وأخيرا انحسرت القوة الانقسامية في بريطانيا وطويت صفحة بريكست
2023-04-12
شون أوغرايدي
شون أوغرايدي

مهما كان مصير بوريس جونسون الآن، علماً أنه من المستحيل أن يكون له عودة إلى الحكم، يسود الأمل أجواء الربيع.

آمل أنه بعد سبع سنوات من المعاناة بسبب بريكست، ربما وصل كابوسنا الوطني الطويل إلى خواتيمه. مثل بوريس جونسون ونايجل فاراج وجيريمي كوربين وجيكوب ريس-موغ وكثيرين غيرهم من شخصيات الفترة والمشهد، يتراجع بريكست ببطء لكن بوضوح، ويتلاشى في الخلفية، متحولاً من نقاش وطني حي إلى موضوع جدال تاريخي حماسي، على غرار حرب العراق أو قناة السويس أو حقبة التسوية التي سبقتها. 

ويبدو أنه لحسن الحظ، يخسر بشكل متزايد قدرته على تقسيم العائلات والأصدقاء، وتسميم نظامنا السياسي. لا شك في أن تداعيات بريكست الخبيثة على الصعيد الاقتصادي والثقافي والجيوسياسي سوف تستمر طيلة سنوات (إن لم نقل عقوداً)، ولا شك في أن حالنا بعد خروجنا من الاتحاد الأوروبي سيئ، لكن هناك إحساساً بأن البريطانيين قد أنهكتهم الحرب الأهلية.

فلنأخذ مثلاً حديثاً، هو "تمرد" كتلة المشككين بأوروبا على اتفاق بريكست الذي أبرمه ريشي سوناك تحت اسم إطار وندسور. ربما كانت اللحظة التي "أنجز" فيها بريكست أخيراً، لكن مجموعة الأبحاث الأوروبية بأعضائها الذين نصبوا أنفسهم محاربين باسلين، لم تقبل بذلك، وهكذا إذن، نظمت المجموعة التي يترأسها مارك فرانسوا، شبيه شخصيات مسرحيات غيلبرت وسوليفان الهزلية، إحدى حركات الثورية الشهيرة.

في الماضي، خلال عهدي ديفيد كاميرون وتيريزا ماي، كانت المجموعة لتتمكن من لي ذراع الحكومة، وتدمير أي اتفاق متعلق ببريكست لا يلبي جميع معايير النقاء التي وضعتها هي، والقضاء فعلياً على رؤساء وزراء. كانت مجموعة الأبحاث الأوروبية تضم بين 80 و100 عضو (لطالما كانت زمرة غير مستقرة)، ولا شك في أنها تمتعت بنفوذ ولعبت دوراً أساسياً في التوصل إلى الاتفاق الفوضوي الذي نجد أنفسنا واقعين فيه اليوم.

لكن انظروا إلى أعمالها اليوم وافرحوا. لم تتمكن من جمع أكثر من 22 متمرداً (وإن رافقهم عدد أكبر من الممتنعين عن التصويت)، ومر اتفاق سوناك بسهولة عبر مجلس العموم. كان ليقر حتى من دون دعم العمال.

لم يستقل أي وزير ولم يرحل أي أحد غاضباً، ولا حتى من بين قدامى أعضاء مجموعة الأبحاث الأوروبية مثل سويلا برايفرمان أو ستيف بايكر، حتى إن الأمر وصل ببيكر حد السخرية من دعم جونسون للتمرد الضعيف فقال إن ذلك حوله إلى "نسخة رخيصة عن نايجل فاراج". آخ!

ينبغي أن يرى أعضاء مجموعة الأبحاث الأوروبية، حتى أضعفهم بصيرة وإدراكاً، بوضوح أن أيام العز قد ولّت، وأن سوناك قادر على تجاهلهم بلا أي مشكلات، وأن جونسون وليز تراس يستغلانهم في محاولة للعودة إلى موقع السلطة.

يبرز اتجاه سياسي جديد، سواء أعجب ذلك مناصري البقاء والخروج، أم لم يعجبهم، ما عاد حزب العمال ملتزماً بإجراء استفتاء ثان، فما بالك بالعودة إلى السوق الموحدة، أو الاتحاد الجمركي أو الاتحاد الأوروبي نفسه. لا شك في أنه من مصلحة الدول أن يحدث اندفاع جماعي من أجل الانضمام إلى الاتحاد من جديد، لكن استطلاعات الرأي تظهر أن المعركة الجديدة على استفتاء آخر ستكون رهيبة جداً، ولا يمكن تصورها، على الرغم من من تزايد ندم المشترين على بريكست.

ما يريده كير ستارمر هذه الأيام ليس سوى علاقة ألطف وأقرب مع أوروبا، وهو أيضاً ما يريده سوناك، الذي يحرز بعض التقدم في علاقته الدبلوماسية الشخصية مع إيمانويل ماكرون وأورسولا فون دير لاين. والآن، أصبح الحزب الوطني الاسكتلندي والديمقراطيون الأحرار القوتين النافذتين الوحيدتين اللتين تؤيدان إعادة فتح الجراح القديمة.

فإذن، بريكست يفقد قوته. على غرار الانقسامات الوطنية الأخرى من الماضي التي ذكرتها، لا يمكن أبداً أن يختفي كلياً بسبب كل الحماس والشغف الذي استثمر فيه، على نفس المنوال، لا يزال البعض يتخذ مواقف غاضبة، تأييداً إما لتشرشل أو تشامبرلين في موضوع اتفاق ميونيخ.

طالما الاتحاد الأوروبي موجود ومزدهر، سيظل احتمال التراجع عن بريكست قائماً، وسيكون خياراً، وهذا حق. إنما في الوقت الحالي، فيما نتابع طريقنا المتعثر في عشرينيات ما بعد الألفية الثانية التي تبدو أنها سنوات عجاف، سوف تهدأ بعد طول انتظار العداوة المؤلمة والمدمرة التي نبعت من بريكست.

طبعاً، هناك تحذير واحد في هذا الإطار، وجود حزب المحافظين في صفوف المعارضة بعد خسارته الانتخابات المقبلة. في ذلك السياق وحده، يمكن أن يحتفظ بريكست بقوة تدميرية تمكنه من تحطيم حزب تاريخي كبير مرة أخرى.

بعد تحريرهم من مسؤوليات السلطة والخيارات التي يفرضها الحكم على السياسيين، سوف يتمتع المحافظون بكامل حرية انتخاب زعيم جديد يعزز تخيلات جديدة تتعلق ببريكست، تضاف إليها أوهام تراس القديمة في شأن النمو، وأوهام العظمة القومية الجونسونية.

ثم ستبرز شخصيات مثل برايفرمان أو كيمي بادنوخ، وتتعهد بإعادة الأمس الأجمل و"إنجاز (بريكست) كما يجب"، وسيتبنى أعضاء الحزب هذا الكلام الشافي بكل حماسة. سوف يجعلون ستيف بايكر يبدو وسطياً.

بعدها، سينقسم الحزب. يمكن لباقي البلاد أن تتفرج عن بعد على الفوضى، وتشعر بالامتنان لأن هؤلاء ما عادوا يحاولون أن يحكموا البلد. حتى لو عجزوا هم عن ذلك، يمكننا أن نواصل حياتنا.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ترمب مخطئ جدا بشأن "الناتو" ومصير الغرب شائك في حال فوزه  
  • محكمة كولورادو تمنح ترمب ما يريده تحديدا  
  • بريطانيا قد تعود إلى الحضن الأوروبي بصيغة فرنسية  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي