جيريمي هانت رئيس الحكومة البريطانية بحكم الأمر الواقع
2022-10-18
هاميش ماكراي
هاميش ماكراي

حين كتابة هذا المقال، كانت بريطانيا لا تزال لديها رئيسة وزراء هي ليز تراس. وكانت تيريز كوفي لا تزال نائبة رئيسة الحكومة، لكن البلاد أصبح لديها أيضاً رئيس جديد للوزراء بحكم الأمر الواقع، هو جيريمي هانت الذي صادف أنه الوزير الجديد للخزانة.

ثمة ما تتعين معرفته في شأن هانت مفاده أنه أشد صلابة وذكاء وأكثر ثراء، مما قد يعتقد البعض. وبمعزل عن الثراء المتخبط لوزير الخزانة الأسبق ريشي سوناك الذي حدث بسبب زواجه [من أكشاتا مورثي، ابنة أحد مؤسسي عملاق تكنولوجيا المعلومات في الهند "إنفوسيس"]، فإن جيريمي هانت هو الأكثر ثراء بين من تولوا هذا المنصب [وزارة المالية] منذ عقود عدة.

لقد جمع هذا السياسي البارز في حزب المحافظين نحو 14 مليون جنيه استرليني (15.68 مليون دولار أميركي) من خلال عمل أنشأه بنفسه في التعليم من بعد، بالتالي فإنه يعرف كيف يكسب المال ويدير الأعمال. وكذلك فإنه ذكي بما يكفي كي يكون أغنى رجل في الهيئة الوزارية المصغرة [كابنيت] Cabinet التي تصنع القرار فعلياً في الحكومة البريطانية، ولن يكون لديه أي عائق فكري أو عقائدي في فهم ما يحدث في الاقتصاد، واتخاذ الإجراءات اللازمة.

يعرف هانت أيضاً كيف تعقد الصفقات، فقد حدثت فجوة زمنية طويلة على نحو مثير للفضول بين إقالة سلفه وزير الخزانة كواسي كوارتينع، والإعلان عن خلفه المفاجئ. إن ذلك يمكن تفسيره إلى حد كبير، بأنه أمضى بعض الوقت في التفاوض على صفقة صعبة مع رئيسة وزرائه الأخيرة.

سيكون لزاماً عليه أن يطلب استقلالية كامله في تعامله مع السياسة الاقتصادية والمالية العامة، وأن يضمن هذه الاستقلالية، ما يعني تالياً التحكم في السياسات المحلية للحكومة البريطانية. وسيكون في موقف لا يقل قوة مثلاً عن غوردون براون وجورج أوزبورن [وزيري خزانة سابقين] تحت قيادة رئيس الوزراء الأسبقين توني بلير وديفيد كاميرون [على التوالي]. إنه يريد تكوين فريقه من المسؤولين والمستشارين والوزراء (على غرار ليس كريس فيلب) ويريد فرض سياساته الخاصة.

باختصار، سيتولى جيريمي هانت قيادة الدفة الحكومية، وستكون ليز تراس رئيسة للوزراء بالاسم وحده Prime Minster by Name Only، أو "برينو" PRINO.

لطالما اعتبر هانت سياسياً قوياً ولاعباً ماهراً. فحينما حاولت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي إزاحته من مهامه في الشأن الصحي [حين كان وزيراً للصحة] في عام 2018، رفض التراجع وبقي رابضاً في مكانه. وبما أن ماي كانت ضعيفة العزيمة، فقد اضطرت إلى تركه وشأنه.

كذلك استطاع دوماً التنقل في متاهات أروقة الدوائر الحكومية في "وايتهول" خلال فترات الإدارات المتعاقبة، وأبقى بشكل أساسي على موقعه السياسي المقرر في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" NHS نحو ستة أعوام، لكن حينما هزمه رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في المنافسة على منصب رئاسة حزب المحافظين في عام 2019، توقع حدوث متاعب، فرفض الانضمام إلى حكومة جونسون. وفي السباق الأخير داخل حزب "المحافظين" على قيادة [الحزب ورئاسة الوزراء]، جاء أداؤه سيئاً، فحل في المرتبة الأخيرة بعد انخراطه في "تعاون كامل" غريب من نوعه، مع إستر ماكفي (وزيرة سابقة). وسارت الرياح بما لا تشتهي سفن هذا النوع من السياسيين المحافظين البراغماتيين والمؤيدين في أوقات سابقة لبقاء المملكة المتحدة في كتلة الاتحاد الأوروبي.

يعتبر هذا التطور، على الرغم من عدم ظهوره على الوجوه المنقبضة للمحافظين، بمثابة خبر ممتاز بالنسبة إليهم [حزب المحافظين] فيما يشكل انتكاسة حقيقية لحزب العمال المعارض.

