لماذا يختار الناس ترك وظائفهم؟ إنه "التقاعد الأعظم"
2022-06-05
هاميش ماكراي
هاميش ماكراي

هل أريد حقاً الاستمرار في القيام بهذا العمل؟ يبدو أنه سؤال طرحه الكثير من الناس على جانبي المحيط الأطلسي على أنفسهم في العامين الماضيين منذ انتشار الجائحة، وبالنسبة إلى عدد كبير منهم، يبدو أن الإجابة هي "كلا". وبالتالي، خرجوا من سوق العمل. فماذا يحدث إذاً؟

إن معدل البطالة في المملكة المتحدة، البالغ 3.7 في المئة، هو الآن الأدنى منذ عام 1947. وللمرة الأولى منذ تسجيل الأرقام، يفوق عدد الوظائف الشاغرة عدد العاطلين من العمل المسجلين. لذلك تُعدّ سوق العمل هذه بالنسبة إلى الجميع تقريباً أضيق سوق عمل وُجدت خلال حياتهم العملية – وهذا يؤثر في أصحاب العمل، الذين يعانون في البحث عن سبل لاجتذاب الموظفين للعمل لديهم.

والحال سيان في أميركا، حيث تبلغ نسبة البطالة 3.6 في المئة، وهي أدنى نسبة منذ أواخر الستينيات، باستثناء الانخفاض إلى 3.5 في المئة المسجل في فبراير (شباط) 2020. وفي أوروبا، يختلف النمط بعض الشيء بالنسبة إلى البطالة التي هي أعلى بكثير، إذ تبلغ نسبتها 6.8 في المئة في منطقة اليورو. لكن وفق المعايير التاريخية، هذا المعدل هو الأدنى منذ بدء العمل باليورو عام 1999، وهو أقل حتى منه في الفترة السابقة مباشرة لانتشار الجائحة. وبناء على ذلك، أصبح الطلب على العمالة في كل مكان تقريباً هائلاً، لكن من الواضح أن عدد الناس القادرين على شغل الوظائف لا يكفي. لماذا؟

لا بد من أن جزءاً من المشكلة يتمثل في تعطل سوق العمل الذي تسببه الجائحة. فالوظائف المستحدثة تختلف عن الوظائف القديمة التي ولّت. وفي أبسط صورها، حلّت محل الوظائف في متاجر البيع بالتجزئة وظائف في مجال توصيل البضائع. فإذا كانت يوماً بائعاً في متجر، لن ترغب على الأرجح العمل في مخزن أو قيادة شاحنة لتسليم البضائع. لكنني أعتقد بأن أمراً آخر يحدث أيضاً.

بالنسبة إلى كثيرين منا، وليس جميعنا بطبيعة الحال، أدت تجربة الإغلاق والقيود كلها التي فُرضت علينا، إلى إعادة النظر في أولوياتنا. كانت هناك معارضة موثقة جيداً ضد الحملة الهادفة إلى إعادة الناس إلى المكاتب، كما ذكرت زميلتي هانا فيرن هنا الشهر الماضي.

لكن المسألة لا تتعلق برغبة الناس بالحصول على ظروف عمل أكثر مرونة فحسب، فكل الوظائف لا تتمتع بترف إمكانية إنجازها من المنزل. فعلى سبيل المثال، لا يمكنكم قيادة حافلة أو العمل في غرفة مستشفى مخصصة لمرضى عدة وأنتم في المنزل. أما ما يحدث الآن، فهو أن عدداً من الناس انقطعوا عن العمل تماماً.

هذا يظهر في الإحصاءات. لا يزال معدل العمالة في المملكة المتحدة، الذي يبلغ 75.7 في المئة من السكان البالغين سن العمل (المحدد بين 16 و64 سنة)، أقل بنقطة مئوية واحدة تقريباً عما كان عليه قبل انتشار الجائحة. وقد لا يبدو هذا كثيراً، لكنه يعني أن 300 ألف شخص خرجوا من سوق العمل. وباتت ساعات العمل أقل أيضاً.

في الولايات المتحدة، يحسبون المستويات في شكل مختلف قليلاً عما تُحسب في المملكة المتحدة، لكن الرسالة واحدة. لا يزال معدل العمالة في الولايات المتحدة البالغ 60 في المئة أقل من نسبة الـ61.6 في المئة التي كان عليها عند انتشار الجائحة. وصحيح أن الأمور تختلف في أوروبا، حيث يبلغ معدل العمالة الإجمالي 73.1 في المئة، وهو أعلى قليلاً منه قبل انتشار الجائحة، لكن نظراً إلى ارتفاع مستويات البطالة عموماً، ربما يعكس ذلك تحسن فرص العمل بدلاً من تغير في [سلم] التفضيلات.

إذا تعمقتم في إحصاءات المملكة المتحدة، تشمل أكبر مجموعة من الأشخاص الذين يخرجون من سوق العمل أفراداً تتراوح أعمارهم بين 50 و64 سنة. وليس الشباب هم الذين يقررون أخذ عام إضافي من الانقطاع عن العمل أو أي مدة أخرى. لقد خسر عدد كبير من الشباب وظائفهم عندما انتشرت الجائحة، لكنهم عادوا إلى العمل حالما سنحت لهم الفرصة – لذلك لا تقولوا شيئاً من فضلكم عن البالغين العشرينيات من العمر الذين يتجنبون العمل. فاللغز هو لماذا قرر هؤلاء العاملين الأكبر سناً أن يتوقفوا عن العمل؟

حسناً، لدينا بعض الإجابات عن هذه الظاهرة، التي يُطلق عليها اسم "التقاعد الأعظم"، على النقيض من مغادرة الشباب وظائفهم، التي تُسمّى بـ"الاستقالة العظمى". وتشمل هذه الإجابات معاملة أصحاب العمل الموظفين بتحيّز وفق العمر وصعوبة تدريب الأكبر سناً على استخدام تكنولوجيات التواصل الجديدة.

لكن الإجابة البسيطة تأتي من أعمال أجراها مكتب الإحصاءات الوطنية قبل بضعة أسابيع، وتشير إلى أن الجميع تقريباً من الناس الذين تقاعدوا في وقت مبكر فعلوا ذلك لأنهم كانوا راغبين بذلك. قال ثلاثة أرباع هؤلاء إنهم تركوا عملهم باختيارهم، وذكر ستة في المئة منهم فقط أنهم يتقاعدون لأنهم فقدوا وظائفهم، مشيرين إلى أن ذلك كان غير طوعي.

لكن لماذا يختار الناس هذا؟ هنا أعتقد بأن الإجابة واضحة جداً: هم يستطيعون ذلك. لأسباب من أهمها ارتفاع أسعار العقارات، أصبح بوسع عدد من الأكبر سناً أن يتقاعدوا في وقت أبكر مما كانوا يخططون له من قبل. وسواء كان اختيار الناس الأصحاء التقاعد في وقت مبكر جيداً أو سيئاً للمجتمع عبارة عن سؤال مشحون. لكن فلنكن واضحين في شأن ثلاثة أمور.

أولاً، سيضطر أصحاب العمل جميعاً إلى السعي بقدر أعظم من الجدية لجعل الوظائف مُرضية أكثر. ثانياً، الفرصة متاحة لهم هنا لإغراء الأكبر سناً بالعودة إلى العمل. ثالثاً، لا تلوموا الشباب لأنهم لا يقبلون الوظائف المعروضة. فالنقص في العمالة ليس خطأهم.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • ما الذي سيحدث للصين والغرب في المستقبل؟
  • بعد تولي سوناك السلطة كم من الوقت ستحتاج بريطانيا للعودة إلى مسار النمو؟
  • جيريمي هانت رئيس الحكومة البريطانية بحكم الأمر الواقع





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي