الفلسطينيون يحيون الذكرى الـ73 للنكبة.. يواجهون آلة الحرب الإسرائيلية في غزة وعمليات التهجير في القدس

القدس العربي
2021-05-16

غزة- رام الله - من بين أنقاض المنازل المدمرة، ومن بين الموت الذي يتنقل في شوارع غزة، والتهديد بـ”الترحيل القسري” الذي يهدد سكان القدس المحتلة، ليعيد إلى الذاكرة آلام اللجوء، أحيى الفلسطينيون الذكرى الـ73 لـ”نكبة فلسطين”، وهو اليوم الذي أحكمت فيه العصابات الصهيونية احتلال الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية، بعد طرد السكان بالقوة إلى مخيمات اللجوء والشتات.

نكبة 73
وصادف يوم السبت 15 مايو الذكرى الـ73 لنكبة الشعب الفلسطيني، وهو المصطلح الذي أطلق على أحداث الترحيل القسري، الذي مارسته العصابات الصهيونية، ضد الفلسطينيين في العام 1948، والتي كان ضحيتها تهجير نحو 950 ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم الأصلية، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في 1300 قرية ومدينة.

وفي ذلك اليوم أحكمت العصابات الصهيونية، سيطرتها على المدن والبلدات الفلسطينية، بعد أن ارتكبت العديد من المجازر، وطردت سكان تلك المناطق قسرا وبقوة السلاح، إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الجوار كسوريا ولبنان والأردن، ليقيموا هناك في مخيمات للاجئين، لا تزال قائمة لتكون شاهدا على النكبة.

وإضافة إلى تلك المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، وأعمال النهب هدمت العصابات الصهيونية، أكثر من 530 قرية، وطمست معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه، ودمرت العديد من المدن الرئيسة، حيث يحيي الفلسطينيون هذه الذكرى كل عام بمرارة، فيما يستذكر كبار السن منهم تلك الأيام العصيبة التي هجروا خلالها من بلداتهم ومدنهم، ليقيموا في مخيمات اللاجئين ودول الشتات.

كما شهد عام النكبة أكثر من 70 مجزرة نفذتها العصابات الصهيونية، التي أمدتها بريطانيا بالسلاح والدعم، كمجازر دير ياسين والطنطورة، وأكثر من 15 ألف شهيد والعديد من المعارك بين المقاومين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة والاحتلال الإسرائيلي من الجهة المقابلة.

ويشير مركز المعلومات الفلسطيني إلى أنه في ذلك الوقت أنشأت العصابات الصهيونية، على أنقاض تلك القرى المدمرة مستوطنات إسرائيلية، كما احتلت المدن الكبيرة، بعد أن شهدت معارك عنيفة وتعرضت خلالها لقصف من تلك العصابات، أسفر عن تدمير أجزاء كبيرة منها، ومنها مدن حولت لسكن الإسرائيليين فقط، بعد طرد سكانها بالكامل.

وقد أحيى الفلسطينيون هذه الذكرى الأليمة هذا العام، على وقع مشاهد مشابهة لتلك التي كانت قائمة قبل 73 عاما، فمشاهد القصف الجوي حضرت في غزة، وطالت منازل الآمنين وقتلت منهم العشرات بينهم الأطفال والنساء، ضمن العملية العسكرية التي بدأتها قوات الاحتلال منذ يوم الإثنين الماضي، والتي خلفت دمارا كبيرا، وأجبرت عوائل كثيرة على ترك مساكنها والتوجه لـ”مراكز الإيواء” بعد أن دمرت بيوتها، أو أصبحت غير صالحة للسكن.

الذكرى على وقع الجرائم
وفي الضفة الغربية، كانت آلة الحرب الإسرائيلية، تستمر في عمليات توسعة الاستيطان، ونهب الأراضي وإنشاء وحدات استيطانية جديدة، بالإضافة إلى إقرارها خططا من أجل طرد سكان حي الشيح جراح، من مساكنهم وتسليمها للمستوطنين، وهي مساكن أقاموا بها منذ حلول النكبة، حين تركوا مساكنهم في قرى القدس المحتلة، التي احتلتها العصابات الصهيونية قبل 73 عاما، ضمن مخطط استيطاني خطير يهدف إلى ترحيل السكان مرة أخرى.

كما جاءت الذكرى وقوات الاحتلال تستمر في قمع المتظاهرين السلميين الذين يخرجون للدفاع عن أرضهم المهددة بالمصادرة في الضفة لصالح توسعة الاستيطان، فتقتل وتصيب منهم الكثير، وتعتقل أعدادا أخرى، في مسعى لوقف تنامي موجة الغضب الشعبي.

وفي تقرير جديد لمركز الإحصاء الفلسطيني، فإن أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير، شكلت مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، لما مثلته وما زالت من عملية “تطهير عرقي” حيث تم تدمير وطرد شعب بكامله وإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه، وتشريد مئات آلاف الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، حيث انتهى التهجير بغالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أخضعت لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي عام النكبة وما تلاها بعد طردهم من منازلهم والاستيلاء على أراضيهم.

وجاء في التقرير أنه رغم التشريد فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم في نهاية العام 2020 حوالي 13.7 مليون نسمة، ما يشير الى تضاعف عدد الفلسطينيين أكثر من 9 مرات منذ أحداث نكبة 1948، أكثر من نصفهم (6.8 مليون) نسمة في فلسطين التاريخية (1.6 مليون في المناطق المحتلة عام 1948)، حيث تشير التقديرات السكانية إلى أن عدد السكان نهاية 2020 في الضفة الغربية “بما فيها القدس بلغ 3.1 مليون نسمة، وحوالي 2.1 مليون نسمة في قطاع غزة، وفيما يتعلق بمحافظة القدس فقد بلغ عدد السكان حوالي 467 ألف نسمة في نهاية العام 2020.

وبحسب سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيما رسميا تابعا للوكالة تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.

وسيطر الاحتلال الذي أعلن قيام دولته يوم 15 مايو من العام 1948، على 78% من مساحة فلسطين التاريخية (27000 كيلو متر مربع)، وذلك بدعم من الاستعمار البريطاني تنفيذا لوعد بلفور المزعوم عام 1917 وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، والدور الاستعماري في اتخاذ قرار التقسيم، (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، الذي عملت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على استصداره)، ثم جاءت النكسة وتوسع الاستيطان والتهجير، وسيطر الاحتلال على أكثر من 85% من مساحة فلسطين.

وحسب الأرقام الواردة في التقارير الفلسطينية الرسمية، فإنه منذ النكبة، سقط ما يزيد عن مئة ألف شهيد، فيما يبلغ حاليا عدد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي 4,500 أسير بينهم 570 أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، و650 معتقلا إداريا، كما وتشير البيانات إلى أن إسرائيل تعتقل ما يزد على 700 أسير من المرضى وستة أسرى من النواب بالمجلس التشريعي، بالإضافة لوجود 25 أسيراً اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو عام 1993 وما زالوا يقبعون داخل السجون الإسرائيلية، ويوضح التقرير الإحصائي أيضا أن نحو مليون حالة اعتقال نفذت منذ العام 1967.

تشبث بالحقوق
وقد أحيى الفلسطينيون بطرق عدة فعاليات هذه الذكرى الأليمة، فرفعت الرايات السوداء فوق المنازل، كما أطلقت صافرات الإنذار في مراكز المدن لمدة 73 ثانية، وهي عدد سنوات النكبة، كما فتحت الذكرى بوابة ذكريات ألمية، استذكرها ما يعرف بـ”جيل النكبة”، وهم من عايشوا تلك الحقبة، وقد حرص الكثير من المواطنين على مشاهدة شريط الذكريات لتلك التفاصيل، من خلال جلسات عائلية استمعوا خلالها من أعمدة العائلة الكبار الذين عايشوا تلك الفترة، التفاصيل الدقيقة من لحظة الهجمات الصهيونية، مرورا برحلة الخروج تحت القصف والقتل والنار، حتى الوصول إلى مخيمات اللاجئين.

وفي هذه الذكرى قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة “إن الشعب الفلسطيني وبعد 73 عاما يملك نفس العزيمة والإرادة، وإن أرض فلسطين هي أرض مقدسة ستحرق كل من يحاول مسها أو يعتدي أو يتآمر عليها”.

أما رئيس الوزراء محمد اشتية فقال في كلمة له ألقاها في فعالية إحياء الذكرى 73 للنكبة الذي يقيمه مركز فلسطين للدراسات في جامعة كامبريدج البريطانية، عبر الاتصال المرئي “التاريخ يعيد نفسه، فما يحدث في الشيخ جراح والضفة وقطاع غزة من مذابح وتهجير وعدوان رأيناه عام 48″، وتابع “المعطيات على الأرض اليوم هي أن جميع أراضي فلسطين تحت الاحتلال، والشعب الفلسطيني أصبح في حال واحد، ما يظهر أن الصراع بدأ يعود للمربع الأول، وإذا كان نتنياهو لا يميز بين معاليه أدوميم وتل أبيب، فالفلسطيني لن يميز بين رام الله ويافا أو نابلس وحيفا”.

وقالت اللجنة المركزية لحركة فتح، إن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق حصريا في تقرير المصير على أرض الآباء والأجداد فلسطين، وأكدت أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين حق مشروع كفله القانون الدولي والإنساني وهو حق مقدس في نظر كل الشعب الفلسطيني، وقالت إن النضال الوطني الفلسطيني سيتواصل بنفس الهمة والعزيمة حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وشدد أحمد أبو هولي مسؤول ملف اللاجئين في منظمة التحرير، على الموقف الثابت والمبدئي للمنظمة المتمسك بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها عام 48، ورفضها لكل محاولات التوطين والوطن البديل أو الدمج للاجئين الفلسطينيين أينما وجدوا والتأكيد على استمرارية عمل “الأونروا” إلى حين عودتهم إلى ديارهم، وحمل المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها مسؤولية استمرار مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين، مطالبا بتحمل مسؤولياته الدولية بإنصاف الشعب الفلسطيني ورفع الظلم التاريخي الذي لحق به.

وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية، إن المشهد السائد حالياً، في ظل استمرار الاحتلال بعدوانه على قطاع غزة، لم يختلف كثيراً عن ما شهدته فلسطين في العام 1948، عندما هجر مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، وارتكبت بحقه المجازر المروعة.

وأكدت الجبهة الشعبية في هذه المناسبة، أن كل فلسطين التاريخية هي ملك للشعب العربي الفلسطيني، الذي أكد على روايته التاريخية وضميره الجمعي وكيانيته وهويته الوطنية ووحدة مصيره ونضاله وأهدافه، بما يتجاوز كل الحلول المرحلية والتصفوية، والتي كانت طبعتها الأخيرة صفقة القرن الأمريكية، مشددة على أن المقاومة هي ركيزة أساسية في تعزيز وحدة الشعب في أماكن تواجده كافة، بما يؤكد سقوط الرهان على مشروع التسوية ومفاوضاتها ونتائجها الكارثية، وقالت إن الشعب الفلسطيني بحاجة لرؤية وطنية واستراتيجية شاملة وبنى تنظيمية متماسكة؛ تتجلى في إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وقالت حركة الجهاد الإسلامي إن ذكرى النكبة في هذه المرة، تتزامن مع معركة مفصلية يخوضها الشعب الفلسطيني ومقاومته، اشتعلت شرارتها في القدس المحتلة، ثم امتدت إلى مدن الضفة المحتلة وأراضي الـ48، وتوّجت بتلبية غزة لنداء المرابطين في المسجد الأقصى، فانطلقت معركة سيف القدس وما زالت مستمرة، لتدك معاقل العدو، نصرة للقدس ولكل فلسطين، مؤكدة أنه بعد 73 عاما على النكبة، “لم تنجح دولة الاحتلال في تحقيق حلمها بالتمدد، بل هي اليوم في أوج انكماشها وتقوقعها حول نفسها”، مشيرة إلى أن الذكرى تأتي ينما يتعرض الشعب في قطاع غزة إلى “حرب إبادة، ومحرقة غير مسبوقة”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي