

قال السيناتور الديمقراطي السابق دانييل باتريك موينهن ذات مرة، إن للبشر قدرة محدودة على مواجهة أناس يتصرفون بشكل يشذ عن النمط المعروف. عندما تخترق أنماط سلوك غير مكتوبة يكون للمجتمع ميل لتطبيع الانحراف. وهكذا، فما كان يعتبر في الماضي شاذاً بات طبيعياً. في مثل هذه الحالات، نصبح غير مرة بلا مشاعر ونعتاد على ما كان فضائحياً.
هذه بالضبط هي هندسة الوعي التي تمارسها حكومة الخراب لنتنياهو. إجراءات تشريعية لا تحصى، تعيينات كثيرة لامعات للزعيم الأعلى، تصريحات منفلتة العقال، الفظاظة والسم، بل الكثير من السم… كل هذه تبدأ في جعل مجتمعنا غارقاً، منقطعاً عن الواقع، يتعاطى مع الشاذ جداً كأمر طبيعي ويكبت الفضيحة إلى أن تأتي الفضيحة التالية.
هذا الأسبوع قال رئيس المحكمة العليا المتقاعد، القاضي أهارون باراك، إن الزمن ينفد، ويجب العودة إلى الدفع قدماً بصفقة إقرار ذنب في محاكمة نتنياهو، إذ لا مكان لمثل هذه الصفقة مع تقدم المحاكمة.
وبالفعل، يبدو أنه منذ فرض ترامب وقف الحرب في غزة على نتنياهو، لا تعرف حكومة الدمار نفسها، وتصعد وتيرة الانقلاب. لئن كان مجرد مظهر ديمقراطية – وهو نهج شعبوية الطغيان؛ أن تتخفى في شكل ديمقراطية – فإن هذا المظهر الطفيف نفسه اختفى الآن، وباتت والحكومة تفعل ما تشاء.
الخطوة الفضائحية للوزير يريف لفين، للتدخل في تحقيق النائب العسكرية العامة ونقل التحقيق إلى قاضٍ يروق له هي أحد هذه الأفعال. وهكذا أيضاً الضغط الاستثنائي الذي مارسه الوزير بن غفير على المفتش العام للشرطة وعلى رئيس قسم التحقيقات كي ينقلا مواد التحقيق إلى القاضي المتقاعد آشر كولا. وكل هذا يحصل بعد تضخم مغرض وشرير لقضية النائبة العسكرية العامة، إلى أن حاولت هذه وضع حد لحياتها. بالفعل، نحن غارقون ونعتاد على ما اعتبر في الماضي فضيحة عظمى.
معارضتنا الهادئة تخطئ التفكير بأنهم هم الذين أوقفوا الانجراف. غير أنهم يعطون حظوة مبالغاً فيها لأنفسهم؛ لأن القوانين التعسفية توقفت على الأقل في محكمة العدل العليا حتى الآن. لماذا “حتى الآن”؟ لأن إحساساً غريباً ومقلقاً ثار لدي عندما دعت محكمة العدل العليا الطرفين للوصول إلى حل وسط في موضوع النائبة العسكرية العامة، بل استجدت ذلك، هكذا تماماً بكلمات القضاة. فهل على القلعة الأخيرة أيضاً وقع رعب الأثر المبرد؟ هل القضاة أيضاً غارقون ويطبعون الانحراف؟ نأمل بألا يكون هذا، إذ سبق أن قال عظيم زعماء الليكود منذ الأزل مناحم بيغن، “مع سقوط قلعة القضاء، لا يعود هناك من ينقذ الإنسان المظلوم من حجار رحى السلطان”.
هذا الأثر المبرد، نتاج الأفعال التعسفية لحكومة نتنياهو وآلة السم، يعمل عمله في مؤسسات حكم عديدة، مستقلة، ظاهراً – من الشرطة، عبر الجيش وربما حتى النيابة العامة. وفي هذه الأثناء تواصل الحكومة زوبعة الانقلاب وتدفع قدماً بتقسيم منصب المستشار القانوني للحكومة، تقسيم بحاجة إلى النظر فيه بالفعل، أما الآن فهو مشوه ولا يستهدف إلا السماح لوزير العدل بتعيين المدعي العام بشكل مباشر.
لا خجل لدى نتنياهو وحكومته، لأن كل هذا يحصل حين يلعق الشعب في إسرائيل جراح الحرب الأفظع التي وقعت هنا منذ الأزل، يدفن موتاه ويعيد تأهيل مخطوفيه وجرحاه، رغم كل هذا فإن أياً من صفوف الحكومة لا ينهض ليقول حان وقت لجنة تحقيق رسمية. ما يهم طائفة البيبيين الآن هو إرضاء الحريديم وتوسيع صلاحيات المحاكم الحاخامية، تمهيداً لدولة الشريعة، وكذا تحطيم الإعلام الحر بحيث لا يسمح بالعمل إلا لقنوات الدعاية والأبواق والسم. وبالطبع، تهمهم الانتخابات التمهيدية الحزبية التي تجلب أعضاء الكنيست من الحزب إلى ذرى الإهانة والتغلغل.
بدلاً من مواصلة الخراب، كان يجدر بنتنياهو وعصبته أن يختبئوا لشدة الخجل ويستمعوا لأقوال روبي حن، والد الجثمان الذي أعيد، ايتان حن. فقد قال روبي حن: “الحكومة نسيت ما هي اليهودية. هم يبحثون عن القروض الثلاثة: التكريم بدلاً من التواضع، القوة بدلاً من مساعدة الغير، المال والكولسات بدلاً من أحب لغيرك ما تحبه لنفسك”. وأضاف: “فليأتوا إلى هذا المكان المقدس، وسنشوه شكلهما أو نلقي بهم إلى سلة القمامة”.
يوسي هدار
معاريف 13/11/2025