لقد طوي كل ما حصل قبل ذلك. وتتركز مهمة جيريم هانت الآن على إصلاح الضرر، وإعادة صياغة المالية العامة، والضغط في اتجاه إظهار مقدار من الكفاءة. وإذا  تمكن من إيقاف جزء كبير من الموازنة المصغرة [التي وضعها سلفه كواسي كوارتينغ]، تصبح استعادة الثقة وإصلاح المالية العامة مهمة أسهل بكثير.

ومن خلال وضع توليفة سليمة من الضرائب والإنفاق، وعقد شراكة مع "مكتب مسؤولية الميزانية" و"بنك إنجلترا"، إلى جانب قليل من الحظ، يمكن للحكومة البريطانية أن تضع خلفها سلسلة الرعب الأخيرة التي هيمنت عليها، وأن تمضي قدماً في جهود طويلة وشاقة لاستعادة عافية اقتصاد ما بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وإيصاله إلى مستويات نمو متواضعة.

واستطراداً، لقد أيد هانت في السابق من بقاء المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الأوروبي، بالتالي فإنه يعرف مدى الضرر الذي أحدثته خطوة "بريكست"، وليست لديه في المقابل نية لعكس هذا المسار، لكنه لن يغذي الأوهام المتعلقة بفرص الصفقات التجارية وتحقيق المكاسب للمملكة المتحدة التي علقت على المغادرة البريطانية للكتلة الأوروبية. وسيوضع حداً للترويج الكبير غير المجدي والتفاؤل الأعمى في شأن "عصر اقتصادي جديد"، فلا بد إذاً من إعادة ضبط التوقعات.

قد تكون السنوات القليلة المقبلة مؤلمة بالنسبة إلى البريطانيين، لكن ستكون لديهم على الأقل خريطة طريق، ومسار ما للخروج من المشكلات التي تعانيها الأمة. والحديث عن النمو سيرجئ إلى ما هو أبعد من المنظور. كذلك سيجري التغاضي عن السردية (التي ركزت عليها ليز تراس) في شأن تحقيق نمو اقتصادي سنوي بـ2.5 في المئة.

في المقابل، ستكون الخطة المالية متوسطة الأمد مفتاحاً للنجاح، وستتسم بنهج محافظ وعملي لن يصدم أحداً. إن جيريمي هانت ليس "معطلاً" [معرقلاً لمسار الأمور] ولن يسمح لحفنة من المعتوهين في شارع "تافتون" [شارع قريب من وستمنستر ويعد مركزاً لعدد من مجموعات الضغط ومراكز الفكر ذات الميول اليمينية، بحيث بات اسمه مرادفاً لها] بإجراء تجارب على اقتصاد المملكة المتحدة. ومن خلال خبرته السابقة وزيراً للثقافة، سيستخدم هانت نفوذه لإلغاء خطط القضاء على شبكة "بي بي سي" و"القناة الرابعة".

كذلك سيساعده توليه سابقاً وزارة الصحة، على بلورة طرق تسمح لمزيد من أطباء العالم بالهجرة إلى المملكة المتحدة. وأخيراً، بعد طول انتظار، ينتظر منه تنفيذ خطة تتعلق بموظفي مرافق هيئة "الخدمات الصحية الوطنية".

يعرف جيريمي هانت وليز تراس، أنه إذا استقال، فسيسقطها معه. وباتت رئيسة الوزراء في الواقع أسيرة داخل حكومتها. وفي الوقت المناسب، ومع تحسن الأمور في السنة 2024، يجب أن تتحسن أيضاً تقييمات حزب المحافظين، وفرص تراس في البقاء في السلطة. وفي حين أنه من غير المرجح أن يتمكن الحزب من الفوز في الانتخابات المقبلة، لكن مع هانت المسؤول عن السياسة الداخلية، يمكن لأعضائه على الأقل أن يجرؤوا على الأمل بذلك.

وأخيراً، حري بحزب العمال أن يدرك أن الأيام السهلة المتمثلة في نحر حزب المحافظين نفسه، قد تنقضي قريباً، فقد تبقى تراس ضعيفة للغاية لأنها ليست قادرة على القيام بالمهمة، لكن شروط مجريات السياسة تحولت لمصلحتها. ويمثل جيريمي هانت أفضل خيار لها. فنذير الشؤم قد ولى والمكروه وقع وانقضى.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ما الذي سيحدث للصين والغرب في المستقبل؟
  • بعد تولي سوناك السلطة كم من الوقت ستحتاج بريطانيا للعودة إلى مسار النمو؟
  • ضعف الجنيه الاسترليني أمام الدولار يوقع وزير الخزانة البريطاني في مأزق





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي