
ستة أشهر من الطريق المسدود تصل إلى منتهاها عندما تستعد أوكرانيا وروسيا إلى الهجوم. تأمل روسيا في توسيع احتلالها لأجل انتصار جزئي، أما أوكرانيا فتأمل بتحرير مناطق سبق أن احتلت، وترغب في ذلك بضربة واحدة، وإذا لم يكن فعلى مراحل. قد يتضح أفق الحرب في نهاية الربيع.
رغم التصميم الروسي على الشروع في الهجوم، فالأمر الذي من الحكمة عمله هو دفع الأوكرانيين إلى التحطم على مواقع الدفاع. وهذا التصميم ينبع من أسباب سياسية وعسكرية على حد سواء. من ناحية عسكرية، أعادت روسيا بناء قدراتها كي تخوص هجمات واسعة. وفي الخريف، جرى استيعاب القوة البشرية في التجنيد الذي جرى في ظل انعدام نجاعة إدارية ومقاومة مدنية. لكن آلاف الجنود ملأوا الصفوف الهزيلة للوحدات القائمة، وزجت روسيا يدها عميقاً في مخزون العتاد القديم الهائل لديها كي تستبدل الوسائل القتالية الفاقدة.
كما أن تدريب الوحدات المجندة لم يكن موحداً: أرسل بعضها على ما يبدو إلى الجبهة، بينما مر بعض آخر في طريق مخططات تدريب مرتبة. على الرغم من ذلك، ربما تكفي الجودة. لا يفترض بهذه الوحدات أن تلتقي وحدات خبيرة للغاية، وسيتعين عليها أن تصطدم بجيش أوكرانيا الذي وإن كان متفانياً لحماية الوطن، لكن وحداته ليست متساوية في جودتها.
عودة إلى الهجمات السوفيتية
لقد سبق لبوتين أن أعلن عن نيته “تحرير” أوكرانيا. كان متوقعاً أن يقتحم هذا الهجوم مثل الهجمات السوفيتية في الحرب العالمية الثانية، غير أن روسيا شددت هجماتها في الأسبوعين الأخيرين على منطقة دونباس، فيما يبدو بدءاً بالهجوم، غير أنها تبدو كهجمات مشاة تأتي بعد قصف مكثف. تركز روسيا على منطقة باخموت، وتحاول محاصرة المدينة لتستولي على أراض أخرى وتدفع الجيش الأوكراني إلى النزيف. تبدو هذه المعركة مثلما في الحرب العالمية الأولى، مع خسائر مشاة كثيرة مقابل إنجازات قليلة في ضوء مواقع الدفاع المعدة جيداً.
بالنسبة لروسيا، يمكن للهجوم أن يكون بمثابة “أن تكون أو لا تكون”، وليس واضحاً إن كانت ستتمكن من بناء جيشها مرة أخرى، إذا أخذنا بالحسبان فقدان العتاد النوعي والمقاومة للتجنيد. لا توجد إمكانية لأوكرانيا ببساطة أن تدافع عن نفسها وتنتظر. فكون أراضيها احتلت، فإن عليها الخروج إلى الهجوم. ومثلما مع فرنسا في الحرب العالمية الأولى، تبدو الهزيمة هي الطريق المسدود.
من الدفاع إلى الهجوم
سيكون التحدي الأوكراني هو الهجوم وليس الدفاع، إذ إن الهجوم يتطلب تعرضاً أكبر للنار. ومن أجل النجاح، ستحتاج القوات كل الأدوات – من الدبابات وحتى سلاح الجو. وتكمن الصعوبة في أن وحدات عديدة في الجيش إنما هي ميليشيات مدربة جزئياً، وحتى الوحدات المختارة فقدت الكثير من المقاتلين.
لقد أبدت هذه القوات قدرة عالية في تحرير خيرسون والمنطقة شرقي خاركوف، لكن كانت لهم مزايا هناك: الوحدات الروسية في منطقة خاركوف كانت ميليشيات ووحدات من الصنف الثاني، وفي خيرسون كانت القوة الروسية معرضة بشكل متطرف للنار بصفتها رأس جسر. قد لا تتوفر هذه المزايا في الهجمات التالية.
ولا يزال جيش أوكرانيا يتعزز بفضل كمية هائلة للوسائل القتالية التي تتدفق من الغرب، لكن مهما يكن هذا العتاد مهماً، يبدو التدريب مساوياً له في الأهمية، بعضه يجري على أسلحة الناتو؛ فالمملكة المتحدة توفر تدريبات للمقاتلين الأوكرانيين، والولايات المتحدة توفر تدريباً في مستوى كتيبة.
لقد أبدى جيش أوكرانيا وسكانها حصانة عالية، وقد يتمكنون من مواصلة القتال لسنوات أخرى. التحدي سياسي: ضمان تدفق التوريد من الولايات المتحدة والناتو والأسرة الدولية. بدونه، كانت المقاومة ستفشل في غضون وقت قصير. وبالفعل، أبدت إدارة بايدن دعماً غير متحفظ، لكن علم مؤخراً عن قلقها من جودة التوريد.
في هذه الأثناء، تنال كتل السلام في الولايات المتحدة وأوروبا الزخم. فبالقلق من الخسائر في الأرواح (اليسار)، ومن النفقات (اليمين)، أو بحرف الوسائل عن الاحتياجات الداخلية، تبدو المفاوضات الآن جذابة. ومع ذلك، فإن أي مفاوضات تخلق وقفاً للنار، ستتحول إلى نصر روسي بحكم الأمر الواقع.
وعليه، فإن نتائج المعركة ستدل على مستقبل المواجهة. وأي نجاح روسي سيصلب موقفها في المحادثات المستقبلية، وأي نجاح أوكراني سيمنحها أملاً بتحرير أراضيها ويقنع بأن هذه ليست حرباً “للانتصار”. الزمن القريب القادم سيصمم المخطط لما تبقى من الحرب.
بقلم: مارك ف. كنسيان
إسرائيل اليوم 20/2/2023