
النبأ الذي يقول بأن الإدارة المدنية تدفع قدماً بخطة ستمكن شرعنة عشرات من بؤر مزارع الرعاة في الضفة الغربية، يكشف مرة أخرى الفجوة الكبيرة بين رؤية معظم الجمهور لمفهوم “الوضع الراهن” أو “استمرار الوضع القائم” وبين ما يحدث فعلياً على الأرض. تصريحات الإدارة الأمريكية عن التزامها بالحفاظ على احتمالية حل الدولتين تتعارض مع خطط حكومات إسرائيل، سواء خطط بنيامين نتنياهو أو خطط حكومة التغيير، التي هي ليست سوى ضم زاحف يقود إسرائيل إلى واقع دولة واحدة مع منظومتين لقوانين غير المساواتية.
كيف يبدو الوضع الراهن على الأرض؟ عمليات الحكومات في العقد الأخير تتناول خمسة مجالات أساسية:
توسيع المستوطنات القائمة. حسب بيانات حركة “السلام الآن” فإن حكومات نتنياهو صادقت بين العامين 2011 – 2020 على مناقصات لبناء 1350 وحدة سكنية بالمتوسط في السنة. وكانت سنوات الذروة في فترة الرئيس دونالد ترامب (أكثر من 3 آلاف وحدة في كل سنة في الأعوام 2017 – 2018). وحطمت حكومة نفتالي بينيت المتوسط السنوي، وصادقت على مناقصات لبناء 1550 وحدة سكنية في سنة توليه الحكم. ليس من نافل القول الإشارة إلى أن معظم المناقصات تمت المصادقة عليها في مستوطنات معزولة وليس في “كتل” قريبة من الخط الأخضر.
خطط البناء. كان تخطيط المتوسط في عقد نتنياهو 5292 وحدة سكنية في السنة في المستوطنات. ووصلت حكومة بينيت إلى 7292 وحدة سكنية. وقد سبق وطلب تدخلاً مباشراً من قبل الإدارة الأمريكية لتأجيل النقاش في الإدارة المدنية بشأن المضي بالبناء في منطقة “إي1” قرب “معاليه أدوميم”. تم التعبير عن البناء على الأرض بعدد السكان. في عقد نتنياهو، ازداد عدد الإسرائيليين في المستوطنات من 325.601 إلى 451.257 مستوطناً (زيادة 38 في المئة). من المهم الإشارة إلى أن جميع حكومات إسرائيل صادقت منذ العام 1967 على توسيع المستوطنات، لأسباب مختلفة وفي نطاقات متغيرة. عملياً، في كل “عملية سياسية” وفي كل تشكيلة، لم تحافظ الحكومات على “الوضع الراهن”، بل عملت على مواصلة السياسة المشجعة لتوسيع المستوطنات القائمة.
البؤر الاستيطانية غير القانونية. وصل عدد البؤر الاستيطانية غير القانونية في عقد حكومة نتنياهو إلى الذروة، 130 بؤرة. وأضيفت ست بؤر أخرى في فترة بينيت. قامت حكومات نتنياهو بتبييض 21 بؤرة استيطانية غير قانونية، وحولت بعضها إلى مستوطنات مستقلة مثل رحاليم وبروخيم، ومعظمها إلى أحياء قانونية في المستوطنات القائمة، حتى لو كانت هذه الأحياء مقامة بعيداً عن المستوطنات الأم.
لم تبق حكومة بينيت متخلفة؛ فقد شرعنت 3 بؤر استيطانية غير قانونية. إذا تمت المصادقة على خطة شرعنة المزارع غير القانونية فإن حكومة لبيد، وربما من سيخلفها، قد تحطم الرقم القياسي في “الشرعنة”، 30 – 40 من البؤر الاستيطانية من بين الـ 70 بؤرة القائمة في الضفة. في تموز، بشرت “القناة 7” بأن وزيرة الداخلية، اييلت شكيد، أعطت توجيهات لوزارة الداخلية للاعتراف بسكان البؤر غير القانونية لغرض احتساب منح التوازن للسلطات المحلية في “يهودا والسامرة”. كل ذلك خلافاً لتوجيهات المستشار القانوني السابق، مني مزوز، الذي منع في العام 2004 تحويل مساعدات مالية حكومية إلى مستوطنة غير قانونية عقب تقارير مراقب الدولة التي ذكر فيها تمويلا حكوميا بعشرات ملايين الشواقل لمراكز في البؤر الاستيطانية.
من المهم أن نذكر بأنه في حين أن نسبة المنح للسلطات المحلية في إسرائيل تبلغ 40 في المئة من ميزانية السلطة المحلية فإنه في منطقة يهودا والسامرة يمكن أن تصل إلى 70 – 80 في المئة من ميزانية السلطة المحلية. وأحياناً، خلافاً للمعايير التي تم تحديدها، يدور الحديث دائماً عن المجالس التي تصوت للأحزاب الدينية المسيحانية. هذه الميزانية التي سرقت من السلطات في إسرائيل تستخدم بصورة معينة لتقديم خدمات للبؤر غير القانونية.
المواصلات. بدأت حكومة نتنياهو في تطبيق “خطة رئيسية للمواصلات” في يهودا والسامرة، تصل إلى ميزانية تبلغ 13 مليار شيكل. شوارع مثل شارع عابر حوارة في “السامرة” وشارع عابر العروب في “يهودا”، التي هدفت بالأساس إلى خدمة جزء صغير جداً من المستوطنين، تكلفة كل شارع منها ملايين الشواقل. المبرر الرسمي لهذه الخطة هو الحاجة إلى تحسين منظومة المواصلات الفلسطينية، إلى جانب الإسرائيلية، لكن التعمق في الخطة يوضح أنه إلى جانب تخفيف العبء الفلسطيني، فالنية هي خلق منظومة شوارع سريعة تربط جميع المستوطنات المعزولة وتشجع على الهجرة إليها. هل هذا هو الوضع الراهن؟ حقيقة لا.
حكومة بينيت لم توقف الخطة، بل صادقت على استمرار جميع المشاريع التي كانت قيد التنفيذ. في الشهر الماضي تم تدشين أربعة مفترقات للطرق في “يهودا والسامرة” في محاور المواصلات التي تقع في مناطق الاستيطان اليهودية. إسرائيل ابريات، وهو ضابط ركن المواصلات في الإدارة المدنية قال في حينه لـ “واي نت” بأنه “في الأشهر الأخيرة نشاهد زخماً كبيراً في استكمال مشاريع المواصلات الكثيرة التي ننفذها بالمشاركة مع وزارة المواصلات في منطقة يهودا والسامرة”.
شبكة المياه. صادقت حكومة نتنياهو على خطتين رئيسيتين لزيادة توفير المياه للضفة بتكلفة ملياري شيكل تقريباً. خطة لـ”يهودا” وأخرى لـ”السامرة”. كان الادعاء الرسمي الحاجة إلى مساواة في توفير المياه للإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة. فعلياً، هذا الأمر يمكن من توسيع المستوطنات والزيادة المستقبلية للمزارع والبؤر الاستيطانية غير القانونية.
هدم بيوت الفلسطينيين في مناطق “ج”. في عقد نتنياهو هدمت إسرائيل في السنة نحو 447 منزلاً بنيت بدون ترخيص من الإدارة المدنية. وهدمت حكومة بينيت 641 منزلاً في سنة حكمها. يجب الذكر بأن حدود مناطق “أ” و”ب” التي صلاحية التخطيط والبناء فيها للفلسطينيين لم تتغير منذ 25 سنة (منذ الاتفاق المرحلي)، وهي الفترة التي تضاعف فيها عدد السكان الفلسطينيين. و52 في المئة من المناطق “ج”، التي معظمها قريبة من البلدات العربية، هي بملكية خاصة فلسطينية، ومعظم البناء غير القانوني فيها كان هناك، أي أن “الوضع الراهن” في الضفة هو وضع غير ثابت كما يظهر، بل هو تقدم ديناميكي، بدون أي تصريح رسمي، لتوسيع الاستيطان اليهودي، وفي الوقت نفسه إبعاد الفلسطينيين.
ما موقف الجمهور الإسرائيلي اليهودي بشأن الوضع الراهن؟ ماذا يعني هذا المفهوم بالنسبة له؟ في الاستطلاعات التي أجريناها في الأعوام 2018 – 2022 وجدنا أن نسبة الدعم لاستمرار الوضع القائم كانت ثابتة ومتدنية، 10 في المئة. ولكن في الاستطلاع الأخير الذي أجري في حزيران 2022 تمت مضاعفة الدعم ووصلت إلى 20 في المئة. هنا يطرح سؤال: ما الذي يميز من يؤيدون مقاربة “الوضع الراهن”، أي استمرار الوضع القائم؟ هل القصد بالنسبة لهم واقع ثابت أم واقع متغير وديناميكي، لكن بشكل غير رسمي؟
يتبين أن من يؤيدون يدركون معنى “استمرار الوضع القائم”. وقد وجدنا أن معظم المؤيدين يعتبرون أنفسهم متدينين وأصحاب مواقف يمين – وسط. كثيرون منهم أيضاً يؤيدون الضم، لكنهم يخافون من تداعيات اقتصادية وأمنية لضم أحادي الجانب. ويعتقدون أن سيطرة إسرائيل على “المناطق” [الضفة الغربية] أمر مهم لأسباب أمنية، لكنهم يعارضون دولة ثنائية القومية ويخشون من الاختلاط مع السكان الفلسطينيين. من يؤيدون الوضع الراهن (أو استمرار الوضع القائم) معنيون بوضع اليد على “المناطق”، بدون تحويل السيطرة عليها إلى سيطرة رسمية وبدون دفع ثمن الضم. بكلمات أبسط، يعكسون بمواقفهم سياسة الضم الزاحف.
يبدو أن حكومات إسرائيل تمثل في السنوات الأخيرة الأقلية (نحو الخُمس فقط) في الجمهور الإسرائيلي، التي على قناعة أنه يمكن ومرغوب فيه أن تكون “مع” وتشعر بـ “لا”، أي تعزيز سيطرة إسرائيل على المناطق قطرة قطرة، بدون حاجة إلى الإعلان عن الضم الرسمي. عملياً، يدور الحديث عن عملية ضم مهمة، التي تمت خلافاً لموقف أغلبية الجمهور الإسرائيلي – اليهودي (62 في المئة في الاستطلاع الأخير) الذي يريد الانفصال عن الفلسطينيين باتفاق أو بعملية أحادية الجانب، ويجر دولة إسرائيل إلى مناطق بعيدة عن حلم الصهيونية في دولة ديمقراطية مع أغلبية يهودية.
بقلم: شاؤول ارئيلي وسيفان هيرش هفلر وجلعاد هيرش بيرغر
هآرتس 9/10/2022