الحشر المتبادل في الزاوية الأوكرانية
2022-10-22
رفيق خوري
رفيق خوري

قبل عامين كانت شوارع مينسك ومدن بيلاروس تشهد ثورة شعبية احتجاجاً على تزوير الانتخابات لصالح الرئيس ألكسندر لوكاشنكو الحاكم منذ 26 سنة. لوكاشنكو سجن مرشح المعارضة فيكتور تاباريكو لمنعه من الترشح، فترشحت زوجته سفيتلانا تيخانوفسكايا وفازت، فجرى إسقاطها بالتزوير، إذ هربت إلى ليتوانيا. كان رأس لوكاشنكو الذي عمل أيام الاتحاد السوفياتي مدير مزرعة خنازير معلقاً على صفقة بين الغرب وموسكو. لكن الرئيس فلاديمير بوتين المهجوس بأوكرانيا من قبل الهجوم كان خائفاً من "أوكرانيا ثانية" في بيلاروس، فقرر حماية الرجل الذي هو اليوم الحليف ورئيس الدولة الوحيد الداعم لحرب بوتين. لا بل إن لوكاشنكو فتح حدود بلاده للقوات الروسية، ويمهد للمشاركة في الحرب بالادعاء أن أوكرانيا تنوي مهاجمة بيلاروس. وسواء شارك أم لا، فإن الحرب دخلت مرحلة أشد خطورة. وليس أمراً قليل الدلالات أن يقول لوكاشنكو للغرب "لا تحشروا بوتين في زاوية".

قبل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا قال بوتين إن "الولايات المتحدة الأميركية تريد جرنا إلى حرب وعقوبات، وأوكرانيا أداة لجرنا إلى نزاع مسلح وفرض أقسى العقوبات علينا". لكن بوتين الذي لم يتردد في قول هذا الكلام السوريالي، دخل الحرب وأراد حشر الغرب الأميركي والأوروبي في الزاوية الأوكرانية. وفي المقابل، فإن الغرب قام بأكبر عملية تمويل وتسليح لأوكرانيا، إذ حشر بوتين في الزاوية أيضاً. فالجيش الروسي تعرض لخسائر كبيرة بالعديد والعتاد، وخسر جزءاً من الأرض التي احتلها أمام تقدم الجيش الأوكراني حتى في المناطق التي ضمتها روسيا. وجاء تفجير الجسر الرابط بين روسيا وشبه جزيرة القرم ليزيد من إحراج بوتين الذي لجأ إلى القصف من بعيد بمسيرات وصواريخ كروز بعيدة المدى ضربت كييف وعدداً من المدن والمواقع، ثم جرى التركيز على ضرب مواقع الطاقة بمسيرات إيرانية. وكان رد الغرب هو المسارعة إلى الاهتمام بتأمين أجهزة الدفاع الجوي المتطورة ضد الصواريخ والمسيرات. وهذا تطور نوعي في تسليح أوكرانيا، فالصواريخ هي من عناصر التفوق الروسي وأهم المصادر في قوة موسكو، وتحييد هذا التفوق يوجه ضربة شديدة إلى قوة نووية.

لكن موسكو لا تريد التراجع ولا تستطيع التقدم. وكل الوساطات التي جرى عرضها بدت محكومة بالفشل. ولا فائدة من عرض أي وساطة جديدة إذا لم تتحرك الصين للتوسط من أجل إنهاء الحرب، وليس لوقف التصعيد فحسب، فالحرب وصلت بشكل أو بآخر إلى كل مكان في العالم. صندوق النقد الدولي يتحدث عن ضغوط التضخم وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ويرى "انكماشاً اقتصادياً في أميركا والصين ومنطقة اليورو"، محذراً من أن "الأسوأ لم يأت بعد". وعلى من يحاول التوسط أن يطرح على نفسه قبل أن يتحرك سؤالين أساسيين: هل هذه حرب بوتين أم حرب روسيا؟ هل الغرب ضد بوتين أم ضد روسيا؟ بوتين يعتقد أن الغرب يكره روسيا من أيام القياصرة والسوفيات إلى اليوم. وألكسندر دوغين يقول إن "الروس شعب إمبريالي والمطلوب إمبريالية روسية". والغرب مقتنع بأن روسيا كانت إمبريالية قبل بوتين وستبقى كذلك بعده.

واللعبة باتت شديدة التعقيد والصعوبة. فللمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ السوفياتية الحاملة رؤوساً نووية في كوبا عام 1962 يلوح رئيس روسي باستخدام السلاح النووي. وللمرة الأولى يرد "الناتو" بأنه سيدمر الجيش الروسي في أوروبا. فضلاً عن أن أساس المشكلة، كما يقول بوتين، هو توسيع "الناتو" إلى حدود روسيا، خلافاً لوعد قطعه وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر لميخائيل غورباتشوف بألا يتبدل شيء في حدود "الناتو". لكن غورباتشوف كان قد صرح عام 2014 بأن "موضوع توسيع الناتو لم يتم بحثه إطلاقاً ولم يتطرق إليه أحد في تلك السنوات، أقول ذلك بكل مسؤولية". والواقع أن توسيع حدود "الناتو" بدأ أيام بوريس يلستين، وكان انضمام أكبر عدد من الدول السابقة في الاتحاد السوفياتي إلى "الناتو" أيام بوتين.

والعالم يدفع ثمن صراع جيوسياسي، لا علاقة له به، بين طرفين يتحدث كل منهما عن نظام عالمي جديد.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • صراع غير متكافئ على روح لبنان
  • "الربيع العربي".. ما قبل وما بعد    
  • زمن الذكاء الاصطناعي: خطورة وحش آلي





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي