ما الذي كشفت عنه "أحداث نابلس" الأخيرة وكيف عادت لطبيعتها بين ليلة وضحاها؟
2022-09-22
كتابات عبرية
كتابات عبرية

فجر أمس، عندما تم التوصل إلى تفاهمات بين ممثلي الفصائل الفلسطينية في نابلس والأجهزة الأمنية الفلسطينية حول التهدئة في المدينة، بدأت طواقم البلدية في تنظيف الشوارع التي اندلعت فيها المواجهات، بما في ذلك الميدان الرئيسي. مركز المدينة، الذي ظهر مثل ساحة حرب بعد أن أحرق السكان الإطارات فيه ورشقوا الحجارة وخربوا ممتلكات عامة، عاد إلى الروتين اليومي. مع ذلك، ترسخ في أوساط السكان انطباع حول ما يمكن أن يحدث إذا فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على الضفة الغربية.

المواجهات التي حرت في نابلس بين المسلحين والأجهزة الأمنية الفلسطينية اندلعت بسبب اعتقال أحد أعضاء حماس المطلوبين لإسرائيل، على يد الأجهزة. قتل أحد سكان المدينة وأصيب اثنان. ولكن تم توجيه غضب السكان للشباب الذين استغلوا توقف المواجهات لتخريب واجهات المحلات التجارية والبنوك. في بعض الحالات ظهر شباب وهم يخرجون من المحلات التجارية ويحملون اللحوم التي أخذوها منها. “هذا ليس احتجاجاً أو مظاهرة، بل تخريب للأملاك العامة”، قال للصحيفة ناشط مخضرم في أحد الأحزاب الفلسطينية. “من يناضل من أجل الحرية لا يتسبب بهذه الأضرار، لقد وصلنا إلى وضع متناقض. فمن جهة، بدأنا اليوم بالاحتجاج ضد السلطة، ومن جهة أخرى أنهينا هذا اليوم بمطالبة السلطة بفرض النظام هنا”.

إن غضب السكان وصور التخريب والنهب هي التي رجحت الكفة وأعادت نابلس إلى طبيعة الحياة بشكل نسبي. في اللقاء الطارئ الذي جرى في المدينة، الذي تم الاتفاق فيه على التهدئة، توجه المحافظ إبراهيم رمضان، المسؤول أيضاً عن نشاطات قوات أمن السلطة في المدينة، إلى عشرات الشباب الذين تجمعوا في المدينة وهم مسلحون وملثمون، وقال: “أهتم بسلامتكم ولا أكرهكم. بالعكس، دماؤكم فلسطينية، ويحظر سفكها عبثاً. ما شاهدته أمس (الثلاثاء) في المدينة لم أشاهده طوال حياتي. هذا الأمر غير مقبول بأي شكل من الأشكال”.

حسب التفاهمات التي تم التوصل إليها بين الطرفين، لن تعتقل الأجهزة الأمنية الفلسطينية أي مطلوب لإسرائيل في المدينة من الآن فصاعداً، إلا إذا كان مشتبهاً فيه بخرق القانون الفلسطيني. وتم الاتفاق أيضاً على أن المسلحين لن يقوموا باستعراضات قوة في المدينة، وأن تكون نشاطاتهم محدودة في البلدة القديمة. وتم الاتفاق على إجراء اتصالات بين الفصائل وممثلي السلطة في قضية ناشط حماس الذي أثار اعتقاله المواجهات، وهو مصعب اشتية، من كبار المطلوبين لإسرائيل في المنطقة. حسب التفاهمات، سيتم تشكيل لجنة خاصة من الفصائل تتابع وضعه وتعمل على إطلاق سراحه، دون تحديد موعد لإطلاق سراحه. وتم الاتفاق أيضاً على إطلاق سراح سكان المدينة الذين اعتقلوا في المواجهات، باستثناء الذين أضروا بالممتلكات العامة أو استغلوا الفوضى من أجل السرقة. “الشروط التي تم الاتفاق عليها تظهر أن السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية نجحت في فرض النظام في المدينة ووضعت حدوداً أمام المسلحين”، قال مصدر رفيع في السلطة.

إن رفض طلب ممثلي الفصائل إطلاق سراح اشتية، كما أوضح مصدر رفيع في الأجهزة الأمنية، جاء بقرار من أعلى. “تم اعتقال اشتية لأسباب أمنية، ولا يمكن إطلاق سراحه لمجرد أن شخصاً ما قرر الاحتجاج على ذلك”، قال هذا المصدر للصحيفة. “القرار ليس قرار المستوى المحلي في نابلس، بل جاء من المستويات العليا في رام الله”. وأضاف هذا المصدر بأنه “رغم المخاوف في إسرائيل، فإن السلطة الفلسطينية ليست على وشك الانهيار أو فقدان السيطرة، والاضطرابات التي تجري في نابلس ليست إشارة على ذلك. علمت “هآرتس” أنه في تقدير الوضع الذي أجرته قوات الأمن الفلسطينية، بما في ذلك رئيس المخابرات، تم الاتفاق على عدم التنازل عن اعتقال اشتية. وحسب مصادر رفيعة في السلطة، كانت الاضطرابات في نابلس اختباراً لقوتها. ومن أجل النجاح في هذا الاختبار، فقد تقرر إرسال قوات كبيرة إلى المدينة ومحيطها استعداداً لوضع لا يتم فيه تحقيق سيطرة على ما يحدث خلال بضع ساعات.

مازن البندك، وهو من نشطاء فتح في البلدة القديمة، قال إنه رغم مشروعية احتجاج المسلحين، فإن تأمين النظام العام في نابلس ذو أولوية. “كل فلسطيني يعرف أن السلاح الذي يستخدم لمقاومة الاحتلال هو سلاح مشروع. لذلك، فالاحتجاج والتفاهمات بعدم ملاحقة المسلحين هي احتجاجات مبررة”، قال. “مع ذلك، الجمهور الفلسطيني بحاجة إلى الأمان الشخصي والهدوء. فمدينة مثل نابلس لا يمكن أن تكون مضطربة. المدينة أهم من أي مطلوب”.

مصادر رفيعة في حركة فتح رفضت الادعاء بأن المواجهات كانت بين السلطة ونشطاء حماس والجهاد الإسلامي. “لا يوجد لهاتين المنظمتين بنى تحتية للوقوف على رأس احتجاج كبير”، قال مصدر. “لقد ركبوا موجة الاحتجاج وحاولوا خلق الفوضى. كثيرون في المدينة أدركوا ذلك، لا سيما التجار ورجال الأعمال، لذلك، تقرر وقف الاضطرابات على الفور”.

أظهرت الاضطرابات في نابلس أنه ورغم بيان أن تعزيز السلطة مصلحة أمنية إسرائيلية، فان الأمر يتعلق بالأساس بمصلحة الفلسطينيين. فهؤلاء لا يريدون إيجاد أنفسهم في فراغ سلطوي، وهم معنيون بسلطة تقوم بعملها وتهتم بأمنهم الشخصي وشؤونهم المدنية. مصدر رفيع من “فتح” في نابلس، قال إن الاضطرابات أشعلت الضوء الأحمر لدى القيادة في رام الله وأوساط رجال الأعمال الذين يعتبرون الشريحة السكانية التي لها تأثير في الضفة الغربية. “أحد الأسئلة المطروحة هو من الذي سيفرض النظام في الضفة إذا فقدت السيطرة الأمنية، على سبيل المثال إذا لم يقم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بأداء عمله”. تاجر من نابلس قال بأن الاضطرابات في المدينة كانت نظرة مقلقة لما يمكن أن يحدث في الضفة الغربية إذا فقدت السلطة السيطرة على الأرض. “في وضع الفراغ وعدم السيطرة، فسيؤدي هذا إلى ظهور مليشيات لا نعرف من الذي يقف من خلفها وما أجندتها”، قال.

 

بقلم: جاكي خوري

هآرتس 22/9/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • كيف واجه أهالي دوما والمغيّر إرهاب المستوطنين؟  
  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  
  • هل كان اغتيال أبناء هنية بمنزلة حكم إعدام على "المحتجزين" لدى حماس؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي