إلى نتنياهو ولفين: نحذركما من الحرب الأهلية
2023-02-06
كتابات عبرية
كتابات عبرية

ما شأن جهاز القضاء وسلطة القانون والمحكمة العليا من ناحية، والقومية من جهة أخرى؟ لا علاقة، هكذا سيجيب بثقة من يؤيدون غادي طاوب والخبراء على أشكالهم، حول ما يعتمل في قلوب الجمهور من قبل عالمية الفاشيين بعد الحداثة. المحاكم، والانتقاد القانوني، والدفاع عن حقوق الأقليات – كل هذه المؤسسات والمفاهيم تشم رائحة كوزموبوليتانية عديمة الجذور. وبناء على ذلك، هم يمثلون عالم “المتحركين”، الذين تعد الهوية القومية الثابتة والعرق بعيدة عنهم. في المقابل، تنتمي القومية، حسب رأيهم، إلى عالم “الثابتين” الذين يطمحون إلى أن يكونوا أصحاباً كاملين وحصريين للبيت في دول قوميتهم، ويرون في الخطاب القانوني العالمي تهديداً حقيقياً على أمن هويتهم وعلى سيادتهم القومية.

ولكنها في الحقيقة رؤية سطحية وبسيطة لأسس وخصائص الوعي القومي الحديث. نماذج القومية والهوية القومية تعكس لكل شعب مجمل عوامل لواقع تاريخي معين – اجتماعي وثقافي وسياسي – التي يمر بها أي شعب أثناء تشكيل “أناه” القومية. وفي حالة القومية اليهودية الحديثة، فإن الواقع الفكري – السياسي المؤسس، الذي على خلفيته ومن خلاله نمت وتبلورت الفكرة الصهيونية السياسية، كان مرتبطاً بالتماهي العميق لليهودية الحديثة مع عالم القيم الليبرالية. كل ذلك، رغم أن الحقيقة التي لا يجب تجاهلها، أن عملية التبلور الفعلي للصهيونية كانت مرتبطة بسياسة كولونيالية غير ديمقراطية، مع السعي إلى تحويل سكان أرض إسرائيل الفلسطينيين من أغلبية إلى أقلية في وطنهم.

“كل إنسان حر وغير مقيد بإيمانه أو كفره، ولا بقوميته، وإذا حدث ووجد في داخلنا أيضاً أبناء إيمان آخر، وأبناء قومية أخرى، فسنعطيهم الحماية المقدرة والمساواة القانونية في الحقوق. تعلمنا التسامح في أوروبا. أقول ذلك بدون أي ذرة من السخرية”. هذه الأقوال لثيودور هرتسل في كتاب “دولة اليهود” لم تكن بمثابة توصية فارغة، بل عبرت بشكل صادق عن الالتزام الداخلي – القومي الأساسي للهوية الصهيونية الحديثة بمبادئ التسامح والليبرالية، والالتزام الذي تساوق مع كون الصهيونية حركة قومية لأقلية قومية مضطهدة ومقموعة. هذا الالتزام القومي سيستمر في الوعي القومي اليهودي الحديث حتى في الأجيال القادمة، وحتى هذه الأيام في الوقت الذي كانت واحدة من المكونات الأساسية لـ “الأنا” القومية الإسرائيلية.

نسمع دعوات لإنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية في المظاهرات الجماعية ضد الانقلاب النظامي، في الوقت الذي يقتل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي المتمردين الفلسطينيين في مخيم جنين للاجئين. مع ذلك، يجب الاعتراف بحقيقة أن الدوافع التي تخرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين الآن إلى الشوارع للاحتجاج على الهجوم البيبي على استقلالية السلطة القضائية تكمن عميقاً في الطبقة الهوياتية القومية الإسرائيلية واليهودية. لأن غداة العملية القاتلة والمقيتة في القدس، التي أزهق فيها مخرب فلسطيني حياة سبعة مواطنين أبرياء، امتلأت ميادين مدن إسرائيل بعشرات آلاف الأشخاص في عرض مدهش للوطنية الإسرائيلية، وهذه الحقيقة تدل على ذلك كألف دليل.

لذلك، من المحزن والمسلي في الوقت نفسه، رؤية كيف أن نتنياهو ولفين، اللذين يسميان أنفسهما بـ “رجال المعسكر القومي”، والشخصين المثقفين والمهذبين تماماً، نكتشف قلة الفهم والجهل لديهما في كل ما يتعلق بتشخيص الجذور القومية للاحتجاج الحالي في إسرائيل ضدهما. إذاً، من العدل أن نفتح عيونهما وبسرعة: خلافاً لسياسة الكتلة الشيوعية السابقة، على شاكلة هنغاريا وبولندا، التي يتطلع إليها نتنياهو وأمثاله بصورة مدهشة، تعتبر مؤسسات جهاز القضاء وسلطة القانون في إسرائيل بالنسبة لكثير من المواطنين، بما في ذلك مؤيدون كثيرون لليمين، ذخراً وطنياً ثميناً. واغتيال قيم الليبرالية بشكل عام واغتيال المحكمة العليا بصفتها الممثلة الأولى بشكل خاص، يعتبر في نظر هؤلاء الإسرائيليين تهديداً هوياتياً – ثقافياً لبيتهم القومي، لذلك فإن خطاب “البيت المحترق” لدافيد غروسمان في مظاهرة المئة ألف كان خطاباً أصيلاً ودقيقاً بالمعنى القومي.

في الوضع المعطى، عندما تعتبر أجزاء كبيرة في أوساط الشعب في إسرائيل انقضاض الحكومة الكهانية على جهاز القضاء الإسرائيلي محاولة لتخريب البنية التحتية الأساسية القيمية لهويتهم القومية، فإنه يجب على هذا الجمهور أن يكون مستعداً لشن حرب دفاعية لا مساومة فيها على قيمه القومية مثلما في حالات كثيرة من النضالات القومية حول مسائل وجودية حول مستقبل الشعوب التي عرفت عهد القوميات الحديثة. بكلمات أخرى، إذا استمر من يسعون لتدمير سلطة القضاء في الدولة بدون هوادة في الدفع قدماً بمؤامرتهم التدميرية، فلا شيء سيمنع نشوب الحرب الأهلية في إسرائيل. يا نتنياهو ولفين، نحذركما.

 

بقلم: ديمتري شومسكي

 هآرتس 5/2/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  
  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي