نزار قباني، وأسلوبه في الهجر!
2020-07-25
غادة السمان
غادة السمان

في زمن «كورونا فيروس» الذي نعيشه يقال على لسان العديد من الأطباء إن المدخن يصاب بكوفيد 19 بأقل من اللامدخن! بالمقابل، لعل النيكوتين في الرئتين يحمي المدخن من الوباء كما يظنون.

لا رأي لي، لأنني لست طبيبة ولا مدخنة. ولكن ككاتبة، أظن أن لدى اللامدخن مناعة صحية أكبر مما لدى المدخن.

أتعاطف مع مدخني السجائر المدمنين لأن زوجي كان كذلك، ولكن أعجبني ذات يوم أسلوب نزار قباني في التوقف عن التدخين تماماً، دون اللجوء إلى ملصقات (النيكوتين) ولا تدخين السجائر الإلكترونية التي تبين أنها مؤذية للصحة كالسجائر العادية.

سجائر (خانم) وخالتي فايزة والشرفة!

ما يزال في البراد منذ 13 سنة في بيتي عدة علب من السجائر الملونة اشتريتها من جنيف، وأخرى عليها صورة الجمجمة والموت اشتريتها من نيويورك.. فقبل رحيل زوجي لم يكن التدخين ممنوعاً بصورة نهائية، بل كانت المطاعم تخصص جناحاً خاصاً بالمدخنين. وكنت إكراماً لزوجي أشعل السيجارة وأنفث دخانها وأنا عاجزة عن ابتلاعه كما يفعل المدخن الحقيقي، بل واكتشفت ذلك منذ محاولة إحدى صديقاتي نهى س. ونحن في سن مبكرة أن تعلمني التدخين، وكنت أصاب بنوبة من السعال وأعجز عن ابتلاع الدخان (لحسن حظي!) لكنني في بعض صوري كنت أحمل سيجارة كنوع من التحدي الاجتماعي. ففي دمشق حين كنت صغيرة، كانت النساء في جلساتهن يقمن بتدخين سجائر (خانم) الخاصة بهن، وكانت خالتي فايزة، أم نزار قباني، تدخنها كلما زرتها وجلسنا على الشرفة المقابلة لبيتي يومئذ في ساحة النجمة الشامية.

نزار: قررت الهجر وانتهى الأمر!

أحببت أسلوب نزار قباني في التوقف عن تدخين سجائره المفضلة يومئذ «لاكي سترايك» وكانت الإعلانات عنها تقدمها بعبارة «لذوي الرجولة» ولم أجربها حتى على سبيل التحدي ورفض العنصرية ضد النساء في ذلك الإعلان عنها، كأن ليست للمرأة رئة تخربها بالتدخين!! نزار لم يتناول أي عقار يساعد على التوقف عن التدخين، بما في ذلك التنويم المغناطيسي، و(الفيلتر) الذي يمتص معظم النيكوتين ويمقته المدخنون العاشقون للسيجارة، وكان زوجي منهم!

قال الطبيب لزوجي: ستعيش عشرة أعوام أقل من (المكتوب) إذا لم تكف عن التدخين ولكنه لم يفعل. ورحل!

نزار استعمل سلاح الإرادة المنسي

حين قرر نزار قباني التوقف عن التدخين اتكأ على ذلك السلاح البشري شبه المنسي الذي يدعى الإرادة.. وقال لي: سأتوقف عن التدخين، وهذا كل ما في الأمر!! وأنذرت زوجته صديقتي الحبيبة العراقية بلقيس الراوي وقلت لها: نزار سيصير عصبياً لفترة فلا تصطدمي معه، إذ سيتوقف عن التدخين، وكم أعجبني بنزار أنه بعد ثلاثة أسابيع من التوقف تماماً عن التدخين عاد إلى لطفه ودماثته وتغلب على أدمان التدخين نهائياً!

علب الكبريت التذكارية ثروة!!

من زمان طلبت مني إحدى صديقاتي من الأديبات اللبنانيات وصال.خ، أن أحمل لها من أسفاري علب الكبريت التي كانت تقدمها المطاعم للزبائن المدخنين وتحمل اسم المطعم وعنوانه، وذلك لأنها تجمعها كهواية! ولدي اليوم علبة كبيرة مليئة بعلب الكبريت من أنحاء العالم كله التي سافرت إليها، ولكن صديقتي الشابة توفيت قبل أن أعطيها تلك العلب التي ما زالت بحوزتي. واكتشفت بعد منع التدخين المطلق في كل مكان أن علب الكبريت تلك صار ثمة هواة لجمعها، وكمثال.. أذكر علبة كبريت تحمل اسم «المطعم» في مبنى التجارة العالمي في نيويورك في الدور 115 الذي نعرف أنه تم هدمه بطوابقه كلها في 11 سبتمبر حين انفجرت فيه طائرة أولى، فأخرى، وشب حريق، وازداد الأمريكيون كرهاً للعرب (الأرهابيين!!) وقالت لي إحدى صديقاتي إن علب الكبريت هذه صارت تذكارية وبوسعي بيعها على الإنترنت بمبلغ كبير جداً، قلت لها: إنها تذكرني بلحظات سعيدة مع المرحوم زوجي من مبنى يطل على منظر خلاب لمدينة نيويورك ولن أبيع شيئاً! ورحم الله صديقتي و.خ، التي لولاها لما خطر ببالي الاحتفاظ بعلب الكبريت تلك..

نزار وأسعد المقدم أيضاً

حين عملت ونزار قباني في مجلة «الأسبوع العربي» وكل منا يكتب عموداً فيها، كان رئيس التحرير هو الصحافي اللبناني الراحل أسعد المقدم.. وقد توقف عن التدخين على طريقة نزار قباني.

وقد كتبت كل ما تقدم للتذكير بعلاج ننساه اليوم اسمه الإرادة البشرية. وأضع إشارة استفهام بعد القول بأن المدخنين أكثر قدرة على الشفاء من أصحاب الرئات الخالية من النيكوتين، والله أعلم هل وراء ذلك القول أصحاب شركات صنع السجائر!! (أم لا)..

الأديبة عفيفة حلبي وسرقة البنوك

في مكالمة هاتفية لي مع لبنان والصديقة الأديبة عفيفة حلبي، قلت لها ضاحكة: ذهبتُ البارحة إلى البنك الباريسي وعلى وجهي قناع (بسبب مرض كورونا) وبدوت كالسارقين القدماء الذين نراهم في السينما يدخلون إلى البنوك وعلى وجوههم الأقنعة، ولو فعلت ذلك منذ أعوام لتم القبض علي وربما إطلاق النار بتهمة محاولة سرقة البنك!

وضحكت حين قالت لي عفيفة: السارقون اليوم لا يضعون الأقنعة في بيروت، لأن بعضهم يجلس خلف الطاولات وفي عرش الإدارات، وبعضهم من سارقي أموال المودعين!..

وتعليقها خفيف الظل ذكرني بحقيقة محزنة عن صغار المودعين في بعض البنوك اللبنانية الذين يخافون من سرقة (تحويشة) العمر وما جمعوه دولاراً بعد آخر ليظفروا بشيخوخة غير مذلة. ومن المطلوب أن تعلن البنوك اللبنانية: هل ستعيد للمودعين أموالهم أم أنه ثمة ذريعة ما تحول المودعين إلى فقراء بعدما كدحوا العمر كله لشيخوخة محترمة بمال قليل، ولكن بدون ذل الفاقة؟ وهل كل من أودع أمواله البنوك اللبنانية كان عليه تحويلها إلى بنوك غربية لكي لا تتم سرقتها بذرائع سياسية؟

آلاف المودعين اللبنانيين من متوسطي الحال يتمنون سماع إجابة واضحة حول ذلك، وهل سيستعيدون مالهم، أم أن بعض الجالسين خلف الطاولات في الغرف الداخلية للبنوك والإدارات بلا أقنعة سيجدون ذريعة لحرمانهم من حقهم في مالهم!



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي