كيف ستختلف سياسات ترامب في الولاية الثانية؟
2024-11-11
صادق الطائي
صادق الطائي

كان فوز ترامب عام 2016 مفاجأة أكبر بكثير مما حصل الآن، ودار الكثير من النقاش في الأسابيع التي تلت فوزه بالولاية الأولى حول كيفية حكمه ومدى سعيه بشكل كبير لتغيير دور الولايات المتحدة في العالم. ونظرا لعدم القدرة على التنبؤ بسلوكيات ترامب وأسلوبه غير المنتظم وتفكيره غير المتماسك، فإن بعض هذه الأسئلة يعاد طرحها مرة ثانية. لكننا اليوم نمتلك معلومات أكثر بعد أربع سنوات من مشاهدته وهو متربع على هرم السلطة، كما يمكننا تحليل طروحاته في حملته الانتخابية الثالثة طوال العام الماضي، وباستخدام هذه البيانات، نعتقد أنه من الممكن إجراء بعض التنبؤات حول ما سيحاول الرئيس المنتخب القيام به في ولايته الثانية.
لقد وعد ترامب بأنه سوف يستفيد من الدروس التي تعلمها من ولايته الأولى وسيستثمر خبراته الآن، لتجنب ما وصفها بأنها أخطاء أعاقت قدرته على الحكم بالطريقة التي أرادها، إذ قال الأسبوع الماضي في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»: «لم أكن أعرف أحدا خلال ولايتي الأولى، لم أكن من سكان واشنطن، كنت نادرا ما أذهب إلى هناك. أنا أعرف الجميع الآن. أعرف الصالح والقوي، والضعيف والغبي، أعرف الجميع. وسنجعل هذا البلد عظيما مرة أخرى، وعلينا أن ننقذ بلدنا».

ويرى العديد من حلفاء ترامب ومنتقديه، أن ولايته الثانية لن تكون مثل الأولى. فمع تحول الحزب الجمهوري بالكامل الآن إلى حزبه، ومع استبعاد شخصيات الحزب المناهضة لترامب إلى الأبد، سيدخل الرئيس المنتخب المكتب البيضاوي بخبرة القيام بالمهمة، وثروة من الاستياء بشأن الطريقة التي يعتقد أن النظام خذله فيها، ففي الكونغرس، حيث اعتاد الجمهوريون المعتدلون على انتقاد سلوك ترامب الأكثر غرابة من حين لآخر، أصبح الولاء له الآن موحدا تقريبا، بين الجمهوريين، فقد فشلت إلى حد كبير الجهود الرامية إلى وضع قيود على السلطة الرئاسية على مدى السنوات الأربع الماضية، وتقاعد الجمهوريون المناهضون له. قال ترامب أمام حشد من مناصريه في ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا في وقت مبكر الاسبوع الماضي: «لقد منحتنا أمريكا تفويضا غير مسبوق وقوي». ولخص نهجه في فترة ولايته الثانية بقوله: «سأحكم بشعار بسيط: الوعود المقدمة، والوعود المتحققة». وهذا يجعل السنوات الأربع المقبلة غير مؤكدة ولا يمكن التنبؤ بها بسهولة اعتمادا على المعلومات المستقاة من ولايته الأولى. وقال مصدران مطلعان على خطط ترامب لولايته الثانية، أن لديه مجموعة من الأوامر التنفيذية، والأوراق السياسية المعدة لإلغاء قرارات سلفه جو بايدن، جاهزة للتنفيذ بمجرد تنصيبه. أما من الناحية القانونية فهو الآن مجرم مدان، ولا يزال يواجه عشرات الاتهامات الأخرى في قضايا منفصلة أصبح مستقبلها الآن غير مؤكد. لكن إعادة تشكيل المحاكم الفيدرالية، بما في ذلك المحكمة العليا، وفيها الآن أغلبية ساحقة من المحافظين، يمكنها أن تؤكد إلغاء الإجراءات المتخذة ضده بمجرد تولي مسؤولياته الرئاسية، حيث قضت المحكمة العليا بأن الرؤساء يتمتعون بالحصانة الرسمية أثناء توليهم مناصبهم، لذلك بات من المؤكد أن فوزه سيسمح له بالخروج من معظم القضايا القانونية التي كانت تواجهه، إن لم يكن كلها.
أهم بنود أجندة ترامب الاقتصادية تقوم على الإعفاءات الضريبية، وتغيير قانون الرعاية الميسرة، التي ستحظى بموافقة الكونغرس بالتأكيد، إذ يقول ترامب إن «الرسوم الجمركية» هي كلمته المفضلة في القاموس، ومن المرجح أن يحاول التحرك بسرعة بشأن القيود التجارية الجديدة التي وعد بها خلال حملته الانتخابية. ويشير الرئيس المنتخب إلى إنه سيفرض ما بين 10 و20 في المئة من الرسوم الجمركية الشاملة على جميع واردات السلع الأمريكية بقيمة 3 تريليونات دولار ورسوم جمركية بنسبة 60 في المئة على جميع السلع الصينية. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى توسيع نطاق الرسوم الجمركية التي فرضها خلال ولايته الأولى على عشرات المليارات من الدولارات بشكل كبير. وفي معالجة مشكلة الهجرة والحدود الجنوبية تعهد الرئيس المنتخب ببناء معسكرات احتجاز ضخمة، وتنفيذ عمليات ترحيل جماعي على نطاق لم يسبق له مثيل، وتوظيف آلاف من وكلاء الحدود، وتوجيه الإنفاق العسكري نحو أمن الحدود، واستدعاء قانون الأعداء الأجانب لعام 1798 لطرد أعضاء مشتبه فيهم من عصابات المخدرات والعصابات الإجرامية، دون جلسة استماع في المحكمة.

وعد ترامب بأنه سيستفيد من الدروس التي تعلمها من ولايته الأولى وسيستثمر خبراته الآن
لتجنب ما وصفها بأنها أخطاء أعاقت قدرته على الحكم بالطريقة التي أرادها

أما بالنسبة لقطاع الرعاية الصحية فإن ترامب على وشك قلب سياسة الصحة الأمريكية رأسا على عقب، إذ وعد شخصا يعد واحدا من أكبر مروجي نظريات المؤامرة، لتسنم هذا القطاع هو روبرت كينيدي الابن. وهو ابن روبرت كينيدي أخ الرئيس الأسبق جون كينيدي. وهذا الشخص عرف بأنه متشكك في اللقاحات، وقد روج الادعاء القائل بأن اللقاحات تسبب مرض التوحد للأطفال. كما كتب كتابا بعنوان «أنتوني فاوتشي الحقيقي» يتهم فيه المسؤول السابق للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنتوني فاوتشي الذي كان مسؤولا عن القطاع الصحي في الولايات المتحدة إبان تفشي فيروس كوفيد 19، بالتآمر مع قطب التكنولوجيا بيل غيتس وصانعي الأدوية لبيع لقاحات كوفيد 19. وأطلق كينيدي حركة «لجعل أمريكا صحية مرة أخرى» وهو ينوي استخدام سياسة استبدال المسؤولين في الوكالات، التي يقول إنها أسيرة للصناعات التي ينظمونها، والقضاء على «المواد المضافة السامة وبقايا المبيدات» في الغذاء، والترويج للطب البديل وإنهاء إضافة الفلورايد إلى المياه العامة.
الصراعات الدولية في الشرق الاوسط وأوكرانيا والشرق الأقصى كانت لها حصة كبيرة في سياسات ترامب لولايته الثانية، إذ قال إنه يريد من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنهاء الحرب في غزة بحلول كانون الثاني/يناير، إذا فاز بالرئاسة. وبالمثل، أصر على أن الحرب في أوكرانيا يجب أن تنتهي، رغم أنه لم يقدم أي مسار لكيفية وقف الأعمال العدائية في فلسطين ولبنان واوكرانيا. وإن آراءه بشأن غزة والضفة الغربية تختلف بشكل كبير عن آراء إدارة بايدن. ففي حين طالب بايدن القوات الإسرائيلية بمغادرة غزة في نهاية المطاف، وحث نتنياهو على الموافقة على حل الدولتين، دفع ترامب سابقا بخطة من شأنها أن تسمح لإسرائيل باكتساب سيطرة أكبر على الفلسطينيين. وفي تلك الخطة، تعهد بالمساعدة في توجيه 50 مليار دولار من الاستثمارات الدولية نحو الشعب الفلسطيني، ومساعدته في دعم اقتصاده. وكان صهره جاريد كوشنر متورطا بشكل كبير في سياسة ترامب في الشرق الأوسط في ولايته الأولى، حيث ساعد في صياغة الخطة للإسرائيليين والفلسطينيين وتوسط في اتفاقيات إبراهام – وهي الصفقة التي طبعت فيها البحرين والإمارات العربية المتحدة علاقاتها رسميا مع إسرائيل. لكن في التحضير للولاية الثانية لم يُظهر كوشنر أي علامات على أنه سيشارك بشكل واضح حتى الان (على الأقل ليس علنا).
وفي موضوع الحرب الاوكرانية، عندما سُئل الرئيس المنتخب عما إذا كان يأمل أن تفوز أوكرانيا في الحرب الدائرة لم يُجب، وألقى اللوم على رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، وهدد بوقف الدعم إذا فاز. ومن ناحيته زار زيلينسكي ترامب في مار إيه لاغو في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي. وقال زيلينسكي إنه لم يكن قلقا بشأن إيقاف ترامب لعقود تعد من استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية، وهو هنا يشير إلى أن تصريحات ترامب بايقاف الدعم كانت مجرد دعاية انتخابية. أما في ما يتعلق بسياسة ترامب تجاه الصين، فإنها مبنية إلى حد كبير على موقفه الأوسع المتمثل بشعار «أمريكا أولا». إذ سعت إدارته في الولاية الأولى إلى كبح جماح العنفوان الصيني في قطاع التجارة، وتنفيذ عقوبات قاسية على سرقة الملكية الفكرية، كما سعت واشنطن إلى تقليص تحالف الولايات المتحدة مع الصين والحد من التقدم التكنولوجي لها. ومن المرجح أن يواصل ترامب هذه السياسة الحمائية. من المرجح أن يكون الجزء الأصعب بالنسبة لترامب هو كيفية إدارة موقف أمريكي صارم تجاه الصين، دون استفزاز بكين ودفع العلاقات إلى حافة الحرب الاقتصادية.


*كاتب عراقي
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - القدس العربي -

 



مقالات أخرى للكاتب

  • الرد الإسرائيلي وبنك الأهداف الإيرانية
  • جاسوس إسرائيلي في مكتب الجنرال قاآني!
  • المخفي والمعلن في قضية اغتيال حسن نصر الله







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي