
نحيي هذه الأيام الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران، الحرب التي تعدّ صدمة قومية وصدمة شخصية لعائلات كثيرة. هذه حرب صممت الهوية القومية للجيل الذي شارك فيها وللجيلين التاليين وراءه. كما أنها الحرب الكبرى الأخيرة التي قاتلنا فيها ضد جيوش عدو كبيرة وقوية.
الحرب التي بدأت بمفاجأة استراتيجية وجبت ضحايا عديدة أصابت معنويات الجمهور وأوقفت نمو الاقتصاد. لكنها أدت إلى السلام مع مصر وصممت منظومة العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في حينه، لعب دوراً حاسماً في قرار القطار الجوي للوسائل القتالية للجيش الإسرائيلي – لكنه فرض في الوقت نفسه المفاوضات على حكومة إسرائيل لوقف النار قبل إبادة الجيش الثالث وتنفيذ التهديد على القاهرة. وبعد الحرب أيضاً، واصلت الولايات المتحدة المساعدة الواسعة لإسرائيل والتي ساهمت كثيراً في ترميم سريع للجيش الإسرائيلي والاقتصاد. وقد اتسعت المساعدة وصُممت إلى أن تحولت إلى مذكرات تفاهم ترتب مساعدة عسكرية هامة على مدى عشر سنوات. وقعت الأولى في 2007 واستمرت من 2008 حتى 2018. والثانية وقعت في 2016، بدأت في 2018 وستستمر حتى 2028. لا توجد دولة أخرى في العالم تحظى بمساعدة عسكرية سخية بهذا القدر بمقدار سنوي بنحو 4 مليار دولار. هذه المساعدة جوهرية للأمن القومي لإسرائيل، وبواسطتها نتزود بمنظومات سلاح متطورة ليس بوسعنا إنتاجها بأنفسنا، وتحفظ التفوق النوعي تجاه لأعدائنا.
غير أن هذه التسوية تثير خلافاً متزايداً في الكونغرس، سواء من جانب الجمهوريين الذين فيهم من يطلبون تقليص المساعدات الخارجية الأمريكية بعامة أو من جانب الديمقراطيين الذين يهاجم بعضهم سياسة إسرائيل ويضعون المصاعب في كل إقرار لصفقة سلاح. رغم ذلك، أعطي لإسرائيل التزام من الرئيس بايدن في أثناء زيارته إلى إسرائيل في تموز 2022 وبموجبه يبدأ البحث في شروط مذكرة التفاهم التالية قبل نهاية ولايته في 2025.
بشكل يخرج عن هذا الميل في تواصل مذكرات التفاهم، نشهد في الفترة الأخيرة منشورات عن محاولات حكومة إسرائيل للسعي إلى التوقيع على حلف دفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة – حلف يشبه ذاك الذي وقعته الولايات المتحدة مع دول أوروبا في إطار حلف الناتو، وبصيغة مشابهة مع كوريا الجنوبية واليابان قبل سنين ويقضي بأن هجوماً عسكرياً على دولة عضو في الحلف يستوجب من باقي الدول الهرع لنجدتها. المؤيدون لحلف الدفاع يشرحون ذلك برغبتهم في تثبيت التزام الولايات المتحدة للدفاع عسكرياً عن إسرائيل في وجه هجوم خطير عليها، من إيران مثلاً. ومع ذلك، هذا تغيير جذري للغاية في مبادئ الأمن القومي لإسرائيل والتي رأت منذ عهد بن غوريون واجب الدفاع عن نفسها بنفسها، ونتيجة لذلك أصرت على ألا يقاتل جنوداً أجانب دفاعاً عنها حتى وإن كانوا من صديقتنا الولايات المتحدة.
فلماذا، إذن، تحاول حكومة إسرائيل تغيير مفهوم أمني طويل السنين؟ ثمة مفارقة تقبع في قاعدة الأمر: تفكير بأن مثل هذا الاتفاق سيكون في صالحنا في واقع مستقبلي لا ترغب فيه الولايات المتحدة التدخل عسكرياً في صالحنا، والاتفاق سيلزمها عمل ذلك. لكن هل هذا هو الجواب الصحيح لسيناريو خطير كهذا؟ من يعارض اليوم في واشنطن المساعدات المالية الخارجية قد يعارض إرسال جنود للقتال من أجلنا، وبالطبع من يعارض سياسة إسرائيل سيعارض الدفاع عنها. إضافة إلى ذلك، من شأن مثل هذا الاتفاق أن يقيد حرية عملنا، على اعتبار أنه إذا استخدمت إسرائيل قوتها بشكل لا يتناسب والمصالحة الأمريكية فإنهم لن يقفوا إلى جانبنا عندما نحتاج إلى ذلك.
يجدر بإسرائيل أن تصر على حقها وواجبها في الدفاع عن نفسها بنفسها وأن تستعين بصديقتها الاستراتيجية بقدر ما تستطيع. وإذا ما وقفت إسرائيل لا سمح الله أمام تهديد خطير وذي مغزى، لم يسبق لنا أن واجهناه منذ حرب يوم الغفران، فمن المهم أن تقف إلى جانبنا شبكة علاقات زعامية وقاعدة قيمية مشتركة وتنسيق مصالح استراتيجي مع الإدارة الأمريكية، مثل ذاك الذي كان قبل خمسين سنة، في وقت حرب يوم الغفران.
أيال حولتا
يديعوت أحرونوت 28/9/2023