
مع أن إسرائيل لم تتحمل مسؤوليها عن تصفية تامر الكيلاني في نابلس أمس، لا يحتاج المرء لخبرة في الإرهاب ليخمن الفاعل الذي يملك الرغبة والقدرة على إخراج عملية كهذه إلى حيز التنفيذ.
كان الكيلاني قنبلة منظمة. حاولت إسرائيل اعتقاله عدة مرات في الأشهر الأخيرة، بل وطالبت السلطة الفلسطينية بالعمل ضده. الفلسطينيون تخوفوا أو لم ينجحوا، لكن السطر الأخير كان مشابهاً: بقي في الميدان ونال الزخم إلى جانب المجموعة التي عمل في إطارها “عرين الأسود”، التي أصبحت تهديداً ذا مغزى سواء على إسرائيل أم على السلطة الفلسطينية على حد سواء.
تدل تصفية الكيلاني على أمور عدة: الأول، أن إسرائيل قررت تغيير السياسة، بالعمل على تصفية المخربين وليس فقط اعتقالهم. منذ الانتفاضة الثانية عملت إسرائيل فقط على اعتقال المطلوبين، كي تنتزع منهم معلومات في التحقيق وتقف عند حرية العمل الكامل لديها في مناطق السلطة. صحيح أن هذا كلف حياة المقاتلين غير مرة، لكنه ساعد في الحفاظ على الردع ومنع تحويل المناطق الفلسطينية إلى مناطق لجوء للمخربين.
القدرة موجودة كما في الماضي
الثاني، أن إسرائيل معنية بالامتناع عن إيقاع إصابات في أعمالها في “المناطق” [الضفة الغربية]. أولاً وقبل كل شيء، يدور الحديث عن إصابات لقوات الجيش الإسرائيلي، لكن العدد الكبير في الإصابات الفلسطينية – بمن فيهم غير المشاركين – يقلق القيادة السياسية – الأمنية، لأن كل قتيل معناه جنازات وخيام عزاء واحتمال دائم للثأر ومزيد من الاحتكاكات.
الثالث، أن إسرائيل تريد السماح للسلطة الفلسطينية أن تستعيد الحوكمة في منطقة نابلس. بخلاف مخيم اللاجئين جنين، حيث تواصل إسرائيل العمل بكثافة وبعنف مع العلم أن الحوكمة الفلسطينية غير قائمة، فإن نابلس قصة أخرى تماماً: عاصمة السامرة، ومركز اقتصادي ومدني، وإن سقوطه قد يصدح في كل المناطق ويهز استقرار السلطة.
يبدو أن كل هذه (إلى جانب الرغبة في الامتناع عن حملة عسكرية واسعة في أيام الانتخابات) أدت إلى القرار بالعودة إلى الطريق القديم للتصفية المركزية. الإبداعية التي اتخذت في العملية معروفة من الماضي ويتميز بها رجال العمليات في جهاز “الشاباك”. وإن كانت الوسائل القتالية تتغير من حالة إلى أخرى، فخليط الاستخبارات الدقيقة ووسائل القتال المفاجئة الفتاكة والقدرة على الربط بينهما في قلب سكان معادين وتجاه هدف متملص وشكاك، هو دليل على أن القدرة العملياتية العالية قائمة مثلما كانت في الماضي، وهناك حاجة لقرار القيادة السياسية (التي هي وحدها مخولة لإقرار التصفيات) لإخراجها إلى حيز التنفيذ.
دخول بري إلى المنطقة
لا يجب أن يصبح هذا النجاح المنسوب لإسرائيل طريقة العمل الحصرية في المستقبل، فإسرائيل ملزمة بإبقاء سلة واسعة من إمكانيات العمل لنفسها، كي تضمن إنجازاً أقصى. أحياناً يكون من الصواب العمل برياً، وأحياناً محاولة إغراء الهدف للخروج من منطقة راحته بهدف العثور عليه والمس به، وأحياناً تصفيته بطرق أخرى. على الخيار الأخير ألا يتخذ إلا بعد تعذر الخيارين الأولين بحيث يكونان غير قابلين للتطبيق أو أن يكون الخطر الكامن فيهما كبيراً أكثر مما ينبغي.
هذا هو الوضع مثلا في غزة أو في الساحة الشمالية. أما في الضفةـ فإن إسرائيل ملزمة بمواصلة العمل أيضاً بطريقة الدخول البري إلى المنطقة. يمكن الافتراض بأن الكيلاني هو الآخر كانت إسرائيل تفضل اعتقاله والتحقيق معه كي يسلم معلومات عن عمليات نفذها مخربون استخدمهم ووسائل قتالية جمعها، وعمليات مستقبلية خطط لها. كل هذا لن يكون ممكناً انتزاعه منه الآن. بدلاً من ذلك، تحقق ردع بسبب طريقة العمل المفاجئة التي اختيرت والمنسوبة لإسرائيل، ولكن عليها أن تتأكد من أن عنصر المفاجأة – والتفوق الاستخباري العملياتي – سيبقى محفوظاً في المستقبل أيضاً.
بقلم: يوآف ليمور
إسرائيل اليوم 24/10/2022