الطفولة المخطوفة في رواية "شقائق النعمان" للأردنية هيا صالح

2021-05-04

 تستعرض الرواية قصص بعض الأطفال ضحايا الحرب

موسى إبراهيم أبو رياش*

الحرب أي حرب، كارثة إنسانية، لا رابح فيها فالكل خاسر. وهي مشروعة إذا كانت ضد عدو واضحٍ لا شك فيه؛ محتلٍ أو مغتصبٍ أو معتدٍ.

أما إذا كانت قتالا داخليا، حربا أهلية، حربا بين مكونات الوطن الواحد، فهي حرب قذرة عمياء عبثية، فعندما يتعدد الفرقاء، وتتعدد ولاءتهم، ويتشتت الناس بينهم، ويختلط كل شيء، تكون الأمور متداخلة، متضاربة، متشابكة، فلا حق بيّن، ولا باطل بيّن، ويقع المواطن المسكين بين أنياب وحوش ضارية، فكل الفرقاء يرونه عدوا، إن لم يكن معهم، فلا يُقبل الحياد، ولذا فهو برسم الموت في كل لحظة من لحظات حياته، إن نجا يوما، فلا يأمن أن يستيقظ، وإن أصبح فلا يأمن أن يُمسي.

الحرب الأهلية، حرب ضد الحياة، ضد الإنسانية، ضد الأخلاق والقيم، ضد الحب والتسامح، ضد الجمال والخير، ضد الأمل والمستقبل، وأكثر ضحاياها تأثرا هم الأطفال، الذين يعيشون أيام الحرب رعبا وخوفا وكوابيس وقلقا وحرمانا وجوعا وتشردا ويتما وضياعا. وستبقى آثار الحرب كامنة في نفوسهم، متداخلة في تكوينهم وتشكيل شخصياتهم، تعيش معهم إلى آخر يوم في حياتهم، وعندما يُجبر هؤلاء الأطفال على المشاركة في الحرب الأهلية، وأن يكونوا أداة للقتل والترويع، فهذه جريمة لا تغتفر، وكارثة لا تزول، وقضاء على الطفولة، وتشويه للإنسان، وخطف لمشاعره وحياته وكيانه، وهذا ما تناولته رواية الفتيان «شقائق النعمان» للأديبة الأردنية هيا صالح، التي تسلط الضوء على مجموعة من الأطفال ضحايا الحرب السورية، الذين تشردوا وتيتموا وأُجبر بعضهم على القتال، وكيف تتعامل معهم الجماعات المسلحة كدروع بشرية، وتتخلى عنهم لتنجو بنفسها.

عمر وسفيان وثريا، ثلاثة أطفال تشردوا مع أمهم بعد أن استشهد أبوهم ودمر بيتهم في قرية «رقون» على يد النظام، ونزحوا إلى قرية «النعمان»؛ تعاني ثريا الطفلة الصغيرة كوابيس ليلية مستمرة، محرومة من حقها في طفولة آمنة سعيدة، يلاحقها الجوع والحرمان والخوف في كل خطواتها.

أما سفيان ذو الاثني عشر عاما، فهو يشعر بمسؤوليته عن أسرته، ولذا فهو يغامر، ويبحث عن أي مصدر دخل للإنفاق على عائلته وتوفير ثمن الدواء لأمه، ولا يتردد في العودة إلى بلدته «رقون» والبحث عن حصالته تحت الأنقاض حتى وجدها، وكانت فرصة لإحدى الجماعات المسلحة التي أغرته بالطعام والمال، ومن ثم خدعته فجندته للقتال في صفوفها، خاصة بعد أن تعرفت على مهارته الفائقة في القنص والتصويب.

وعلى النقيض من سفيان كان أخوه عمر ذو الخمسة عشر عاما، الذي وجد نفسه مسؤولا عن أسرة، وهو قليل الحيلة، لا يستطيع أن يتدبر أمره، أو يفرض سيطرته على أخيه، واضطرته الظروف للهرب من قرية «النعمان» بعد أن دخلتها إحدى الجماعات المسلحة، فهرب مع الطفلين سلمى وراكان.

أي طفولة تعيشها ثريا وهي يتيمة الأب، تعيش مع أم مريضة لا تجد علاجا، وتقطن وأسرتها في غرفة واحدة فقيرة الحال، تعاني من الجوع المزمن، والماء الملوث، والخوف الجاثم على الصدور؟ وهل كُتب على سفيان أن ينسى طفولته، ويتذكر بحسرة والده الذي استشهد أمام عينيه، وقد كان أباه وصديقه ومعلمه وسنده، ويغدو رجلا في وقت مبكر جدا، ليسعى في إعالة أسرته بشتى السبل، ما جعله صيدا سهلا لجماعة مسلحة، غسلت دماغه بأفكارها المنحرفة، وفهمها المشوه للدين، ثم جندته بالخدعة ليقاتل في صفوفها، وأقامت حوله وغيره من الأطفال حصارا شديدا منعا للهرب، ولما حاول الهرب، عوقب بشدة، واصطحب للقتال، وعندما هوجم مقر الجماعة من قبل قوات النظام، هرب رجالها عبر الأنفاق، وتركوا الأطفال دروعا بشرية تحمي هروبهم، ولما لحق بهم الأطفال أطلقوا عليهم الرصاص عقابا لهم، لكن سفيان ومن معه نجحوا في الهرب إلى غابة مجاورة، إلى أن اجتمع بأخيه عمر وأدخل مشفى للعلاج الجسدي والنفسي، ومن ثم التحقوا بأمهم في مخيم حدودي.

وخسارة عمر ليست أقل من شقيقيه، فقد وجد نفسه فجأة مضطرا للتخلي عن طفولته، وتولي مسؤولية الأسرة، وهو الذي تعود الدعة والهرب من أي مسؤولية، لكن الحرب أنضجته رغما عن أنفه، وحاول جهده القيام بما يستطيع، ثم اضطر للهرب مع سلمى وراكان بعيدا عن القرية التي اقتحمتها عصابة مسلحة، وقتلت بعض شبابها، واستقرت في بيوتها، وعانى عمر ومن معه الشقاء والجوع والعطش والتعب والخوف والبرد، ما ينسيهم أي طفولة عاشوها، ويفسد عليهم أي طفولة يحلمون بها.

كما تستعرض الرواية قصص بعض الأطفال ضحايا الحرب، مثل راكان وحمزة وريان وعزالدين وأيهم وغيرهم، ممن شوهت الحرب حياتهم، ويتمتهم، وسرقت طفولتهم، وجندتهم للقتل والتدمير، أو الضياع والتشريد والجوع؛ فالطفولة مرحلة لا وجود لها في ظل حرب أهلية، مرحلة يضطر الأطفال للقفز عليها والهرولة نحو المجهول، لا يدرون هل تكتب لهم نجاة أم يتخطفهم الموت من طرفي الصراع، وعلى أي حال، فستبقى الحرب كابوسا يصعب الشفاء منه، فويلات الحرب أكبر من أي علاج أو محاولة للنسيان، خاصة لمن هم في سن الطفولة، فالحرب بالنسبة لهم كيّ لا يزول، وجرح لا يبرأ، ومشهد رعب لا يتوقف.

تحتوي الرواية مجموعة من الحكايات التي تظهر كيف تكشف الحرب عن خفايا النفوس وحقيقتها، خيرها وشرها، طيبتها وخستها، كرمها وبخلها، وكيف يتسلق البعض الدين ليحقق أطماعه، وكيف ينفق البعض عن طيب خاطر، ويمد يد العون للغير، وكيف يساعد الفقير الفقير، والمحروم المحروم، فإن عدموا المال والمادة، فلم يُعدموا الضمير والأخلاق والمشاعر الإنسانية.

وبعد؛ فإن «شقائق النعمان ـ عمان ـ دار الياسمين 2020 ـ 208 صفحات» رواية للفتيان، لكنها تصلح للكبار أيضا بما حفلت به من قضايا إنسانية تستصرخ كل ضمير حي. وهي إن كانت تتناول محنة مجموعة أطفال من ضحايا الحرب الأهلية في سوريا، إلا أنها تطلق الصوت عاليا، وتقرع جدران الخزان، للانتباه لما يجري بحق الأطفال من ضحايا الحرب، سواء في الداخل أو الخارج، وما يتعرضون له من انتهاكات وحرمان لأدنى حقوقهم في العيش الكريم، وبيئة آمنة وعدم استخدامهم أدوات حرب من قريب أو بعيد، وما يصدق على أطفال سوريا يصدق على أطفال بلدان الصراع الداخلي أيضا مثل اليمن والعراق وليبيا والصومال والروهينجا وغيرها.

 

  • كاتب أردني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي