إسرائيل وهي تعلم العالم معنى الاحتلال: هو مشروعنا الدائم والأكبر
2023-06-09
كتابات عبرية
كتابات عبرية

لسنا دولة محتلة، بل احتلال له دولة. الاحتلال مشروعنا الوطني الأكبر، المستمر منذ فترة طويلة جداً، بحيث لم يعد باستطاعتنا تخيل أنفسنا بدونه. لقد أعطوه كل ما كان لنا وما لدينا مع المعرفة بأنه يريد المزيد دائماً. وقد أخذ منا روحنا؛ ليس الآن، عندما أراد ضم ما تبقى من الديمقراطية التي احتفظنا بها لأنفسنا، بل عند بدايته كرسوم دخول. عرفنا الثمن، وكان هناك من حذروا، مع ذلك دفعناه بقلوب مرتاحة وطواعية، ونحن نغمض العيون.

لقد أعطيناه دماء أبنائنا من أجل الأمن، هكذا قلنا، عندما كانت عملية تلو الأخرى، وكان أولادنا يقومون بأعمال الدورية في أزقة وحقول أجنبية وكانت حياتهم مباحة. سمّينا ذلك “إدارة النزاع” وقص العشب. وقلنا إنه أفضل ما لدينا. بشكل ما، كان أفضل الموجود. قمنا “بتغيير المعادلة” في كل مرة. نحب تغيير معادلات القوة. نغيرها في قطاع غزة منذ عقود. نسمي ذلك جولات قتال، ونفرض على سكاننا وسكان غزة عيد أضحى سنوياً خاصاً بنا. نبرر بناء المستوطنات بذرائع أمنية وكأن هناك منطقاً أمنياً في إرسال المدنيين إلى منطقة معادية، وكأنه يمكن الحديث بعد ذلك بضمير طاهر بأن الطرف الثاني “يختبئ خلف المدنيين”، وكأن رياض الأطفال أدوات قتالية. هي ليست هكذا، لكننا في الأصل نحن الذين تنازلنا أولاً عن المعايير.

جندنا للاحتلال أدمغة قانونية لامعة، خدعت نفسها في التنقيب في قوانين الطوارئ الانتدابية لتبرير السلب وتشريع سرقة “كيرم نبوت” وتبرير التعذيب والعقاب الجماعي والتفجيرات التي لا تميز. القانونيون كانوا هناك عندما رقصنا حول السلب من أجل شوارع لليهود فقط، ومعاقبة قرى ومدن بالكامل. كانوا هناك من أجلنا عندما فحصنا كم سعرة حرارية للشخص يجب إدخالها إلى غزة كي نحافظ عليها دائماً على شفا أزمة إنسانية (بعد ذلك، بالمناسبة، لم نعد بحاجة إلى صيغة، نحن نعرف ذلك بالحدس).

لم يكن هناك شر إلا وتمرغ فيه القانونيون والسياسيون. فماذا إذا لوثنا أيدينا ولو قليلاً من أجل الدولة اليهودية النامية.

“الحكومة اليمينية الكاملة جلبت بشكل قانوني تصريحاً بأن الاستيطان في “يهودا والسامرة” لا يعتبر جزءاً من دولة إسرائيل، وهو أمر معقد قانونياً”، قالت بسذاجة عضوة الكنيست شيرين هسكل (المعسكر الرسمي) في جلسة لجنة المالية التابعة للكنيست. تعرف هسكل الوضع القانوني، لكنها تثق بمصوتيها الذين لا يعرفون. عدد قليل يعرفون، كيف سيعرفون؟ لقد أنتجنا قانوناً هو بمثابة ستارة ضبابية. مبنى قوي ومحامون يفعلون فيه ما يشاؤون. نملك أسطولاً من المحامين يفعلون كل شيء، من المحاكمة الإدارية وحتى المحاكمة الدولية، وسيبررون كل شيء، ولديهم القوة. عملهم سهل، والقضاة لا يقسون قلوبهم أمامهم. قضاة المحكمة العليا صادقوا على إخلاء تجمعات فلسطينية كاملة من بيوتها في مسافر يطا، لأن الجيش بحاجة ماسة إلى منطقة تدريب جديدة، يجب أن تكون مكان بيوتهم بالضبط. هكذا هو الأمر. شخص ما دافع عن هذا الموقف في المحكمة. وللأسف، وافق قضاة المحكمة العليا على ذلك. وعلى هذا الانغلاق، نحن مجندون الآن من أجل الدفاع بأن المحكمة العليا هي الحاجز الأخير الذي بقي والذي يدافع عن حقوقنا.

جندنا أفضل رجال الدعاية عندنا. يجب إزالة هذه الوصمة. وقد صاغوا من أجلنا نسيجاً من الادعاءات، “هذا معقد” “وماذا عن سوريا”، التي قمنا فيها بتغطية أنفسنا بفرح وتوارع. لنا أسطول من المفسرين الذين نرسلهم إلى المعارك الدولية على كل خارطة تميز بين الضفة الغربية وإسرائيل، لكنهم لا يعرفون كيفية العثور على الخارطة وعلى كل أمر صغير يحاربون من أجله: حدود هذه الدولة. ولأنه ليس بالإمكان بيع الأكاذيب لمواطني العالم وفي نفس الوقت قول الحقيقة في بيتنا، فقد اضطررنا إلى الكذب أيضاً عليهم وعلى أنفسنا. من السهل علينا أن نصدق. جندنا لهذه الحملة جميع إنجازاتنا، كل إنجاز ليبرالي تحقق هنا بالدم والعرق تم سحبه كي نظهر بأننا على ما يرام، دولة متقدمة، وأن هناك دمجاً للنساء في الجيش وأن هناك وجبات حربية نباتية. لذلك، لا حاجة للتحدث أكثر من اللازم عن الجنود الذين يقتحمون البيوت في كل ليلة وعن الاعتقالات الخيالية والإغلاقات والحصار والدماء… لقد سمّينا هذه الحملة في البداية “إعلام”: ألم تفهموا، ليس هذا ما حدث؛ وإذا حدث فهو غير فظيع. هكذا هو الأمر. ولكن في مرحلة معينة، قررنا إعادة تصنيف الحملة كـ “نضال ضد نزع الشرعية”. وقد استثمرنا الأموال في هذا النضال. وسرعان ما نبتت الزرع في وزارة الخارجية والجيش وفي مكتب رئيس الحكومة. وبعد ذلك، تم توجيه هذا النضال نحو الداخل. باسمه مثلاً، استجوبنا نشطاء من اليسار في مطار بن غوريون، أو “محادثات ودية” مع نشطاء “الشاباك”. حولنا معارضة سياسة للحكومة إلى أمر غير شرعي، دون أن نفكر للحظة بخطورة ذلك. هناك غسيل وسخ، لكن محظور علينا أن نغسله في الخارج، أو حتى في الداخل. ببساطة، عليكم إغلاق أنوفكم أو التنفس بحرية لأنكم ستتعودون على الرائحة بسرعة.

بالإجمال، نحن جيدون في التعود. المذبحة في حوارة أخرجت الإسرائيليين إلى الشوارع. هم شاهدوا يهوداً جيدين يصلون أمام اشتعال قرية محترقة ويلحق بها الدمار. في الأسبوع الماضي، خرج مستوطنون لإحراق بيوت في القرية الفلسطينية جالود. وكالعادة، وصلت الشرطة بعد الحادثة. وكالعادة، لم يتم اعتقال أي شخص. قوات الجيش وحرس الحدود وصلت. وكالعادة انتهى هذا بإصابة ثلاثة فلسطينيين. قبل ذلك بسنة، أحرق المستوطنون خمس سيارات في قرية جالود انتقاماً على عملية تم إطلاق النار فيها على جنديين من حرس الحدود وقتلهم. ولكن لا حاجة إلى الذهاب إلى هناك. قبل أسبوعين غادر نحو 200 بدوي فلسطيني من أهالي قرية عين سامية بيوتهم. وقالوا بأن الأولاد هم سبب المغادرة. لم يعد بإمكانهم العيش في خوف. هجمات المستوطنين ضدهم لا تتوقف، وكانت محمية من قبل رجال الشرطة الذين كانوا ينظرون إلى الطرف الآخر، وتتم حمايتها من قبل أفضل أبنائنا. بعد يومين، أحرق المستوطنون “كرفاناً” وعدة بيوت في قرية برقة، لم يكن الانتقام هو سبب العملية هذه المرة؛ بل لأن سكان القرية ارتكبوا ذنباً باستضافة بعثة الاتحاد الأوروبي، عدونا القديم. كل ذلك لم يخرج أحد إلى الشوارع، وبصعوبة نشر عنه. حتى السياسيون عندنا لم يكلفوا أنفسهم عناء التطرق لذلك؛ أجروا حساباتهم ورأوا بأنه ليس الوقت المناسب. متى سيأتي الوقت المناسب!

عندما سار آلاف الشباب الجيدين في مسيرة الأعلام وصرخوا “لتحرق قريتكم” بالحي الإسلامي شرقي القدس، وعندما تم ضرب الفلسطينيين، أعرب لنا السياسيون الإسرائيليون عن استغرابهم، ومدى أهمية هذه المدينة منذ طفولتهم. “هبط عشرة من الجَمال عشرة أقسام، أخذ منها العالم واحداً وما بقي ظل للقدس”، كتب نير بركات في صفحته على “الفيسبوك” وتمنى عيداً للقدس وسبتاً سعيداً لكل بيت إسرائيل، ولم ينبس ببنت شفة عن الضرب والبصق وأغنيات الانتقام.

لقد خلقنا لأنفسنا واقعاً بديلاً، عالماً خيالياً خاصاً بنا. نخلقه من جديد في كل يوم، بالأكاذيب أو التجاهل. نجري لأنفسنا اختبارات الإخلاص الدورية ونعاقب من لا ينجح فيها. تعلمنا جباية ثمن عن كل تقرير عن الاحتلال، كل تطرق إليه أو إشارة إلى أن دماء الفلسطينيين حمراء مثل دمائنا. السياسيون والمراسلون يعرفون ويعملون طبقاً له. هكذا أيضاً تبدو وسائل الإعلام لدينا وسياستنا. عندما تتعود على السير بانحناء، وهنا تعودوا على كل شيء، فالظهر ينحني بشكل تلقائي في نهاية المطاف. الاحتلال هو ابن 56 سنة. وحظاً سعيداً.

زهافا غلئون

هآرتس 9/6/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  
  • هل كان اغتيال أبناء هنية بمنزلة حكم إعدام على "المحتجزين" لدى حماس؟  
  • بعد نصف سنة من السادية والتعطش للدماء: بلغ السيل الزبى  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي