من يتولى أمر غزة بعد حماس؟
2023-10-14
كتابات عبرية
كتابات عبرية

العلاقات بين حكومات إسرائيل وحماس معقدة أكثر بكثير من النقاط التي كانت بينها وبين م.ت.ف. فبينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعد كحركة وطنية إرهابية هدفها (المعلن حتى 1988) هو تصعيب الحياة علينا حتى نعود إلى البلدان التي جاء آباؤنا وأجدادنا منها، تعد حماس منظمة دينية ينصب كل همها على مجال الإغاثة للمسلمين الفقراء.

لجأت إسرائيل إلى الوقت لتفهم التغييرات التي طرأت على هاتين المنظمتين في نهاية الثمانينيات: في نهاية 1987، على خلفية الانتفاضة، تحولت حماس من منظمة إسلامية تعنى بالإغاثة إلى منظمة إسلاموية ترفض كل تسوية مع إسرائيل وتقدس استخدام الإرهاب. بعد سنة من ذلك، غيرت م.ت.ف موقفها وأيدت تحقيق مبدأ الدولتين الذي قام على أساسه قرار التقسيم والذي رفضه الفلسطينيون والعالم العربي في العام 1947.

التعزز السريع لقوة حماس كمنظمة نقية، ظاهراً، من الفساد ومخلصة لقيمها، والتي تشكل بديلاً لـ م.ت.ف المؤطرة، العاملة في الخارج والمصابة بالفساد، كان هو أحد الدوافع لتغيير سياسة م.ت.ف بالنسبة للتسوية مع إسرائيل واستعدادها للموافقة على نقاط عارضتها في الماضي (مثل الموافقة على تسوية مرحلية). بعض من النقد على كاتب هذه السطور في سياق اتفاق أوسلو كان موجهاً ضد تعزيز قوة م.ت.ف حيال منظمة الدين والإغاثة الإسلامية التي لم تطالب لنفسها بدولة. لكن بينما كانت م.ت.ف مستعدة لتقسيم البلاد، رفضت حماس وجود إسرائيل على أي سنتمتر مربع من أرض الوقف الفلسطينية.

هذا لا يعني أن اليمين الإسرائيلي كان محباً لحماس؛ فقسم من زعمائه (مثل أرئيل شارون، الذي قال لي هذا صراحة) اعتقدوا بأنه لا فرق بين فتح وحماس. وآخرون (مثل شامير ونتنياهو) فضلوا حماس لأن ليس لها، ظاهراً على الأقل، مطالب وطنية وإقليمية. لم يكونوا يرغبون في التوصل إلى حل وسط تاريخي مع منظمة وطنية فلسطينية لأن معناه كان تقسيم البلاد، لكنهم لم يدركوا بأن حماس تلعب على مبلغ الصفر وترى غايتها في محو إسرائيل.

الاتفاق المرحلي (أوسلو 2) في 1995 يقضي صراحة بأن شخصاً أو منظمة يشجع الإرهاب لا يمكنه أن يشارك في الانتخابات الفلسطينية. عندما طلب الرئيس جورج بوش الابن من إسرائيل ألا تمنع حماس من التنافس في الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها في 2006 رغم البند الذي كان يفترض أن يمنع ذلك، استجاب شارون لهذا بدعوى أن “لا فرق بين العرب”. شاركت حماس في الانتخابات، وفاجأت الجميع في انتصارها والباقي تاريخ.

يميل اليمين لأن يعزو لليسار سذاجة طفولية ويرى نفسه كمثبت للسياسة الواقعية، لكن بالنسبة لحماس فإن الساذج الحقيقي كان اليمين الذي كان مستعداً لشراء الغطاء الديني لحماس. فالمواجهة الحالية تثبت بأن حماس قريبة من “داعش” أكثر بكثير مما لـ م.ت.ف؛ لأن شارون أخطأ بأنه لم يكن مستعداً ليعترف بالفرق بين الحركتين، ولأن سياسة نتنياهو بتعزيز قوة حماس والمساعدة في تمويلها، مقابل إضعاف فتح، كانت خطأ جسيماً، وأن الطريق لمعالجة حماس كان ينبغي لها أن تكون مثل معالجة “داعش”.

لكن لم يكن في هذا ما يكفي. إذا ما اكتفى أصحاب القرار بتحييد حماس، لن يكون في هذا ما يحل مسألة ملء مكانها. في هذه الأيام، عليهم فحص كل الخيارات. الأكثر منطقية هو عرض عودة القطاع على السلطة الفلسطينية وإدارته، لكن من الصعب التصديق بأنها ستكون مستعدة لعمل هذا ولحمل المسؤولية من إسرائيل التي حيدت لتوها (هكذا آمل) حماس. وثمة إمكانية أخرى، وهي التوجه إلى الجامعة العربية، بقيادة مصر، لإدارة المنطقة على مدى فترة محدودة، أو إلى جهة دولية أخرى.

إذا تبين أنه لا توجد جهة أخرى مستعدة لأخذ هذه الهدية الإشكالية على عاتقها بشكل دائم أو مؤقت، فسيكون على إسرائيل – حسب القانون الدولي ولأنها سترغب في منع فراغ سلطوي- أن تعود لإدارة غزة. سيكون علينا بذل كل جهد كي لا نفعل هذا.

 

يوسي بيلين

إسرائيل اليوم 13/10/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • هل تؤتي ثقافة المافيا التي اتبعتها إدارة ترامب ثمارها في الشرق الأوسط؟
  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟








  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي