ترمب قد يرأس البلاد من السجن
2023-04-07
شون أوغرايدي
شون أوغرايدي

هيلاري كلينتون إنسانة لطيفة للغاية، وحكمتها الكبيرة كسيدة دولة ستمنعها من تنظيم تجمع هائل، تطلب فيه من بيل وباراك وجو مثلاً الانضمام إليها، فيما يهتف مؤيدوها بصوت واحد موحد: "احبسوه! احبسوه! احبسوه! احبسوه!" ومع ذلك، أولن يكون ذلك ممتعاً؟

تبدو الولايات المتحدة أمة الغاية منها المحاكمات [ديدنها المقاضاة] - وحادثة التزلج الغريبة التي تعرضت لها [الممثلة] غوينيث بالترو خير مثال على ذلك - والمحاكمة في هذه الحالة تزعزع العالم برمته.

دونالد ترمب بدوره رجل مجبول للمحاكمات، ولطالما استعان بمحامين مستعدين للعمل، إنما يفتقرون إلى المنطق للدفاع عنه وعن مصالحه التجارية، وهذا ما أثبتته المسيرة المهنية اللاحقة لرودي جيولياني ومايكل كوهين. وترمب بنفسه يحمل ندوب جراحه القانونية السابقة وكأنها ميداليات شرف بعد المعارك، ميداليات حصل عليها من كتيبة مميزة في الجيش.

وهو ردد مجدداً اللازمة في بيانه الرسمي التالي لصدور القرار الظني في حقه: "تذكرون الأمر مثلي تماماً: روسيا، روسيا، روسيا؛ أكذوبة مولر [تحقيق مولر]؛ أوكرانيا، أوكرانيا، أوكرانيا؛ أكذوبة العزل الأولى؛ أكذوبة العزل الثانية؛ مداهمة مارالاغو المفتقرة إلى المشروعية والدستورية [المخالفة للقانون]؛ والآن هذا. لقد كذب الديمقراطيون، وخانوا، وسرقوا، جراء هوسهم بمحاولة "النيل من ترمب"، لكنهم اقترفوا ما لا يعقل... وأصدروا قراراً ظنياً في حق شخص بريء، في تدخل سافر في الانتخابات".

من الواضح أنه سيتصدى للدعاوى المرفوعة ضده.

لكن الأمور لا تتوقف هنا، فترمب سيتصدى لأي من الدعاوى الأخرى التي قد ترفع في حقه. فالحال أن أحداث 6 يناير (كانون الثاني) [غزو الكابيتول] مثلاً قد تؤدي إلى توجيه تهم إليه، من أكبرها، الخيانة، إلى أصغرها.

رفعت قضية ضده في جورجيا، حول ضغوط مزعومة مورست على مسؤولين عن الانتخابات، لمنح ترمب أصواتاً كان بحاجة ماسة إليها. وبموازاة ذلك، تحتاج وزارة العدل إلى فك طلاسم معضلة [التبصر حولها] كيفية التعامل مع المستندات الرئاسية التي اكتشفت أخيراً في مقر ترمب في مارالاغو.

ترمب يعشق هذا كله. ولمن دواعي سروره التصدي لأربع دعاوى متزامنة، وكأنه بطل قصة كوميدية من [سلسلة] مارفيل. وإلا فسيكون إنساناً عديم الشأن، إن لم يواجه أي عدو أو مؤامرة تحاك ضده، والتوقع بأن يتعرض لهجوم متعدد الشعاب يلفت الأنظار إليه ويضخم مكانته السياسية.

أما مؤيدوه، فما يشد لحمتهم هو الحقد والتظلم، مثلما يحرك البنزين عجلة شاحناتهم الصغيرة - وبالتالي يلزمهم الكثير منه. فالمحاكمات هي الوقود الذي يحرك عجلة [يعزز] قاعدة ناخبي "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وفي هذا الإطار، طرح على زميلي السابق أمول راجان سؤالاً خلال برنامج "توداي"، حول الانطباع السائد عن حال الديمقراطية الأميركية، وإذا ما كان صدور قرار ظني وتوجيه تهم خطيرة سيساعد ترمب فعلياً على الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أما أكثر خبر أثير على قلب ترمب، فهو أن جملة الدعاوى القانونية المعقدة المرفوعة في حقه ستتصدر العناوين الرئيسة طوال شهور، بل حتى سنوات. وسيطغى اسم ترمب على الأخبار، تماماً كما عندما كان رئيساً. وسيعود إلى موقع "تويتر" ونعرف طبعاً ما يترتب على ذلك - وهو أن إيلون ماسك سينزلق إلى [براثن] القضية. وبالتالي، لا تزال المسرحية الهزلية في بدايتها.

لن تحسم الأمور فعلياً قبل يوم الانتخابات، لأن وضع نظام العدل الأميركي هو أشبه بحمل الفيلة - طويل ومؤلم، إنما عظيم ولا يمكن وقف مساره. والحال أن ترمب سيبقى منهمكاً بالدعاوى المختلفة المرفوعة ضده عندما يحلف اليمين الدستورية ويباشر عهده الرئاسي.

وهو لا ينزعج من المسائل القانونية التي تطول، شأنه شأن نظرائه المستبدين، أمثال [الإسرائيلي] نتنياهو و[البرازيلي] بولسونارو. وبالتالي، عندما توجه إليه الاتهامات، سترفع بصماته، وتؤخذ صورته كسجين، وربما يكبل اليدين، هذا إن تم العثور على زوج أصفاد صغير بما يكفي ليتناسب مع أصابعه المشهورة بصغرها.

ومع ذلك، سينتهي به المطاف بأن يدان و... يحكم عليه بالسجن. وفي هذه الحالة، ستكون أقوى دولة في العالم محكومة من سجين. ويكون الأمر مشوباً بالتعقيدات.

أياً كانت الإصلاحية التي سيجد الرئيس ترامب نفسه فيها، سيبني مقراً خاصاً لاستضافته - قسم البيت الأبيض، مع زنزانة بيضاوية خاصة به، يزينها تمثالان نصفيان للينكولن وتيدي روزفلت، فيما تعلق صورة كبيرة لرونالد ريغان المبتسم على الجدار.

وفجأة [على حين غرة]، سيولي اليمين الأميركي اهتماماً بوضع المساجين، فتكون أوقات الزيارة مع أفراد عائلة ترمب، ومع وزراء مجلسه وحلاقه، استعراضية بعض الشيء. وسيكون على ترمب أن ينتبه كيف يذهب للاستحمام [للاغتسال من دون التعرض لاعتداء]، وأن يصبح صديقاً لأصحاب النفوذ في السجن.

وسيرغم على ترؤس مجلس الأمن الوطني عبر اتصالات "زوم"، مرتدياً بذلة برتقالية فاقعة ستتعارض بشكل مريع مع لون بشرته الليموني الباهت. وقد يقرر تدمير إيران نووياً على خلفية رهان مع رفيقه في الزنزانة. وكلما ذهب لتناول الفطور، ينشد له الآخرون "السجن للقائد" [في محاكاة ساخرة لأغنية الترحيب بالرئيس الأميركي hail to the chief].

وبصفته القائد الأعلى، سيكون على حرس السجن إلقاء تحية [عسكرية] على ترمب قبل وبعد كل تفتيش شرجي عن المخدرات. وسيتمكن الرئيس السابق من تعيين قضاة المحكمة العليا الذين سيصطفون لسماع استئنافه القضائي لقرار الإدانة.

في عالم ترمب على ما هو متوقع، كل شيء ممكن ولا يمكن استبعاد أي احتمال. وستبقى الإجراءات القانونية تتأخر في محكمة الاستئناف حتى تنطلق الدورة الانتخابية، في أكبر مثال على ديستوبيا ترمب [خلاف عالم المُثل].

لقد حاول توجيه ضربة قاصمة إلى الديمقراطية الأميركية في مناسبات عدة، وسيحاول من جديد. لا شك في ذلك أبداً.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ترمب مخطئ جدا بشأن "الناتو" ومصير الغرب شائك في حال فوزه  
  • محكمة كولورادو تمنح ترمب ما يريده تحديدا  
  • بريطانيا قد تعود إلى الحضن الأوروبي بصيغة فرنسية  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي