"بيتكوين" إلى مصير يطرح أسئلة عن العملات المشفرة
2022-06-19
هاميش ماكراي
هاميش ماكراي

تستمر الأسواق في الهبوط بعد الانهيار الحاد في يوم الاثنين لجميع الأصول التي تنطوي على مخاطر، حدث توقف لحظي لالتقاط الأنفاس، لكن لم تظهر مؤشرات مؤثرة كي تدل على عودة الثقة في الطرف الأكثر عرضة للمخاطر في طيف الأصول، أي العملات المشفرة.

قبل أسبوع، جرى تداول عملة "بيتكوين" بأكثر من 30 ألف دولار، فيما تكافح الآن للبقاء فوق 22 ألف دولار، بعد أن فقدت أكثر من نصف قيمتها هذا العام. كذلك تردى أداء "إثيريوم"، ثاني أكبر عملة مشفرة، ويبدو أنها استقرت عند نحو 1200 دولار، منخفضة بـ68 في المئة منذ بداية العام. لقد بلغ إجمالي القيمة السوقية لجميع العملات المشفرة الآن أقل من تريليون دولار وفقاً لـ"كوين ماركت كاب" CoinMarketCap، أي عند مستواها في يناير 2021. ففي ذروتها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قدرت قيمتها السوقية بأقل من 3 تريليون دولار، ما يعني اختفاء ما يقرب من تريليوني دولار من الثروة في نحو ستة أشهر.

وتثير هذه التجربة سلسلة من الأسئلة. بالنسبة لبعضها، نعرف الإجابة سلفاً. ومثلاً، هل تمثل العملات المشفرة وسيلة تحوط فاعلة ضد التضخم؟ لا. لا، على الإطلاق. فحتى الذهب الذي يعتبر وسيلة التحوط الأكثر شيوعاً على الإطلاق، لم يكن محفظة مثالية للقيمة، إذ انخفض من 1880 دولاراً للأوقية قبل عام إلى نحو 1826 دولاراً يوم الاثنين، وهذا أدنى مستوى له منذ أربعة أسابيع.

يبدو أن ما حدث تمثل في انخفاض الذهب بسبب مزيج من ارتفاع الدولار واضطرار مكتنزيه إلى بيعه لتعويض خسائرهم في الأصول الأخرى. في الأسبوع الماضي وصل بالضبط إلى حيث كان تحديداً قبل عام، لكن إذا كان الذهب وسيلة تحوط غير مثالية، فإن مشهد العملات المشفرة أشد سوءاً.

هناك سؤال آخر يتمثل فيما ما إذا كان انهيار العملة المشفرة قد يزعزع استقرار النظام المالي العالمي. يبدو أن الجواب عن ذلك أيضاً هو لا. لقد تعرضنا إلى حد كبير للانهيار، وحدث ذلك بشكل بائس بالنسبة إلى الأشخاص الذين خسروا أموالهم، لكنه ليس أمراً منهاجياً، بمعنى أن أياً من البنوك الكبرى لم تتأثر. لقد كان معظم المستثمرين في العملات المشفرة أفراداً، لا مؤسسات. وعلـى الرغم من أن بعض الأبحاث التي نشرتها "بلوكووركس" الشهر الماضي أشارت إلى أن المؤسسات بدأت تتحرك في اتجاه العملات المشفرة، إلا أنني أرى أن الانتكاسات التي حدثت منذ ذلك الحين ستجعل بيع العملات المشفرة أصعب للغاية. علاوة على ذلك، فإن سوقها لا تزال صغيرة جداً. وللمقارنة، يشير التقرير إلى أن قيمة الأسهم العالمية وأسواق السندات العالمية تبلغ نحو 125 تريليون دولار، أي أكثر من 100 ضعف حجم سوق العملات المشفرة.

في المقابل، ثمة أسئلة أخرى ما زلنا غير قادرين تماماً على الإجابة عنها بشكل معقول، وعلى رأسها السؤال عن المصير الذي تتجه عملة "بيتكوين" إليه، إذ ذكر سكوت مينرد، كبير مسؤولي الاستثمار في مؤسسة "غوغنهايم" المالية، خلال حديثه مع شبكة "سي أن بي سي" أثناء اجتماع دافوس الشهر الماضي، إنه يتوقع انخفاضها [عملة "بيتكوين"] إلى 8000 دولار. لقد جاء ذلك بمثابة رؤية استشرافية عن تهاوي تلك العملة حينما جرى التداول بها عند 30 ألف دولار. لذا، أرفع له القبعة، لكننا لا نعرف الحقيقة. لقد أورد مينرد أيضاً إن معظم العملات المشفرة "غير مرغوب فيها،" لكن عملتي "بيتكوين" و"إيثريوم" ستصمدان.

هذا تنبؤ شجاع آخر. قد يكون ذلك صحيحاً، لكن تقلقني التكاليف البيئية للتعامل بـ"بيتكوين" على وجه الخصوص. هل من المستدام أن يكون لدينا أصل مالي يستهلك نفس القدر من الطاقة التي يستهلكها بلد كالأرجنتين؟ صحيح أن الذهب يحتاج إلى بعض الطاقة لتعدينه، لكنه لا يحتاج لأي طاقة من أجل تخزينه. من ناحيتها، تحتاج العملات الورقية، الدولار واليورو والجنيه الاسترليني، وما إلى ذلك، إلى القليل من الطاقة نسبياً للتداول بها. في المقابل، يظهر الحساب أن كل معاملة واحدة بـ"بيتكوين" تحتاج إلى أكثر من 2000 كيلوواط/ ساعة من الكهرباء، في حين أن 100 ألف معاملة ببطاقات "فيزا" الائتمانية تتطلب أقل من 150 كيلوواط/ ساعة.

لذا، فإن العملات المشفرة، على الرغم من إمكانية صمودها على المدى الطويل، من المحتمل أن تقضي عليها تكاليف الطاقة المرتفعة، لكن يستحيل معرفة الحقيقة.

ثمة حجة مفادها أن التقنيات الكامنة وراء العملات المشفرة ستكون مفيدة حتى لو لم تكن الاستخدامات الحالية لهذه التقنيات مفيدة. إنها حجة مغرية، يعززها عدم الثقة في العملات الورقية في عالم يتسم بارتفاع معدلات التضخم، لكن إذا نظرت إلى الأسواق هذا الأسبوع، ماذا يريد الناس حينما يكونون خائفين؟ إنها الدولارات. من المتوقع على نطاق واسع أن يرفع "البنك الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي أسعار الفائدة حينما يجتمع يوم الأربعاء، على الرغم من المخاوف من أن هذا قد يدفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود.

وعلى نحو مماثل، من المتوقع أن يرفع "بنك إنجلترا" أسعار الفائدة يوم الخميس. إذاً، لقد بدأت البنوك المركزية في المقاومة، بالتالي تحرك سؤال لدى جميع المستثمرين عن السبب الذي قد يدفع المرء إلى الاحتفاظ بأصول لا تدر عائداً، بينما يمكنه جني الفوائد من السندات، والحصول على الأرباح الموزعة على المستثمرين في الأسهم. يمكنك إيجاد مبرر للاحتفاظ ببعض الذهب كوسيلة تحوط، ولكن لا توجد أسباب كثيرة تدعو للاحتفاظ ببعض العملات المشفرة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ما الذي سيحدث للصين والغرب في المستقبل؟
  • بعد تولي سوناك السلطة كم من الوقت ستحتاج بريطانيا للعودة إلى مسار النمو؟
  • جيريمي هانت رئيس الحكومة البريطانية بحكم الأمر الواقع





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي