"السقوط إلى القمة" يا ماجدة!
2020-02-15
غادة السمان
غادة السمان

من جديد، حزنت لرحيل مشروع صداقة حميمة لم يترك الزمن المجال لها لتنضج، ومرت الأيام.. بسرعة قط هارب. أتحدث عن حزني لرحيل النجمة المصرية الكبيرة ماجدة (الصباحي)… وأتقدم بالتعازي لابنتها غادة وللشعب المصري الحبيب.

كان ياما كان..

منذ عقود، كنت قد عدت من لندن وأنا أحلم بالاستقرار في بيروت، وكان نزار قباني قد عاد من إسبانيا يحمل الحلم ذاته، بل إنه بدأ بتأسيس دار للنشر في بيروت تحمل اسمه، وقلت له إنني أنجزت قبل عودتي إلى بيروت روايتي الأولى بعنوان «السقوط إلى القمة». اجتذبه العنوان، ولأنه عاشر كتاباتي منذ السطر الأول، قال إنه سينشرها عن منشوراته إلى جانب ديوان جديد له أذكر أن عنوانه كان (يوميات امرأة لا مبالية) وقام بنشر إعلان في «مجلة الآداب» على صفحة كاملة حول ذلك.

فاطمة السردوك، رائدة الصحافة النسائية في لبنان (مجلة شهرزاد)، قرأت الإعلان وأخبرت صديقتها النجمة ماجدة حول روايتي، وتحمست ماجدة مبدئياً لتحويل الرواية إلى فيلم، فقد كانت ممثلة ومنتجة، وهكذا التقينا.

اجتذبها عنوان الرواية!

وعرفتني فاطمة على النجمة السينمائية الكبيرة ماجدة، التي قالت إنها سمعت بروايتي «السقوط إلى القمة» من أخبار في الصحف بعدما أعلن نزار قباني أنه سيقوم بنشرها. وطلبت مني الاطلاع عليها، لأن العنوان اجتذبها وتفكر في تحويلها إلى فيلم سينمائي يحمل العنوان ذاته، وتقوم بتمثيلها.

لفتني في ماجدة أنها كانت تتصرف ببساطة دونما «ألاعيب النجومية» في ملبسها وزينة وجهها وحديثها. وشعرت بالمودة تتدفق بيننا.

السقوط إلى القمة.. سقطت في الضياع!

الفنانة ماجدة التقيتها مرات في بيروت، وفي إحدى الجلسات طلبت مني أن ألخص لها روايتي التي اجتذبها عنوانها.

قلت لها إن أي رواية لا يمكن تلخيصها، وإلا لما كتبتها! لكنني رويت لها بعض الأحداث وكيف أن صعود بعض الناس إلى قمة النجاح يعني أحياناً سقوطهم إنسانياً سراً.

وازدادت ماجدة حماسة، وقالت إنها ستتبنى الرواية سينمائياً، بل وتقوم بتكاليف الإنتاج. ونُشر الخبر في الصحف عن نيتها تحويل روايتي إلى فيلم من تمثيلها.

وكان عليّ إحضار الرواية لنزار الذي أعلن عن نشرها كباكورة، كما وأعلنت ماجدة عن نيتها تحويلها إلى فيلم. وطرت إلى لندن لإحضار الرواية حيث تركتها في عهدة أخي المقيم هناك يومئذ، فقد كنت أتدفق كتابة، وكان ما يسعدني هو أن أكتب، أما النشر فيأتي في الدرجة الثانية من الأهمية عندي. ولكنني لم أستطع العودة بالرواية إلى بيروت لنزار وماجدة، ولي أولاً (!) لأن الرواية سرقت مني في أحد المطارات في طريق العودة بها إلى بيروت.

خيبة السارق وخيبتي أيضاً!

كنت شابة صغيرة غير حذرة، ومررت بباريس وزيوريخ قبل العودة إلى بيروت، ونمت على مقعد في «المنطقة الحرة» في أحد المطارات؛ لأنهم أعلنوا عن تأخر إقلاع طائرتي. وحين استيقظت لم أجد الحقيبة. وأستطيع أن أتخيل خيبة أمل السارق حين وجد فيما بعد، أن الحقيبة مليئة بأوراق مكتوبة بلغة يجهلها على الأرجح، لا بالنقود كما كان يأمل.. وبخيبة أملي لأنني يومها خسرت فرصة رائعة لنشر الرواية وتحويلها إلى فيلم تمثله النجمة الكبيرة ماجدة.

أشهر رواية عربية غير منشورة!

جاذبية العنوان دفعت بالعديد من الشعراء والأدباء إلى استيحائه.. وهكذا قرأنا عناوين مثل «السقوط إلى أعلى».. و«الصعود إلى الهاوية» وعناوين أخرى استوحت عنواني وفعلت ما أفعله دائماً مع الخيبات: أتعلم درساً! ولم أعد بعدها أعلن عن إصدار كتاب أو عنوانه إلا بعد صدوره!

لكن خبر رحيل الرائعة ماجدة ذكرني بكل ما تقدم.. وذكرني بأن عليّ التواصل باستمرار مع الذين أحبهم وأقدرهم كي لا أندم بعد أن يختطفهم الموت.

ماجدة.. صاحبة شركة الإنتاج السينمائي

في سنوات شبابها، عبرت ماجدة عن قدرة الإنسانة العربية على إتقان مختلف العطاءات، كالتمثيل والإنتاج…

وهو ما قلته لفاطمة السردوك في جلسة لنا على شاطئ البحر البيروتي، وأضفت: صار في رصيدي أكثر من رواية منشورة، ما رأيك في أن نتصل بالنجمة ماجدة، فقد تنتج واحدة منها وربما تمثلها؟

قالت لي فاطمة: ماجدة اعتزلت التمثيل والإنتاج!

أحزنني أن الفنانة العربية تعتزل حين تغادر مرحلة الشباب، وماجدة اشتهرت بدور المراهقة الجميلة الصغيرة.

ولكن ماذا في أن تمثل دور الأم، بل والجدة أيضاً، وتتابع عملها في شركتها للإنتاج أياً كانت سنها ما دامت قادرة على العمل؟

المرأة العربية ورهاب الكهولة

لسبب ما، تعتزل معظم الممثلات العربيات حين يبلغن سن التقاعد، ولكن الحياة لا تتوقف مع مرحلة الصبا ومطلع الشباب. وكنت أحب أن أرى الكثير من الممثلات العربيات يقمن بأدوار تناسب أعمارهن، وهو ما نراه لدى الممثل الذكر أكثر من النساء؟

ولعل مجتمعنا يضع المرأة تحت المجهر، لا الرجل. كأنّ تقدم الرجل في السن أمر عادي، ولكنه كارثة (طبيعية) للجميلات!

في المقهى الباريسي.. هل هن جميلات؟!

قلت بسرور لرفاق المقهى من العرب المخضرمين: وهكذا تشكلت الوزارة اللبنانية برئاسة حسان دياب، وتضم 6 نساء. لم يسألني أحد عن كفاءاتهن، بل سألني بعفوية: هل هن جميلات؟

قلت له: ما علاقة شكلهن الخارجي بنجاحهن المهني؟

ضحك رفاق المقهى ولم أضحك. أعتقد أنه حان الوقت للمرأة العربية لتتمرد على حكاية جمالها، وبالتالي اعتزالها حين تبلغ سناً معينة.. وعليها أن تردد باستمرار عنوان قصة لي: الحياة بدأت للتو!



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي