حكومة السوداني في العراق.. تداعياتها على إيران ومعسكر مؤيديها
2022-11-15
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 بعد مرور سنة تقريباً على انتخابات البرلمان في العراق، انتهت ملحمة تشكيل الحكومة في تشرين الأول، رغم أن الفائز في الانتخابات، الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ليس جزءاً منها. في الانتخابات التي جرت في 10 تشرين الأول 2021 أصبح مقتدى الصدر زعيم القائمة الأكبر في البرلمان، وطبقاً لذلك أعلن عن نيته تشكيل حكومة تستند إلى أغلبية برلمانية بدون المعسكر المؤيد لإيران، خلافاً للحكومات التي تشكلت في السابق والتي استندت فيها تشكيلة الوزراء إلى اتفاق واسع بين جميع الأحزاب في البرلمان، بما في ذلك المقربون من إيران.

الانقلاب الذي حدث في صورة الوضع السياسي داخل العراق، الذي أدى إلى تشكيل حكومة من قبل مؤيدي إيران الذين لم يحصلوا على معظم المقاعد في الانتخابات البرلمانية، هو نتيجة سلسلة قرارات متسرعة لمقتدى الصدر: بعد عدم نجاحه لأشهر كثيرة في تشكيل حكومة لا تعتمد على دعم القوائم الشيعية المؤيدة لإيران (التي تتجمع في “الإطار التنسيقي”)، أمر الصدر فجأة جميع الأعضاء في قائمته بالانسحاب من البرلمان في حزيران الماضي. حتى إنه طلب من مؤيديه بعد ذلك الخروج إلى الشوارع للاحتجاج، الذي تصاعد إلى درجة المواجهة العنيفة في “المنطقة الخضراء” في بغداد، التي فيها مكاتب الحكومة وقصر الرئاسة. كان يوم المعركة في نهاية آب حيث ذروة المظاهرات والصدامات بين مؤيدي الصدر والمعسكر الشيعي المناوئ، ونشر خلالها عن تبادل لإطلاق النار بين نشطاء المليشيات من الطرفين. وقتل في أقل من يوم عشرات الأشخاص إلى أن أمر الصدر مؤيديه بمغادرة “المنطقة الخضراء”، وهكذا انتهى الحادث. في المقابل، مقاعد أعضاء قائمة الصدر الذين انسحبوا تم أشغلها من جاءوا بعدهم في الدور حسب نتائج الانتخابات في الدوائر الانتخابية المختلفة، وتولى “الإطار التنسيقي” زمام الأمور لتشكيل الحكومة.

بعد اتصالات ومشاورات مع زعماء القوائم في البرلمان، لا سيما زعماء الأحزاب الكردية الذين كانوا منقسمين حول مسألة هوية الرئيس، تم التوصل إلى حل وسط بحسبه يكون السياسي الكردي، عبد اللطيف رشيد، الرئيس القادم للعراق، وقد صادق عليه البرلمان بالتصويت. على الفور، قام بعد تعيينه بتكليف مرشح “الإطار التنسيقي” بتشكيل الحكومة، محمد شياع السوداني. في محاولة لإرضاء الصدر، الذي طلب في أعقاب انسحاب أعضاء قائمته تبكير انتخابات البرلمان، أعلن السوداني بأن حكومته ستستعد لإجراء الانتخابات خلال سنة. في التصويت الذي أجري بعد بضعة أيام، تمت المصادقة على تشكيلة الوزراء التي اقترحها السوداني. فقد تسلم “الدفاع” ثابت العباسي، الذي يمثل تحالفاً من الأحزاب السنية في البرلمان. وعين السوداني في منصب وزير الداخلية الجنرال عبد الأمير الشمري، الذي شغل منصب نائب قائد العمليات المشتركة لقوات الأمن العراقية. بعد ذلك، أعلن السوداني بأنه سيتولى مباشرة جهاز المخابرات الوطنية، بشكل مؤقت، بعد أن عزل رئيس الجهاز الذي عينه سلفه في المنصب، مصطفى الكاظمي.

رئيس الحكومة الجديد، محمد السوداني، عمره 52 سنة. وقد شغل في العشرين سنة الأخيرة وظائف رفيعة في الحياة العامة، بدءاً من الحكم المحلي كحاكم لمحافظة ميسان الموجودة على حدود إيران، وبعد ذلك وزيراً في حكومة نوري المالكي وحكومة حيدر العبادي. في هذه المرحلة، يظهر في مجال العلاقات الخارجية توجه لاستمرار سياسة الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الأطراف المختلفة وحتى مع الخصوم الذين يتدخلون في شؤون العراق، كما ظهر من محادثات السوداني مع وزير الخارجية الأمريكي وسفير السعودية وسفير إيران في العراق في الأيام التي تلت تسلمه لهذا المنصب.

حتى الآن، تجنب رئيس الحكومة الجديد، السوداني، التطرق بشكل صريح لنشاطات المليشيات المؤيدة لإيران والتي لم يتم تنسيقها مع الحكومة. واكتفى بأقوال عامة حول الخطوط الأساسية لحكومته، ظهرت على هامش القسم الأمني، الذي بحسبه ستحاول الحكومة إنهاء ظاهرة السلاح غير المسيطر عليه من قبل الدولة. هذه تغييرات مهمة بالنسبة لسياسة سلفه، مصطفى الكاظمي، الذي أبرز في العناوين الرئيسية لخطوط حكومته الأساسية تركيز جميع السلاح في الدولة في يد المؤسسات الأمنية، وطبقاً لذلك عمل حتى على فرض القانون ضد المليشيات المؤيدة لإيران، رغم أنه لم ينجح في تحقيق هذا الهدف.

حقيقة أن السوداني يتمتع بثقة نوري المالكي، العدو اللدود لمقتدى الصدر، والتأثير الواضح للمليشيات المؤيدة لإيران على قرار حكومته (مثل تعيين مراسل مقرب منها في منصب رئيس مكتب الإعلام في مقر الحكومة)، توضح بأن رئيس الحكومة الجديد مريح أكثر من سلفه بالنسبة للمليشيات، بل ويعمل على إرضائها. هذا الأمر يثقل على علاقات الحكومة مع مقتدى الصدر وحركته. الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة قد يزيد المواجهة الشيعية الداخلية، حيث إن “الإطار التنسيقي” يخطط في الطريق إلى هذه الانتخابات إلى إجازة تعديل على قانون الانتخاب في البرلمان بهدف زيادة فرصة المعسكر المؤيد لإيران في الانتخابات القادمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصادم آخر مع الصدر ومؤيديه.

قبل إنجاز تشكيل الحكومة الجديدة وفي أعقاب نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق، ثار في إيران الخوف من تقويض مكانتها وتأثيرها في العراق. إضافة إلى ذلك، أثارت المواجهات الشديدة التي اندلعت في “البيت الشيعي” قلق طهران من فقدان الاستقرار في “ساحتها الخلفية”. إزاء ذلك، حاولت إيران التوسط بين التيارات السياسية الشيعية وتشكيل حكومة مستقرة، تعكس مصالحها في العراق، بما في ذلك مصالحها الاقتصادية الحيوية. في هذه الجهود، لعب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، إسماعيل قاآني، دوراً رئيسياً. في السنة الأخيرة أجرى قاآني سلسلة زيارات في العراق التقى فيها ممثلي قوائم الشيعة، بما في ذلك مع الصدر وممثلي الأحزاب الكردية في شمال العراق. في شباط 2022 نشرت مصادر عراقية بأنه أثناء اللقاء مع الصدر نقل له قاآني رسالة من الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي، دعا فيها إلى الحفاظ على وحدة المعسكر السياسي الشيعي في كل الظروف. ولكن حتى بعد ذلك، رفض الصدر تشكيل حكومة بمشاركة المليشيات المقربة من إيران.

كما هو متوقع، سارع النظام الإيراني إلى مباركة تشكيل الحكومة برئاسة السوداني. وقد يسعى أيضاً إلى استغلال تأثيره على هذه الحكومة للدفع قدماً بأهدافه بعيدة المدى في العراق، رغم نتائج الانتخابات البرلمانية والاختلاف الشديد في الآراء في المعسكر الشيعي، الذي وفر دليلاً آخر على الضغوط التي تقف أمام إيران. تصفية قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، والشخصية الرفيعة في المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، أبو مهدي المهندس، في كانون الثاني 2020 أوقع ضربة شديدة بقدرة إيران على المضي بأهدافها الاستراتيجية في العراق. لم يؤد موتهما في الحقيقة إلى انسحاب إيران من أهدافها العليا في العراق، لكنه أجبر حرس الثورة وفيلق القدس بقيادة الوارث قاآني، على تنسيق المهمات وخصائص نشاطهم مع الظروف المتغيرة. تصفية المهندس أضرت بقدرة إيران على الحفاظ على السيطرة على المليشيات الشيعية في العراق. إضافة إلى ذلك، اضطرت إيران إلى مواجهة تداعيات سياسة رئيس الحكومة العراقي السابق، مصطفى الكاظمي. منذ انتخابه لرئاسة الحكومة، كان من الواضح أنه مصمم على منع تحويل دولته إلى ساحة صراع بين إيران والولايات المتحدة، والحفاظ على العلاقات بين دولته والولايات المتحدة وتقييد نفوذ المليشيات الشيعية، لا سيما المليشيات المخلصة لإيران التي يعتبر أنها قد تضعضع استقرار الدولية. إزاء تعقيد الساحة السياسية في العراق، لا سيما الانقسام العميق في المعسكر الشيعي، تحاول إيران “السير بين النقاط” مع إظهار براغماتية وحذر في سعيها إلى الحفاظ على علاقتها مع الحكومة المركزية في بغداد ومع المليشيات الشيعية المدعومة من قبلها.

إن فشل مقتدى الصدر في الجولة الحالية للصراع الداخلي في المعسكر الشيعي يوفر دليلاً آخر على قدرة المليشيات المؤيدة لإيران بدعم من طهران على ضمان مصالحها، ونفوذ النظام الإيراني الآن في العمليات السياسية وعلى مراكز اتخاذ القرارات في العراق الجارة. هذا رغم نقد عام متزايد لتحويل هذه المليشيات إلى بؤرة قوة منافسة للحكم المركزي وعلى التدخل الإيراني بشكل عام. إزاء التحديات المتزايدة من الداخل والخارج، وعلى رأس ذلك الأزمة الاقتصادية الآخذة في الاشتداد، والاحتجاج الداخلي المتواصل والمواجهة المستمرة مع الولايات المتحدة في ظل غياب الاتفاق النووي، تولي إيران أهمية أكبر لنفوذها في العراق، وتصمم على الحفاظ على هذا النفوذ لفترة طويلة.

نجاح الحكومة الجديدة في الحفاظ على الاستقرار حتى موعد الانتخابات المبكرة، وبشكل خاص تمرير التعديل على قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات في الموعد المخطط له كما وعد الصدر، يعتمد على التوافق (أو على الأقل على غياب معارضة فاعلة) من جانب الصدر، وهذا أمر غير مضمون تماماً في هذه الأثناء. الدعم الشعبي له والمليشيا التي يمتلكها تعطيه قوة كبيرة يمكنه استخدامها من أجل المس بخطوات الحكومة الجديدة. إضافة إلى ذلك، وبعد حسم المعركة على هوية رئيس الحكومة لصالح المعسكر المؤيد لإيران، لم يتم حتى الآن حل المشكلات السياسية الرئيسية التي أدت إلى انقسام الشيعة في العراق، مع التأكيد على فساد الحكومة وتدخل إيران والمليشيات التي تعمل بدعمها في سياسة العراق. قد تستمر هذه المواضيع في الوقوف في مركز النقاشات والتوتر، وربما حتى في مركز صدامات أخرى بين القوى الشيعية المتخاصمة.

 

بقلم: يارون شنايدر وراز تساينت

نظرة عليا 15/11/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  
  • إسرائيل بعد ضربتها لأصفهان.. هز مقصود للسفينة الإقليمية أم لعب بالنار؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي