من ترسيخ الترابط بين المنطقتين. علاوة على ذلك، لم يعد يُنظر إلى علاقات هذه الدول مع إسرائيل على أنها عقبة في طريق تعميق العلاقات.
على العكس من ذلك، فإن إسرائيل، بسبب موقعها وقوتها العسكرية والتكنولوجية، ونتيجة للمصالح المشتركة، أصبحت الآن شريكا مرغوبا في هذه العلاقات المزدهرة.
وسبق التعاون المتنامي بين إسرائيل واليونان وقبرص، التعاون اليوناني مع دول الخليج العربي. وكانت علاقات إسرائيل في السابق صعبة مع اليونان وقبرص بسبب رغبتهما في أن يكون العالم العربي إلى جانبهما فيما يتعلق بقضية قبرص وبسبب حساسية قضية الأقباط في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، دفع العصر الذهبي للعلاقات التركية الإسرائيلية، هذه الدول بعيدا عن بعضها البعض. وبداية من عام 2010، على خلفية تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية في أعقاب حادثة "مافي مرمرة"، واكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، وأزمة الديون اليونانية، التي أدت أيضا إلى أزمة اقتصادية في قبرص، بدأت العلاقات تزدهر.
ويمكن قول الكثير من الشيء نفسه عن المثلث اليوناني-القبرصي-المصري الذي بدأ يتشكل في شكله الحالي بعد صعود الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" إلى السلطة عام 2014، والذي كانت علاقاته مع تركيا متوترة للغاية.
وشهد العام الماضي خطوة كبيرة إلى الأمام في التعاون السياسي والأمني بين السعودية والإمارات من جهة، واليونان وقبرص من جهة أخرى. وفي مارس/آذار 2021، حلقت طائرات مقاتلة وطائرات نقل سعودية إلى اليونان للمشاركة في "فالكون آي 1"، وهو تدريب عسكري مشترك واسع النطاق كان الأول من نوعه للقوات الجوية.
وفي الوقت نفسه، وصل وفد عسكري سعودي برئاسة رئيس الأركان الفريق "فياض بن حمد الرويلي" إلى اليونان لإجراء محادثات. وفي أبريل/نيسان، اتفق البلدان على أن اليونان ستعير وحدات صواريخ باتريوت إلى السعودية للمساعدة في حماية البنية التحتية الحيوية من الهجمات، وخاصة من قوات الحوثيين في اليمن.
وكانت اليونان قد أدانت بشدة هذه الهجمات، وإن كانت، بعد اعتراضات إيرانية، شددت على أن الأنظمة كانت دفاعية وليس لديها قدرات هجومية. وبحسب ما ورد لن تقوم الرياض بتمويل نشر الأنظمة والفرق فحسب، بل ستقوم أيضا بتحديث الأنظمة لليونان.
وتحسنت العلاقات بين الإمارات واليونان بدرجة أكبر. وفي أغسطس/آب 2020، بعد أسبوع من إعلان اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات، أرسلت أبوظبي طائرات مقاتلة وأطقم برية إلى اليونان للمشاركة في مناورة مشتركة للقوات الجوية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، خلال زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى أبوظبي، وقع البلدان اتفاقية شراكة استراتيجية كبرى يقال إنها تتضمن مكونا أمنيا مهما.
وانضمت كذلك اجتماعات سياسية رفيعة المستوى إلى جهود التعاون الأمني. وفي مايو/أيار 2020، عقب اجتماع على منصة افتراضية، أصدر وزراء خارجية اليونان وقبرص ومصر والإمارات وفرنسا بيانا مشتركا يدين إرسال سفن حفر تركية إلى المياه في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
وفي فبراير/شباط 2021، عقدت اليونان قمة حضرها وزراء خارجية قبرص والإمارات والسعودية والبحرين ومصر وفرنسا. وكان اجتماع منتصف أبريل/نيسان 2021 المذكور أعلاه في بافوس ملحوظا، حيث بدا أنه يبشر بتشكيل علاقة "رباعية" جديدة بين اليونان وقبرص وإسرائيل والإمارات.
المصالح المشتركة
في الأعوام الأخيرة، بحثت الرياض وأبوظبي سبل تعميق التعاون بينهما وبين الدول الأخرى التي أعربت عن انزعاجها من النشاط التركي، خاصة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، بهدف توسيع حدود نفوذهما ومشاركتهما.
وكانت أنقرة والرياض وأبوظبي تتنافس مع بعضها البعض لتشكيل النظام الإقليمي في أعقاب الاضطرابات في الشرق الأوسط التي بدأت قبل عقد من الزمن. والأهم من ذلك، تدعم الإمارات والسعودية نظام "السيسي" في مصر بمعركته الأوسع ضد جماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ عام 2017، كانت القاعدة العسكرية التركية في قطر أيضا مصدر توتر مستمر بين الرياض وأبوظبي من جهة، وأنقرة من جهة أخرى. وبدأت الدول الـ 3 في التدخل في مسارح تميزت بعدم الاستقرار وفراغ السلطة بعيدا عن حدودها.
وكان لمشاركة مختلف الجهات الفاعلة في الحرب الأهلية في ليبيا وتطورات أخرى من هذا القبيل، تأثير كبير على الأحداث في شرق المتوسط.
وبالإضافة إلى بناء القواعد العسكرية والموانئ ودعم الوكلاء، حاولت الدول تشكيل تحالفات، وإن كانت فضفاضة، لتعزيز مصالحها. كما ساهمت دوافع مماثلة في اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات، اللتين تعتبران أنقرة خصما جيوستراتيجيا. وفي حالة أبوظبي فإن تركيا خصم أيديولوجي أيضا.
وتتوافق هذه التطورات بشكل كبير مع المبادرات الدبلوماسية لقبرص واليونان المتعلقة بشرق المتوسط، التي تهدف إلى تعويض الضعف العسكري النسبي في مواجهة تركيا.
ومثل المحادثات واللقاءات بين كبار الشخصيات على الجانبين، والتي تحدث بوتيرة متزايدة، فإن التدريبات الجوية مصممة بشكل أكبر لإظهار دعم الخليج وتضامنه مع اليونان أكثر من كونها اختبار للياقة جيوش الدولتين، بالنظر إلى الزيادة الكبيرة في التوترات.
وفي شرق المتوسط عام 2020، مع الإشارة لأنقرة واصطفاف الدول المصممة على عرقلة سياستها الحازمة، لم تنقص الإشارات إلى إسرائيل في التعاون المتزايد بين اليونان ودول الخليج. وشاركت الإمارات وإسرائيل في مناورة جوية دولية في اليونان، أبريل/نيسان الماضي، وعلى عكس الأعوام السابقة، سمحت أبوظبي بأن تكون مشاركتها في تدريب مع إسرائيل علنية.