لقادة إسرائيل: أتريدون "المخطوفين" أحياء أم أمواتاً؟
2023-12-23
كتابات عبرية
كتابات عبرية

الحرب في غزة، أولاً في شمال القطاع والآن في مركز منظومة حماس العسكرية في خان يونس، هي قتال قاس واستثنائي. هذه تجربة من أجل العثور على توازن صحيح بين تحقيق الهدف العسكري المطلوب بتصفية مقاتلي حماس وتدمير بناها التحتية والمدنية، وفي المقابل جهود كبيرة لتقليص عدد الخسائر لدينا وتقليل الخسائر في أوساط سكان غزة غير المشاركين في الإرهاب إلى الحد الأدنى، الذي لا يمكن تجنبه.

بعد مرور شهرين على القتال، يمكن القول إن هذه الجهود العسكرية تمت بشجاعة مثيرة للإلهام على يد جيل جديد من القادة والجنود المخلصين. بالتدريج وأحياناً ببطء متعمد، تتقدم الوحدات المقاتلة وتكشف الأنفاق السرية وتمشط مراكز التخريب المفخخة داخل المساجد والمدارس وتضعف قوة صمود حماس.

كان هناك من خافوا (وأنا من بينهم) من نقص الاستعداد لدى القوات البرية الإسرائيلية، إزاء إخفاقات تم الكشف عنها في أحداث سابقة، بدءاً من حرب لبنان الثانية وانتهاء بالأحداث في القطاع خلال السنين. أما الآن فيمكن القول إن الجيش برئاسة رئيس الأركان هرتسي هليفي، يعمل في مستوى محترف ومثير للانطباع مع تنسيق استثنائي بين سلاح الجو والقوات البرية، مع دمج نادر للمعلومات الاستخبارية، التي تم جمعها أثناء القتال ويتم نقلها إلى رأس حربة القوات المقاتلة في الوقت الحقيقي، الذي يساعد في الوصول إلى الاتصال في ساحة القتال.

الحرب ضد منظمة إرهابية، التي تبني قيادتها داخل المناطق المأهولة، ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً، وللأسف أيضاً أكثر دموية من التصادم المباشر بين المدرعات في الصحراء أو من المعارك الجوية بين الطائرات.

التوقعات التي أطلقتها حكومة التدمير لدينا في الهواء عن أهداف الحرب، لا أساس لها وليست حقيقية، وهي غير قابلة للتحقق من البداية. قالها نتنياهو بوجه خجول وعينين ذابلتين ويدين تتحركان بوتيرة ممثل المسرح بعد فترة قصيرة على تلقيه الصدمة الأولى في 7 أكتوبر – حينها ظهر وكأن عالمه انهار فوق رأسه. إن إطلاق هذه الآمال تم لسبب تحايلي، بالتأكيد نريد تصفية حماس، ولا يوجد شخص عاقل بيننا لا يأمل في اختفاء حماس، ويتخيل في أي لحظة غضب لتحويل غزة مثل كومة أنقاض.

لو كان نتنياهو في وعيه الكامل عندما أطلق هذا التعهد المتبجح، ثم كرره في أي مؤتمر صحافي عقده، لعرف أن لا إمكانية حقيقية لتحققه؛ ولكنه منذ اللحظة الأولى لم يكن منشغلاً بحرب شعب إسرائيل، بل بحربه الشخصية، الشخصية له ولعائلته. وإن خلق هذه التوقعات استهدف تمهيد الأرض في الوقت المناسب لاتهام كل المستويات التي هي تحت مسؤوليته بعدم تحقيق هذه الأهداف.

أنا يا بيبي، أردت ذلك. هم (وزير الدفاع ورئيس الأركان والجنرالات في هيئة الأركان والجنود)، الذين أشير إليهم من قبل جزء من مؤيدي نتنياهو بأنهم بشكل شركاء في مؤامرة خيانة مع حماس التي جلبت كارثة 7 أكتوبر، هم المذنبون. أنا يا بيبي البطل، كنت مستعداً للوقوف على رأس الانقضاض حتى التصفية النهائية. هذا هراء وخداع وتضليل وعرض مسرحي. بيبي على حقيقته وفي أوج كذبه.

أصبح من الواضح لكثيرين اليوم بأنه رغم أن الجيش الإسرائيلي حارب بشجاعة وتصميم وبالحذر المطلوب ويتكبد خسائر مؤلمة، فلا يبدو أن هناك فرصة لتحقيق التوقعات التي خلقها بيبي. لن نتمكن من تصفية لحماس.

غزة تتدمر. الآلاف من سكانها يدفعون حياتهم ثمناً، للأسف. آلاف من مقاتلي حماس تتم تصفيتهم، وهذا يفرحني. ولكن تدمير حماس لن يتحقق. وسواء تم اكتشاف يحيى السنوار أو حصل على حياة قصيرة حتى تصفيته هو ومحمد ضيف وشركاؤهم في القيادة، فستظل حماس باقية، وستستمر كقوة ضعيفة جداً ومضروبة ونازفة، ولكن حضورها سيستمر في هوامش غزة.

على فرض أن هذا هو تقدير الوضع الحقيقي، فعلينا إذن الاستعداد لتغيير الاتجاه. أعرف أن هذا قد يظهر غير شعبي، ولكن في أجواء التحريض والتبجح والغطرسة التي تميز سلوك رئيس الحكومة وأعضائها، فمن المحظور الخشية من قول الأمور غير المفهومة ضمناً، لكنها مطلوبة ويجب قولها بدافع المسؤولية الوطنية. يقف أمام دولة إسرائيل في هذه الأثناء اختيار بين وقف القتال مع صفقة ربما تعيد المخطوفين إلى البيت على أمل أن معظمهم على قيد الحياة، وبين وقف القتال بدون صفقة أو مخطوفين وبدون رؤية أي إنجاز، مع فقدان مطلق لما تبقى من الدعم في الرأي العالمي لحق دولة إسرائيل في الوجود بدون أي تهديد من منظمات قتلة. وقف قتال كهذا سيفرضه علينا أفضل أصدقائنا، على رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

لن تتمكن هذه الدول من تحمل الثمن الذي تدفعه جراء الرأي العام فيها إزاء الفجوة بين غياب حسم عسكري واستمرار القتال الذي ينطوي عليه ثمن إنساني لم تكن مستعدة لتحمل نتائجه.

هذه هي المسارات الواقعية الوحيدة التي نقف أمامها. إن استمرار القتال سيجلب لنا إنجازات محلية مهمة، وستتم تصفية المزيد من الحمساويين، وكشف المزيد من الأنفاق، ومن قادة حماس القاتلة، ولكن لا يمكن تصفية حماس، بل الممكن هو موت مخطوفين، لا سمح الله.

إذا أنهت دولة إسرائيل الحرب بعد دفع الثمن بالكثير من الضحايا ورغم شجاعة القلب وتضحية القادة والمقاتلين وقيادتنا العسكرية مع قائمة طويلة من المخطوفين الموتى، فلن نغفر لأنفسنا كشعب ومجتمع. إذا وصلنا إلى ذلك، إقصاء المحتال الفارغ والملعون عن رئاسة الحكومة بعاره، فلن يشكل أي تعويض لفشلنا الأخلاقي كدولة.

لقد حان الوقت للحسم، إما وقف القتال – مع مخطوفين على قيد الحياة، أو وقف قتال مفروض علينا – مع مخطوفين أموات.

 

إيهود أولمرت

هآرتس 22/12/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • "تجنيد الحريديم".. بين مناورات نتنياهو والمانع القانوني ورفض غالانت وتراجع غانتس لأن "الزمن تغير"  
  • إلى أي مدى تبرز تصريحات غالانت خط الانكسار داخل قيادة إسرائيل؟  
  • هل تتحول إسرائيل إلى ساحة صراع بين اليهود والوسط العربي؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي