جاسوس إسرائيلي في مكتب الجنرال قاآني!
2024-10-14
صادق الطائي
صادق الطائي

أثار اختفاء قائد فيلق القدس العميد إسماعيل قاآني الكثير من التكهنات والتسريبات والإشاعات، إذ اختفى قاآني بشكل مفاجئ بعد أن سافر إلى بيروت بعد يومين من الغارة الإسرائيلية الضخمة التي تفذت أواخر شهر ايلول/سبتمبرالماضي، والتي اغتيل بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والعديد من كبار القادة الآخرين، كما قُتل معهم نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال عباس نيلفوروشان، الذي حمّله المرشد الأعلى علي خامنئي رسالة شفوية شديدة السرية لنصر الله.
تذكر سيرة العميد إسماعيل قاآني (67 عاما) إنه ولد في مدينة مشهد، وهي مدينة دينية شيعية محافظة في شمال شرق إيران. قاتل في صفوف الحرس الثوري خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات. وتدرج صعودا في المناصب العسكرية، حتى أصبح نائبا لقائد فيلق القدس في عام 1997، عندما أصبح سليماني القائد الأعلى للقوة. ثم تسلم منصب قائد فيلق القدس بعد أن اغتالت الولايات المتحدة سلفه سليماني في غارة في بغداد مطلع عام 2020. وكان الجزء الأهم من مهمة قاآني في هذا المنصب، هو إدارة حلفاء طهران شبه العسكريين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكذلك في مناطق أخرى حول العالم، وقد تمتع بخبرة في العمليات الخارجية خارج الحدود الشرقية لإيران، بما في ذلك أفغانستان وباكستان، لكنه لا يجيد التحدث بالعربية، على عكس سليماني الذي كان يتحدث العربية بطلاقة في اجتماعاته مع الميليشيات العراقية وقادة حزب الله.

عندما تولى قاآني منصبه كقائد لفيلق القدس عام 2020، تعهد بطرد القوات الأمريكية من الشرق الأوسط انتقاما لمقتل سليماني. ونقلت الإذاعة الرسمية قوله قبل جنازة سليماني في طهران: «نعد بمواصلة طريق الشهيد سليماني بالقوة نفسها. والتعويض الوحيد لنا هو إخراج أمريكا من المنطقة». وقد أشار عدد من المطلعين على سيرة قاآني وسليماني وعدد من المحللين العسكريين والسياسيين الغربيين، الى إن قاآني لم يحظ أبدا بالاحترام نفسه الذي حظي به سلفه، ولم يحافظ على العلاقات الوثيقة نفسها مع حلفاء إيران في العالم العربي.
بعد تقارير غير مؤكدة عن مقتل إسماعيل قاآني في غارة إسرائيلية في بيروت، إلى جانب أحد كبار قادة حزب الله، ظهرت مزاعم على وسائل الإعلام العربية والإقليمية بأنه على قيد الحياة، وأنه يخضع للتحقيق أمام لجنة أمنية خاصة تابعة لقيادة الحرس الثوري الإيراني، الذي يشكل فيلق القدس جزءا مهما منه، وذلك نتيجة للاشتباه في تورطه في اختراق استخباراتي إسرائيلي لمكتبه، وكانت نتيجة هذا الاختراق اغتيال إسرائيل لنصر الله وقيادات حزب الله في بيروت. وقد وجهت أصابع الاتهام الى مدير مكتب قاآني، كما ورد في التسريبات حول الموضوع أن قائد فيلق القدس قد عانى من نوبة قلبية أثناء تعرضه لاستجواب وحشي بشأن الاتهامات الموجهة لمكتبه وله شخصيا. ووفقا لتقارير غير مؤكدة، أنه نُقل إلى المستشفى ولم يُعرف حتى الآن ما هي حالته الصحية، حسبما ذكرت قناة «سكاي نيوز» عربية. يذكر أن قاآني جاء الى لبنان بعد أيام من اغتيال نصر الله، وكان من المتوقع أن يحضر اجتماع مجلس شورى الحزب بدعوة من هاشم صفي الدين في يوم الضربة الجوية. ولكن ورد أن قاآني اعتذر وتراجع قبل وقت قصير من ضربة إسرائيل، التي اغتالت بها صفي الدين. وقال مصدر في حزب الله لموقع «ميدل إيست آي»: «استهدفت إسرائيل مكان الاجتماع بغارة كانت أكبر وأقسى من الغارة التي استهدفت نصر الله. وكان رأس صفي الدين هو المطلوب، ولا أحد غيره. وقد دُعي قاآني إلى هذا الاجتماع وفي ظل الظروف الحالية كان يجب أن يكون حاضرا».

أثار اختفاء قاآني الكثير من التكهنات والمزاعم حول كونه، أو أحد أفراد مكتبه
هو مصدر الخيانة وراء عمليات التصفية الرهيبة التي نفذتها إسرائيل بحق كبار قادة حزب الله

 
إن شائعات التجسس بدأت بالانتشار بعد اغتيال هاشم صفي الدين الأمين العام البديل لحزب الله في 4 تشرين الأول/أكتوبر بغارة إسرائيلية على مخبأ محصن في الضاحية الجنوبية في بيروت. وقد أثار اختفاء قاآني الكثير من التكهنات والمزاعم حول كونه، أو أحد أفراد مكتبه هو مصدر الخيانة وراء عمليات التصفية الرهيبة التي نفذتها إسرائيل بحق كبار قادة حزب الله. ولم يعرف أحد، حتى أفراد عائلته، أية معلومات عن مكان وجوده منذ الغارة التي اغتيل بها صفي الدين. وكان يُعتقد في البداية أنه قتل في تلك الغارة، لكن مصادر في لبنان والعراق وإيران كشفت أنه لم يكن في الاجتماع أصلا، إذ انسحب قبيل بدء الاجتماع. وقال نائب قائد فيلق القدس والسفير الإيراني السابق في بغداد إيرج مسجدي: إن قاآني «بصحة جيدة وأنه يؤدي واجباته اليومية».
كما نفى مستشار القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي هذه التكهنات، قائلاً لوكالة أنباء تسنيم الإيرانية شبه الرسمية، إن قائد فيلق القدس «في صحة ممتازة»، وإنه في الواقع سيحصل على تكريم عسكري من المرشد الأعلى علي خامنئي «في الأيام القليلة المقبلة». من جانبه قال قائد فصيل مسلح مقرب من إيران: «لا شيء مؤكد في الوقت الحالي. التحقيقات لا تزال جارية وكل الاحتمالات مفتوحة». وأضاف «لدى الإيرانيين شكوك جدية في أن الإسرائيليين تسللوا إلى قيادة هرم الحرس الثوري، خاصة أولئك الذين يعملون في الساحة اللبنانية، لذلك فإن الجميع قيد التحقيق حاليا.
وقد ركزت تحقيقات إيران في عملية اغتيال نصر الله على تحركات نائب القائد الأعلى للحرس الثوري العميد عباس نيلفوروشان، الذي قتل مع نصر الله. وكان نيلفوروشان قد تولى للتو منصب العميد محمد رضا زاهدي، الذي قُتل في غارة إسرائيلية سابقة على القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان/أبريل الماضي. وقالت مصادر، إن نصر الله كان خارج الضاحية الجنوبية لبيروت في الليلة التي سبقت اغتياله، لكنه عاد إلى المنطقة للقاء نيلفوروشان في غرفة عمليات سرية. نيلفوروشان الذي طار من طهران الى بيروت، نقل مباشرة من الطائرة إلى المخبأ المحصن تحت بناية في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث قتل مع نصر الله نتيجة إلقاء 80 طن من القنابل الخارقة للتحصينات بمجرد أن وطأت قدم الأمين العام قاعة الاجتماع للانضمام إلى نيلفوروشان. وقال مصدر أمني:»كان الاختراق إيرانيا بنسبة 100 في المئة ولا شك في هذا الجزء».
واعادت الاتهامات الأخيرة التي وجهت لمكتب قاآني إلى الأذهان سعيه المحموم في التصدي لموضوع مشابه قبيل مقتل نصر الله حدث في بغداد، إذ اتهم مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنه مخترق بعمليات تجسس، فما كان من الجنرال قاآني الا القيام بزيارة خاطفة لبغداد لتهدئة الأوضاع. وقال مصدران مطلعان، إن قائد فيلق القدس طلب من الزعماء السياسيين العراقيين في 24 سبتمبر تخفيف انتقاداتهم لرئيس الوزراء، الذي اتهم بالتورط بمزاعم تجسس، وقد سعى قاآني في زيارته لبغداد لتثبيت حليف إقليمي مهم مع اشتعال الصراع في الشرق الأوسط، وعكست اجتماعات قاآني سعيه لتجنب أي إضعاف لرئيس الوزراء العراقي في هذا الظرف العصيب. وأبلغ قاآني القادة العراقيين في الإطار التنسيقي، وهو تجمع للأحزاب الشيعية التي اختارت السوداني لرئاسة الحكومة، بعدم تقويض سلطة رئيس الوزراء، وسط مزاعم بأن مكتبه مخترق بعمليات تجسس على كبار المسؤولين والسياسيين العراقيين، وقال قاآني إن الاستقرار في العراق أمر حيوي وسط العنف الإقليمي.


*كاتب عراقي
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - القدس العربي -

 

 



مقالات أخرى للكاتب

  • كيف ستختلف سياسات ترامب في الولاية الثانية؟
  • الرد الإسرائيلي وبنك الأهداف الإيرانية
  • المخفي والمعلن في قضية اغتيال حسن نصر الله







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي