حنين الإيرانيين إلى مقامات الصبا والبيات يعيد المجد لأوتار آلة العود

2021-04-20

وتر العود يستعيد إيقاعه تدريجيا في إيرانطهران - يعاود العود تدريجيا حجز مكان له في إيران بعد أعوام طويلة من النسيان، ويأمل عازفو هذه الآلة الوترية التي شكلت محور الموسيقى العربية والتركية في أن تكون وسيلة للتقارب بين شعوب المنطقة دائمة الاضطراب.

وقال مجيد يحيى نجاد، الموسيقي وأستاذ العود في طهران، “عدد الطلبة الذين يتعلمون العزف على هذه الآلة تزايد بشكل لافت منذ نحو 15 عاما؛ في ذلك الحين كان لكل أستاذ معروف نحو عشرة طلبة، الآن يصل عددهم إلى 50”.

وأفادت أستاذة العود نوشين باسدار بأنها “بدأت تعليم العزف قبل نحو 23 سنة” بعد تخرجها من معهد الفنون، مشيرة إلى أنه “في تلك الحقبة كانت غالبية طلبتها من كبار السن، أما الآن فمعظمهم من الشبان”.

وعلى الرغم من حضورها في الموروث الثقافي الفارسي غابت الآلة الوترية عن التاريخ الإيراني الحديث.

وأوضحت باسدار (40 عاما) أنها في بداية علاقتها بالعود “لم نكن نعرف سوى أن العود يعزف في مصر والعراق، اليوم نعرف أنه يعزف أيضا في سوريا والكويت والأردن”.

ويشكّل العود بالنسبة إلى الجيل الشاب في إيران مدخلا للاطلاع على ثقافات دول مجاورة.

وأكد نجاد “بات العازفون الشبان في إيران يهتمون بشكل أكبر بالثقافتين العربية والتركية”، وعدد من موسيقيي المناطق الثلاث “يصبحون أصدقاء عبر الإنترنت”.

وشهرة العود في الموسيقى العربية توازيها في إيران شهرة “بربط”، الآلة الوترية الشبيهة به إلى حد كبير والحاضرة في الشعر الفارسي القديم.

وتذكر “بربط” في ملحمة “شاهنامه” (كتاب الملوك) للشاعر الفارسي أبوالقاسم فردوسي الذي خصص فصلا من الكتاب لرواية استخدام الموسيقي بربد هذه الآلة الوترية خلال غنائه في ديوان الملك.

وتسعى إيران بالتعاون مع سوريا إلى إدراج “صنع وعزف العود” في قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

ولم يضمن هذا الحضور التاريخي استمرارية للعود في إيران، إذ ضل طريقه وضاع في غياهب النسيان على مدى قرون، وغاب عن التراث الموسيقي التقليدي والكلاسيكي لصالح آلات وترية أخرى مثل التار والسيتار والسنتور والكمنجه وغيرها.

لكن الآلة الخشبية عادت بشكل تدريجي في النصف الثاني من القرن العشرين بمساهمة أساسية من الموسيقي الراحل منصور نريمان الذي أدخل تعليم العود إلى منهج “هنرستان” ونشر “أول دليل للعود بالفارسية”، وفق نجاد.

وبدأ اهتمام نريمان بالعود في خمسينات القرن الماضي، انطلاقا من إعجابه بصوت الآلة “الدافئ”. لكنه يومها لم يعثر على أستاذ يلقنه العزف. غير أن ذلك لم يثبط عزيمته، وفق ما يؤكد نجاد الذي عاصره لسنوات.

وأشار نجاد إلى أن نريمان علّم نفسه بنفسه، وراسل مصريين كان قد سمع عزفهم عبر أثير الإذاعة، طالبا منهم نصائح وإرشادات عن العود. وكان محمد عبدالوهاب من أبرز المتجاوبين معه.

بعد أعوام رفد الطالب الذي لم يجد أستاذا لكنه تحول إلى أستاذ بارع الوسط الموسيقي بتلامذة داعبوا الأوتار ببراعة وأصبحوا موسيقيين معروفين. وسجّل تلميذه محمد فيروزي أعمالا مع “أستاذ” الموسيقى الإيرانية محمد رضا شجريان الذي توفي العام الماضي.

وحقّق بعض ما أنتجه الرجلان نجاحا كبيرا، مثل “آسمان عشق” (سماء الحب في 1991)، و”آرام جان” (استراحة الروح في 1998)، و”غوغاي عشق بازان” (صخب العاشقين في 2007).

وتستعيد باسدار ذكريات تعارفها الأول مع العود ثم بحثها بلهفة بين متاجر الآلات في ساحة بهارستان في طهران، مقصد الموسيقيين في وسط العاصمة الإيرانية، حيث عثرت فقط على “آلتي عود صنعتا في مصر”، وكان حجمهما كبيرا “بالنسبة إلى فتاة يافعة”.


ولفتت صانعة العود فاطمة موسوي في مشغلها الصغير في طهران إلى أنه في تلك الفترة كان عدد صانعي هذه الآلة في إيران “قليلا جدا وسعرها مرتفعا جدا”.

لكن الأوضاع بدأت تتغيّر في مطلع الألفية الجديدة مع دخول مئات الآلات من الدول المجاورة، لاسيما من سوريا، ما ساهم في زيادة الكمية المعروضة وأدى إلى انخفاض ملحوظ في الأسعار.

ويشار إلى أن رجال الدين المتشددين غالبا ما ينظرون إلى هذا المجال بنوع من عدم الرضا، إذ يعتبرون أنه يخالف التعاليم الإسلامية ويلهي عن الشؤون الدينية.

ويرى حميد خوانساري الذي أعد بالفارسية كتابا عن العود أن الآلة “بركة” لأنها “تسمح بتوسيع آفاق الإبداع”.

وجمعت مسارح وقاعات المدن الإيرانية خلال الأعوام الماضية عازفي عود من دول المنطقة والجمهورية الإسلامية، بينهم اللبناني شربل روحانا الذي عزف مع فرقة “كردون” عام 2016.

وأدرج التونسي ظافر يوسف مقتطفات من الشعر الفارسي في مقطوعاته، وعزف مع أوركسترا عالمية ضمت في صفوفها عازفين إيرانيين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي