هل نجحت طهران في منع بلورة منظومة دفاع إقليمي ضدها؟  
2022-07-19
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

تسارع الحديث مؤخراً حول انتظام إقليمي للدفاع أمام صواريخ ومسيرات إيران وامتداداتها، بالأساس حول زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل والسعودية. الموضوع الذي تتم مناقشته منذ أشهر كثيرة في لقاءات سرية كشف أكثر فأكثر. ففي هذا الإطار، عرف عن لقاء فريد من نوعه، الذي جرى في آذار الماضي بين رؤساء أركان من دول عربية (بما في ذلك السعودية) وإسرائيل، في مصر. المتحدث باسم المجلس القومي الأمريكي، جون كربي، أكد قبل زيارة بايدن بأن الإدارة الأمريكية تجري حواراً مع جهات في المنطقة بخصوص تعاون أوثق في مجال الدفاع الجوي من تهديدات إيران. وقال وزير الدفاع بني غانتس إنه أجرى اتصالات كثيرة مع البنتاغون والإدارة الأمريكية بهدف تعزيز التعاون بين إسرائيل ودول في المنطقة. وقال إنها برامج أصبحت عاملة الآن. ومثال ذلك، وفق ما ذكر وزير الدفاع، ما حدث في بداية السنة- اعتراض فوق الأراضي العراقية من قبل قوات أمريكية لطائرات مسيرة إيرانية أطلقت نحو إسرائيل.

قضية الدفاع أمام هجوم جوي من إيران برزت بكامل القوة عقب عشرات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، التي نفذت ضد أهداف عسكرية وبنى تحتية استراتيجية حيوية في المنطقة من قبل إيران وامتداداتها في السنوات الأخيرة. وقع أبرزها في أيلول 2019 ضد مرافق شركة النفط “أرامكو” في السعودية. ونفذ أيضاً في هذه السنة هجوم آخر بواسطة طائرات مسيرة على منشأة نفط في السعودية من قبل الحوثيين في اليمن. هذا إلى جانب هجوم من اليمن ضد مطار أبو ظبي وعشرات الهجمات على مراكز للائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق.

على خلفية هذه التطورات والحوارات بهذا الشأن، ازدادت التهديدات الإيرانية، سواء من جانب جهات عسكرية أو من جهات مقربة من الزعيم الأعلى علي خامنئي. المستشار السياسي، علي أكبر ولايتي، الذي عمل سنوات كثيرة وزيراً للخارجية، وضع معادلة صريحة بقوله “كلما اقتربت دول الخليج من إسرائيل، تبتعد عن إيران”؛ المتحدث باسم الجيش الإيراني حذر الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال توضيح أنها تدرك ثمن استخدام كلمة “قوة” ضد إيران؛ ففي تطرقه لزيارة بايدن، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بأنه ما دام هدف واشنطن الرئيسي تعزيز الأمن والتفوق لـ “الدولة المزعومة” التي تسمى إسرائيل، فلن يحقق شعوب ودول المنطقة الاستقرار والسلام.

كان موضوع تهريب السلاح في البحر وحرية الملاحة على الأجندة في السنة الأخيرة. وأعلنت واشنطن أعلن مؤخراً عن إنشاء قوة المهمات المشتركة 153، التي ستركز على مضيق باب المندب في البحر الأحمر وعلى خليج عُمان وشمال بحر العرب. في البيان المشترك للولايات المتحدة والسعودية في نهاية زيارة بايدن، جاء أيضاً بأن التعاون بين الأسطول السعودي وقوة المهمات 153 سيتركز في إطار هيئة التعاون الإقليمي، الموجودة في قيادة الأسطول الخامس في البحرين.

في هذا السياق، حذر قائد سلاح البحرية في حرس الثورة، مؤخراً، دول الخليج من إقامة علاقات مع إسرائيل، مع التوضيح بأنه إذا فعلت ذلك فهي تضر أمن المنطقة كلها. وفي الوقت نفسه، نشر الجيش الإيراني مؤخراً عن إنشاء وحدة جديدة للطائرات المسيرة في المحيط الهندي. لم يتم تقديم تفاصيل عن عدد السفن في القوة الجديدة، باستثناء القول بأنه سيكون على كل سفينة 50 طائرة مسيرة، بعضها لجمع المعلومات وبعضها للهجوم.

في جزء من ردود إيران، تم التأكيد على أن تعزيز تفوق إسرائيل الأمني قد يكون موجهاً أيضاً ضد جهات عربية وإسلامية، ليست إيران. هكذا تحاول طهران إحراج أنظمة في المنطقة عن طريق التوجه إلى الشعوب في هذه الدول واستغلال أن أجزاء واسعة منها لا ترى بنفس الطريقة التي يرى فيها الزعماء عملية التقارب مع إسرائيل.

انضمام إسرائيل لقيادة المنطقة الوسطى الأمريكية “سنتكوم” في أيلول 2021 كان انعطافة مهمة لربط إسرائيل بالمنطقة بوساطة أمريكية. منذ ذلك الحين، تم تنفيذ عدة مناورات بحرية واسعة النطاق، شاركت فيها إسرائيل أيضاً. والتقى وزير الدفاع بني غانتس، مع قائد الأسطول الخامس أثناء زيارته للبحرين. هذه خطوات مهمة تمهد الطريق أمام استمرار التعاون الإقليمي، لكن يجب التذكر بأن مجال المسؤولية لقيادة المنطقة الوسطى الأمريكية هو الدفاع بالأساس عن جنودها، وضد الإرهاب أيضاً. عناصر الدفاع في “سنتكوم” أصبحت تعمل الآن، والحديث المبالغ فيه حول التعاون مع إسرائيل قد يعرض حرية عمل هذه القوة للخطر.

إضافة إلى ذلك، يجب التشكيك في قدرة ورغبة الطرفين في تأسيس منظومة دفاع مشتركة تربط بين من يقومون بعمليات الاعتراض وبين نقل المعلومات الاستخبارية من الرادارات والأقمار الاصطناعية في الوقت الحقيقي. لذلك، يجب إضافة التغيير في المنظومات: إسرائيل تستخدم منظومات اعتراض مثل القبة الحديدية والصولجان السحري وغيرها، من إنتاج محلي، في حين أن دول في المنطقة تستخدم خليطاً من منظومات أمريكية وروسية وصينية. علاوة على ذلك، دول الخليج توجد تحت تهديد إيراني فوري وملموس، والبنى التحتية للنفط مكشوفة لتهديد إيران، ومسارات الملاحة تتحكم بها إيران، ومن الواضح أنهم لن يخاطروا بتعاون علني مع إسرائيل.

هذه التطورات والتصريحات تعكس تعقيد المنطقة أمام إيران؛ فمن جهة، تسود في دول الخليج رؤية التهديد القادم من إيران وامتداداتها. استعداد إيران لاستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة ثبت أنه فعال ورادع. والتهديدات التي أسمعتها جهات رفيعة إيرانية ضد دول الخليج كانت صريحة وفظة. ومن جهة أخرى، حتى عندما تضرروا، امتنعوا عن الرد واكتفوا بالاحتجاج الذي عبر بالأساس عن الغضب وخيبة الأمل من عدم رد واشنطن. قرار إيران إعطاء الأولوية لتحسين علاقاتها مع جاراتها جاء على أرضية خصبة، وسلسلة لقاءات في مستويات كبيرة جرت بين إيران والإمارات، وكذلك جرت خمس جولات محادثات مع السعودية. تضارب المصالح واضح لكل الأطراف، الذي لن يتغير في القريب، لكن إيران ودول الخليج تفضل التوصل إلى تفاهمات بدلاً من استمرار المواجهات، وحتى تصعيدها.

الرسالة الأساسية التي نقلتها إيران لجاراتها في الخليج كانت واضحة وحادة وشملت تهديداً صريحاً بالرد إذا تبين أن التعاون العسكري مع إسرائيل يتقدم. الضغط العسكري الإيراني، المباشر وغير المباشر، ارتكز أولاً وقبل كل شيء على منظومة صواريخ “كروز” والصواريخ البالستية التي بنتها إيران في العقود الأخيرة وعلى منظومة “برحاف” للطائرات المسيرة. وقد أدت احتمالية تحرك إقليمي مشترك لمواجهة الميزة الرئيسية لإيران على جيرانها، وأيضاً إزاء الاصطفاف الأمريكي في المنطقة، إلى رد طهران بتهديدات شديدة. لذلك، يجب الأخذ في الحسبان أيضاً احتمالية التقدير والمعرفة في إيران بأن هناك خطوات يتم اتخاذها تحت السطح، ستقودها للقيام بتحركات ستوضح جدية نواياها.

في إجمال جولة بايدن للمنطقة: هل تعزز الردع الإسرائيلي أمام إيران أم ضعف؟ هل ساعد سيل الأقوال عن منظومة إقليمية (التي من المشكوك فيه إذا كان لديها من البداية احتمالية عالية للتحقق فيما تظهر الآن بعيدة) على الدفع قدماً بالفكرة أم أضر بها؟ ربما من المرغوب فيه العودة إلى طرق العمل التي تركزت في السابق على تحقيق مصالح أمنية مشتركة لإسرائيل ودول المنطقة من تحت الرادار.

على هامش الأقوال: إن الخطاب في إسرائيل، الذي في إطاره لم تعد القضية الفلسطينية المعروضة كقضية مهمة لدول المنطقة، وعليه لا تعيق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، يعزز “رواية الخيانة” التي تنشرها السلطة الفلسطينية كانتقاد لدول “اتفاقات إبراهيم”. هذه الرواية تتسرب إلى الشعوب في المنطقة، وبالتأكيد، لا تسهم في خلق أجواء تمكن من رفع العلاقات مع إسرائيل فوق الأرض.

 

بقلم: تمير هايمن وسيما شاين

نظرة عليا 19/7/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • لماذا غاب الزعماء العرب الثلاثة عن "شرم الشيخ".. وما مصير "مؤتمر الدول المانحة"؟
  • هل تؤتي ثقافة المافيا التي اتبعتها إدارة ترامب ثمارها في الشرق الأوسط؟
  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟








  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي