
يجلس 13 من أبناء وبنات “كيبوتس بئيري”، أمهات وأطفالهن في مكان ما في قطاع غزة، ينتظرون، مثلما في 7 أكتوبر، النجدة التي تنتظر الوصول. يجلس أبناء عائلاتهم في المستشفيات، وينتظرون البشرى؛ تقف عائلات الـ 200 مخطوف الآخرين، تلك التي تترقب استقبال أقربائها لاحقاً، وتلك التي تعرف أن الطريق لا يزال طويلاً، وتترنح بين الأمل واليأس والغضب. أمس، كان يفترض أن يكون خليطاً من الفرح والحزن: فرح بالقادمين، وحزن على المتبقين، ولكن على أولئك الذين لن يعودوا أبداً. تلقينا تمزيق أعصاب طويلاً، وبعده تنفس الصعداء. في قائمة القادمين، كان ستة أشعر نحوهم بقرب خاص. من الخير أنهم عائدون إلى الديار.
تؤدي الدراما التي شاهدناها حول الأسرى إلى ثلاثة دروس أولية:
الأول، لا تزال حماس قوية في المنطقة، والسنوار يتحكم بها. الأحاديث عن انهيار حماس كانت سابقة لأوانها وعبرت عن أمنية أكثر مما عبرت عن رؤية واعية للواقع. قوتها تترجم إلى قوة مساومة حيال الوسطاء وإسرائيل، وإلى مطالب تشمل وسط القطاع وجنوبه بل والشمال أيضاً، الذي يخضع في معظمه لسيطرة الجيش الإسرائيلي. تعززت سيطرتها في الميدان في أيام وقف النار.
الثاني، الاتفاق ليس مغلقاً حتى النهاية؛ ستظهر في الأيام القريبة المزيد من فجوات الفهم ومناورات الابتزاز، التي ستصبح حالات دراماتيكية ممزقة للأعصاب على ظهر المخطوفين. انعدام اليقين الأساس بين إسرائيل وحماس متوقع تماماً. المشكلة أنه لا توجد هنا فئة وسيطة يكن لها الطرفان ثقة مطلقة أو يأتمران لإمرتها. هذه الرزمة يجب أن تغلف كل يوم من جديد.
الدرس الثالث: صعب على حكومة إسرائيل أن توقف صفقة كهذه بعد أن تعهدت بها. من اللحظة التي تبدأ فيها الصفقة بالتحقق، تسيطر قوة المشاعر على الخطاب الجماهيري. كل توقف يفسر أنه خيبة أمل، وإحباط، وفشل، كل الأوصاف التي تحذر الحكومات من الدخول إليها. لقد درج أرئيل شارون على تسمية هذه المرحلة “مسار الذبح”: مسار واحد يؤدي بالأبقار إلى مصيرها؛ لا يوجد مخرج آخر. التهديد الذي امتشق أمس، في أنه إذا واصلت حماس تأخير عملية التحرير، ستستأنف إسرائيل النار، كان متسرعاً وعليلاً وفارغاً من مضمونه. ثمة حاجة لأكثر من هذا بكثير لخرق خطوة على هذا القدر من الدراماتيكية والتعقيد والتعلق بحياة الكثيرين.
حماس منظمة إرهاب إجرامية، لا مشكلة لها في استخدام الابتزاز أو طرح ادعاءات كاذبة. مع ذلك، كنت أقترح منذ بداية الحرب التعاطي بشك حتى مع الادعاءات التي تأتي على لسان “مصدر سياسي رفيع” أو “مصدر أمني رفيع” في إسرائيل. فمحافل في المحكومة تخوض صراع بقاء شخصيا وسياسيا في التوازي مع خوض الحرب. أطنان من الزبدة تطلى بها رؤوسهم. وهم يدورون الزوايا بموجب ذلك.
سآتي بمثال واحد لم ينل اهتماماً كافياً: في المؤتمر الصحافي الذي رافق الاتفاق على صفقة المخطوفين الأربعاء الماضي، تطرق نتنياهو إلى موضوع مهم جداً ومشحون جداً: زيارات الصليب الأحمر للمخطوفين. هناك تعهد من حماس للسماح بالزيارات، قال. وكدليل على ذلك، سحب ورقة من جيبه وقرأ منها بنداً يتحدث بالضبط عن هذا: زيارات رجال الصليب الأحمر للمخطوفين.
فوجئت: زيارات الصليب الأحمر للمخطوفين كانت ستغير الصورة كلها من جذورها. كنا سنعرف وضعهم جميعهم، الظروف التي يحتجزون فيها ومكانهم. المخاوف حول حياة المخطوفين كانت ستهدأ دفعة واحدة: وحماس كانت ستفقد جزءاً كبيراً من قوة المساومة التي لديها. لا توجد بشرى أفضل من هذا.
فحصت. تبين لي أن هناك بنداً، لكن لا يوجد أي تعهد بالتنفيذ. بل أكثر من هذا: طرفا المفاوضات افترضا في إطار العمل بأن هذه كلمات عديمة المعنى، ورقة طلبها الطرف الإسرائيلي كي يقنع سموتريتش وكتلته بالتصويت إلى جانب الاتفاق أو لإقناع عائلات المخطوفين بتخفيض النبرة. ماذا يشبه الأمر؟ التعهدات الائتلافية في الماضي للإجهاز على حماس. وعدوا، لكنهم لم يوفوا.
عندما امتشق نتنياهو الورقة كان يعرف أن لا شيء فيها: فهو ليس غبياً. لشدة الأسف، يعتقد أن ناخبيه أغبياء. عدت وشاهدت الشريط من المؤتمر الصحافي. عندما أخرج نتنياهو الورقة، وجه غالنت وغانتس نظرهما إليه وكأنهما يريانه لأول مرة. لم يبدوا سعيدين. لا تنتصر الجيوش بالوعود العابثة.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 26/11/2023