الأسبوع الثالث من سبتمبر 2025
2025-09-15
نبيل فهمي
نبيل فهمي

يتزامن الأسبوع الثالث من سبتمبر (أيلول) الجاري مع بداية المحادثات العامة عالية المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو أسبوع ستكون له دلالات على قراءة المنظومة العالمية المعاصرة، وكذلك بالنسبة إلى التوجهات الدولية المقبلة، وهي أمور بالغة الأهمية للمجتمع الدولي عامة وللشرق الأوسط بصفة خاصة، إزاء الأحداث الخطرة التي تتعرض لها المنطقة.

أهمية هذا الأسبوع ليست في حدث واحد أو سبب معين إنما لاعتبارات عدة لأنه سيشهد جزءاً من الدورة الحالية للجمعية العامة بعد مرور 80 عاماً على إنشاء المنظمة الدولية التي تشكل العمود الفقري للنظام الدولي المعاصر منذ الحرب العالمية الثانية، وانتهز الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هذه المناسبة لإصدار تقرير يتضمن أن إنفاق المجتمع الدولي على الحروب والمعارك تجاوز كثيراً ما ينفق على جهود تحقيق السلام والاستقرار الدولي والإقليمي، وهو مؤشر خطر جداً ومؤسف بعد مرور كل هذا الزمن مع أن من أولويات المنظمة منذ إنشائها تجنب ويلات ودمار الحروب والمنازعات واستتباب الأمن والاستقرار العالمي.

ومن مؤشرات صعوبة الموقف أيضاً و"التردي" الدولي المتزايد أن الأمين العام كان بالغ التواضع في اقتراحاته وتطلعاته إلى المنظمة على رغم أهمية وجلال المناسبة، واختار عبارة "نحن معاً أفضل" كعنوان أساس لرسالته في هذه المناسبة، وحدد أهدافاً إصلاحية تقنية لا ترتفع إلى مستوى الحدث والمناسبة، من بينها خفض نسبة العمالة في المنظمة 20 في المئة وتجنب الازدواجية التشريعية بين أجهزة ولجان الأمم المتحدة والرفع من كفاءة عمل المنظمة.

ضعف الطموحات المتعددة الأطراف وزيادة الإنفاق العالمي الواسع على آليات الدمار وتبني سياسات صدامية تجاه البعض يجب أن تكون أمراً بالغ القلق والانزعاج في حد ذاته، وإنما الأخطر من ذلك أننا نسرع بمعدلات متزايدة إلى مخالفة كل الأسس والقواعد الدولية المتبلورة خلال عملنا الجماعي والمتواصل منذ إنشاء الأمم المتحدة لحل المنازعات بالطرق السلمية ووضع ضوابط على التجاوزات الإنسانية حتى في حالات التنازع، لمصلحة جبروت القوة والعنف المبرح.

فهل نحن على مشارف نقطة تحول وتفكك كاملة للتعددية الدولية والعمل العام حول القضايا الدولية والإقليمية؟ مع الاشتباكات والعنف المتكرر والتجاوزات القانونية وعدم احترام سيادة الدول ومواد ميثاق المنظمة والقوانين الدولية المرتبطة بها، وسط فشل مجلس الأمن الدولي في التعامل مع الخلافات السياسية وانتشار المفاوضات السياسية عندما وجدت خارج إطار المنظمة ومؤسساتها، مما جعل معظم إنجازات المنظمة أخيراً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهي إنجازات مقدرة ومهمة، وإنما غير كافية للحفاظ على صدقية المنظومة السياسية العالمية بين الرأي العام الدولي.

كما جرت العادة سيكون الرئيس الأميركي على رأس المتحدثين أمام الجمعية العامة مع بدء المناقشة العامة، وتوجهات ترمب ومعاونيه تجاه الأمم المتحدة تميل نحو السلبية بصفة عامة، ويتوقع تقدمه بكثير من الطلبات والقيود على مؤسسات المنظمة وبرامجها، بما في ذلك خفض أو وضع ضوابط وقيود على المشاركة الأميركية في موازنة المنظمة، ويرتبط ذلك بمنظور عام يميل ضد المنظومة متعددة الأطراف وتوجهاته الشخصية الانعزالية أو الانفرادية.

 وسبق أن أعلن ترمب عزمه الانسحاب من عدد من المنظمات المتخصصة، فضلاً عن اتفاقات وبرامج حول ضبط المناخ، كما أنه قرر وضع قيود على مشاركة الوفود الأجنبية في الاجتماعات السنوية، بما في ذلك إلغاء تأشيرات الدخول للوفود الفلسطينية، مما يفرض على الرئيس محمود عباس المشاركة عبر الأقمار الاصطناعية، فضلاً عن تقييد حركة بعض الوفود المشاركة الأخرى في اجتماعات نيويورك مثل إيران على رغم أن الولايات المتحدة كانت تعقد مفاوضات معها منذ أشهر قليلة حول برنامجها النووي.

ومن الأسباب الأخرى لأهمية أحداث ونتائج الأسبوع الثالث من سبتمبر أنها تالية لمؤتمر إيجابي حول "حل الدولتين" بمبادرة سعودية- فرنسية، ينتظر أن تكون له متابعة خلال دورة الجمعية العامة، فضلاً عن أن عدداً من المتحدثين خلال هذا الأسبوع بمن فيهم القيادات الفرنسية والبريطانية، ماكرون وستارمر وآخرون، ملتزمون حتى الآن الإعلان عن اعترافهم الرسمي بالدولة الفلسطينية خلال هذه الدورة للجمعية العامة، وستكون من الأهمية بمكان متابعة هذه الإعلانات وغيرها وصياغتها بدقة وأية شروط مرتبطة بها، وهل تتجاوز طلبات وشروطاً تقليدية سابقة مثل إصلاح السلطة الفلسطينية وعقد الانتخابات، أو تمتد إلى إنهاء دور حركة "حماس" كلية سياسياً وأمنياً والإفراج عن كل الرهائن.

كما من الأهمية أيضاً متابعة رد الفعل الأميركي على القرارات والإعلانات المتوقعة من حلفائها الأوروبيين في مصلحة القضية الفلسطينية، وهو موقف كان محل نقد شديد من عدد من المسؤولين الأميركيين على رأسهم وزير الخارجية روبيو والسفير الأميركي لدى إسرائيل هاكربوي، الذين اعتبروا الاعتراف مبرراً لسعي إسرائيل إلى ضم الضفة الغربية لنهر الأردن، فضلاً عن اعتبار الدعم لإسرائيل مسؤولية أخلاقية وتوجهاً ربانياً وواجباً أخلاقياً.

ونقترب من هذا الأسبوع الحساس في أعقاب استمرار الجهود القطرية والمصرية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة على أساس أفكار من المبعوث الأميركي ويتكوف بعد مفاوضات أميركية مع "حماس" من خلال قنوات إسرائيلية، واستمرار القصف الإسرائيلي لقطاع غزة بصورة ممنهجة، وأحداث القدس واستهداف إسرائيل لقيادات تفاوضية لـ"حماس" في قطر، مما وضع العملية كلها على المحك، فكيف تستمر المفاوضات والمفاوضون مستهدفون، وكيف تحافظ الدول الوسيطة على صدقيتها الوطنية والإقليمية وأراضيها معرضة للأخطار والتجاوزات، وكيف تدار أية عملية تفاوضية في مثل هذه الظروف والتناقضات، والمطلوب هنا ضمانات أميركية واضحة أن إسرائيل لن تكرر عملياتها الأخيرة.

وإذا كان الشرق الأوسط مثالاً حاداً لصعوبة الأوضاع الدولية واضطرابها، فهناك كذلك أحداث أخرى والتداعيات الواجبة متابعة دقيقة والتي سيكون لها تأثير في تحديد أهمية وانعكاسات الأسبوع الثالث من سبتمبر على الأوضاع الدولية، ومن بينها ما يرتبط بأحداث أوكرانيا، مع بطء الحراك السياسي وضعف المردود السياسي لقمة ترمب وبوتين في ولاية ألاسكا الأميركية، فلم تشهد وقف إطلاق للنار أو تخفيفاً للعمليات العسكرية، واستهدفت روسيا بعدها مقار رسمية حكومية في أوكرانيا، وحدث ذلك بعدما شهدنا سطوعاً آسيوياً صينياً ومشاركة دولية واسعة في احتفالات عسكرية في إطار تجمع شنغهاي الأمني استضافها الرئيس شي جينبينغ أخيراً، واشتركت فيها قيادات أيدت أو رفضت مقاطعة روسيا بعد اجتياحها لأوكرانيا ومعارضة للتوجهات الدولية الغربية للهيمنة على الساحة الدولية، وتحمل في طياتها مؤشرات قد تكون لها انعكاسات على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة، وما يعقبها من زيارات متبادلة لقيادات الدول الكبرى في الخريف والشتاء لتشكل بداية نمط وشكل جديد للنظام الدولي المعاصر بتوازنات مختلفة.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - الاندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • الاستعداد لزيارة ترمب إلى إسرائيل
  • الخيارات الضرورية للعالم العربي 
  • نتائج وتداعيات اعتداء إسرائيل على إيران







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي