
في واحدة من أكثر المراحل دقة وحساسية في تاريخ اليمن الحديث، برز الدكتور رشاد محمد العليمي بوصفه قائداً يتميز بقدرة استثنائية على إدارة التنوع السياسي المعقد داخل مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم أطرافاً متباينة في الرؤى والانتماءات، ما جعل مهمة رئاسته أشبه بالسير على حبل مشدود بين مصالح محلية وإقليمية متشابكة.
تستند حكمة العليمي إلى تراكم خبراته الأكاديمية والمهنية؛ فهو حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، ومارس العمل الأمني والسياسي لسنوات طويلة ، هذه الخلفية المزدوجة منحتْه فهماً عميقاً لبنية المجتمع اليمني بما فيها من تركيبة قبلية وتفاوت مناطقي وتباين ثقافي، فضلاً عن إدراكه لحساسية العلاقة بين مختلف الأطراف المتحكمة بالشأن اليمني ، ومن هذا الفهم صاغ نهجه في إدارة المجلس على أساس التوازن الدقيق والبراغماتية الهادئة.
تجلّت هذه الحكمة في عدد من الجوانب الجوهرية:
أولا : صيانة وحدة المجلس رغم التناقضات ..فأعضاء المجلس يمثلون طيفاً سياسياً متنوعاً، من قوى الحراك الجنوبي إلى تيارات ذات خلفيات عسكرية وقبلية وحزبية مختلفة. ومع ذلك، حرص العليمي على بناء آليات حوار مستمرة وعدم السماح للخلافات بأن تتحول إلى قطيعة، معتمداً أسلوب الاستماع العميق والبحث عن قواسم مشتركة تضمن بقاء قنوات الاتصال مفتوحة.
ثانياً: توزيع الأدوار بحس توافقي .. أدرك العليمي مبكراً أن الشعور بالمشاركة الفعلية هو الضامن لاستقرار المجلس، فعمل على توزيع المهام بطريقة تمنح كل مكوّن مساحة للتأثير، ما ساعد على تخفيف نزعات الانفراد بالقرار، وأوجد بيئة تفاوضية تجعل كل طرف شريكاً في صناعة المخرجات.
ثالثا: التركيز على إعادة بناء مؤسسات الدولة .. لم يقتصر دوره على التهدئة السياسية، بل أولى اهتماماً واضحاً بإعادة إحياء المؤسسات الحكومية المنهكة، بدءاً من الملف الأمني وصولاً إلى الإصلاحات الاقتصادية. وجعل من استعادة حضور الدولة خطوة أساسية لتعزيز الثقة الداخلية والخارجية.
رابعاً: الواقعية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.. فبالرغم من استمرار الحرب مع جماعة الحوثي والانهيار الاقتصادي وضغط الملفات الإنسانية، اختار العليمي سياسة الممكن، فتعامل مع الوقائع بواقعية واضعاً أسساً متدرجة لأي تسوية مستقبلية دون إطلاق وعود غير قابلة للتحقيق.
إن ما يميز نهج الدكتور رشاد العليمي هو أنه يمزج بين الخبرة العلمية والدهاء السياسي. فالحكمة التي يتسم بها ليست مجرد حذر أو مهادنة، بل رؤية متماسكة تهدف إلى استعادة دور الدولة وبناء شراكة وطنية أوسع. وبذلك نجح في الإبقاء على المجلس الرئاسي إطاراً جامعاً رغم كل الضغوط والانقسامات، مقدماً نموذجاً نادراً لقيادة قادرة على تحويل التنوع إلى مصدر قوة بدل أن يكون سبباً للتفكك.
وبينما ما زالت التحديات أمام اليمن جسيمة، يبقى نهج العليمي في إدارة هذا التنوع دليلاً على أن الحكمة والاتزان السياسي قادران على إبقاء شعلة الأمل حية في مسار طويل لاستعادة الاستقرار والسيادة الوطنية، وترسيخ أسس حوار وشراكة وطنية تُمكّنان اليمنيين من إعادة بناء دولتهم على قاعدة من التفاهم والتوازن.
*أكاديمي ورئيس فريق يمنيون بجمهورية مصر- الأمة برس
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس