عرفت كيف يحن الغصن

2021-05-01

الشاعر وديع سعادة

وديع سعادة *

 

لوِّحوا بالحطبة

هذه الحقول المحروقة كانت حقولكم

 انظروا

 وانبشوا في الرماد

 قد تعثرون على وجوه كانت لكم.

 الحطبة هناك

 يدُ مزارعٍ مكسورة

 والفحمة

 حدقة عين

 انظروا بالفحمة لوِّحوا بالحطبة

 واجعلوا الورقة اليابسة لساناً ونادوا

 فربَّما شبحٌ عابرٌ هناك

 يرى في رماد سيجارته مزارعي تبغ

 ويطفئها.

 

 الذي عبَرَ اسمَهُ

 كتبَ اسمَهُ على الحائط كي يتذكّر العابرون أنه مرَّ من هنا

 كتبَ اسمَهُ وذهب

 وحين عاد

حاول عبثاً أن يتذكَّر

من هو هذا الاسم المكتوب على الحائط.

 

 عرفتُ كيف يحنُّ الغصن

عرفتُ كيف الشجرة تحنُّ

إلى غصنها المتخشّب

 لكن عرفتُ أيضاً

 كيف يحنُّ الغصنُ

 إلى الخشبة.

 

 رفيقان

رأى وجهه في النهر وظنَّ نفسه ماءً

وجرى

وجرت معه ورقة يابسة.

 رفيقان

واحدٌ يسافر في النظرة

 وواحد يسافر في العمى ويسألان:

 هل الماء لحمٌ؟ هل الماء شجرة؟

 رفيقان:

وجهٌ ذائبٌ، وورقة يابسة

يعلوان معاً، ويهبطان معاً، ويرتطمان

بصخور تظنُّ الورقةُ أنها شجر

ويظنُّ هو أنها عظامه.

 

دُلَّ النقطةَ إلى الطريق

 خُذْها

 خُذْها رجاءً وارمِها في النهر

 هذه النقطة التي ضيَّعت طريقها

 وحطَّتْ على كتفي.

 خُذها

 سيفتقدها النهر

 سيكون البحر ناقصاً من دونها

 خُذها

الشجر أَولى بها منّي

 العشب أَولى

 وقد يكون هناك عصفور

 يبحث الآن

عن نقطة ماء.

 

كي تشرب الذبابة

 وضعَ نقطة ماء في صحن

 كي تشرب الذبابة

 وسلَّم نفسه للريح كي تأخذه الفراشات.

 سلَّم نفسه للريح

فالتقطته الذبابة

وعاد إلى المكان الذي طار منه.تلك المسافة

هل تتذكرون

تلك المسافة الطويلة التي مشيناها

كي نقعد على حجر؟

المسافة الطويلة كي نطرد

 الذئابَ التي تأكل الخراف في قلوبنا وكي

نبقى أبرياء من دم الأرض

 ودم المسافة؟

هل تتذكرون العصافير

التي أردنا ذات يوم أن تكون بيننا وبينها قربى

فزقزقنا

وانهمر الرصاص علينا؟

 تلك المسافة

 تلك المسافة الطويلة نحو خروف

نحو عصفور

 نحو حجر.

 

 غياب

 ظنَّ أنًّه هو ذاك الماشي في الشارع

وقفَ وناداه: هاي، أريد أن أقول شيئاً 

لكنه لم يلتفت

وغاب.

 

ظنَّ نفسه هو ذاك الجالس في الحديقة

وقفَ ومشى إليه

ومشى الجالس في الحديقة

وغاب.

 

ظنَّ أنَّ المارَّة كلَّهم هو

وصاح بهم : هاي، أريد أن أقول شيئاً

لكنَّهم غابوا كلُّهم

وغاب هو

ولم يقلْ أيَّ شيء.

مكان الورقة

 قعد طويلاً هناك

 تحت الشجرة

 وكان يظنُّ نفسه غابة.

 حطَّت عصافير كثيرة

 وطيور غريبة

 على غصونه

وعلى ترابه مشت سحليات، ومشى نمل، واستلقى ناس، وغفا عشب.

 قعد تحت الشجرة وظنَّ نفسه غابة

 في الربيع يُزهر وفي الشتاء يرتجف

 وفي الخريف

 سقطت ورقة

 وقعدت مكانه.

 

يدٌ على الحافَّة

 يدٌ على الحافَّة

 ويدٌ في الفضاء

 ويغنّي

 راسماً بلهاثه القبر الذي يحبُّ أن ينام فيه.

 يغنّي للهواء الذي رافقه على الطرقات

 للبجعة الجائعة التي نظرت إليه ورمى لها لقمة

وللبحيرة

في ذاك المساء

والأسماك التي تسبح فيها.

يضع يداً على الحافَّة ويداً في الفضاء ويغنّي

لرمل

 دفنتْ فيه الحياةُ كلَّ موتاها

يغنّي لمِعْول

حفر طويلاً في ذاك الرمل علَّه

يجد موتى لا يزالون يتنفسُّون

 

يغنّي لصحراء

يغنّي لموتى.

يدٌ على الحافَّة ويدٌ في الفضاء وغناء

وقبرٌ من لهاث

تبدّده الريح.

يمشي يمشي

يمشي باحثاً عن بحر

يرقص موجُه مع السمك

عن صحراء

يغنّي رملُها مع الريح

 

باحثاً عن البحر الأوَّل والصحراء الأولى

وعن حقول

أوراق أشجارها عيون مزارعين

وعيون فلاَّحيها أوراق شجر

وعن عين

هي عيون الجميع.

 

يمشي يمشي ولا يرى بحراً

لا يسمع غناء

لا يرى رقصاً

لا حقولاً ولا مزارعين

يمشي

يمشي

بلا عين

ولا قدم

ولا مكان.

 

  • شاعر لبناني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي