النزعات العنصرية فى «الميديا» الغربية
2022-03-14
ياسر عبد العزيز
ياسر عبد العزيز

لطالما ظل الأنموذج الإعلامى الغربى مصدرًا للإلهام للكثيرين في بلادنا، سواء في ما يتعلق بقدر الحريات التي يتمتع بها، أو بتطوره المهنى الاحترافى، أو بالآليات المتوازنة التي تحكم عمله؛ فتُبقى له قدرًا من الحرية والانفتاح كبيرًا، وترسى قواعد واضحة لتنظيمه، وتحفظ حقوق الآخرين من تعدياته في آن واحد.

ومع ذلك، فإن المنظومة الإعلامية الغربية كثيرًا ما تورطت في مشكلات كبيرة، وارتكبت أخطاء صارخة، وأظهرت ميولًا مناوئة تمامًا لما استقرت عليه الأدبيات الغربية في التنظير للممارسة الإعلامية وتنظيم أدائها وتقويم انفلاتاتها.

وفى هذا الإطار تحديدًا برزت مشكلة الميول العنصرية، التي تعكس تأثرًا بهذه التوجهات التي تتزايد للأسف في بعض المجتمعات الغربية، وتشير إلى أن هذا التأثر استطاع للأسف النفاذ إلى عديد المعالجات الإعلامية في وسائل إعلام غربية مرموقة.

ونحن نذكر على سبيل المثال المشكلة التي وقعت في عام 2019، والتى أدت إلى طرد المذيع دانى بيكر من عمله في «بى بى سى»، لأنه تهكم على الأصول العرقية للأميرة ماركل ونجلها.

كما نتذكر المصورة الصحافية المجرية بيترا لازلو التي كانت تنقل وقائع إلقاء الشرطة القبض على بعض اللاجئين السوريين، الذين حاولوا دخول البلاد بطريقة غير مشروعة في عام 2015، وحين لاحظت أن لاجئًا سوريًا ونجله الطفل استطاعا الفرار من أيدى رجال الشرطة، ما كان منها إلا أن قامت بعرقلته، ليسقط الرجل فوق طفله، ويتم إلقاء القبض عليه. وبسبب هذا السلوك الحاد، تمت إحالتها إلى المحاكمة، التي وإن قضت ببراءتها، فإنها أدانت سلوكها، واعتبرته «غير صحيح أخلاقيًا وغير مشروع».

وفى السياق نفسه، يمكننا الإشارة إلى واقعة الناقد الرياضى الإيطالى لوشيانو باسيرانى الذي تم طرده من العمل في إحدى القنوات الرياضية في بلاده، في عام 2019، بعدما أدلى بتعليقات عنصرية مهينة خلال تعليقه على أداء اللاعب البلجيكى الأسمر روميلو لوكاكو، مهاجم إنترميلان.

تلك كلها وقائع تشير إلى وجود الميول العنصرية في الممارسة الإعلامية الغربية، وتوضح أيضًا أن النظم الإعلامية والقضائية هناك لا تتسامح عادة معها، وتتخذ بحقها إجراءات متباينة، تعكس في الغالب رفضًا لها وحرصًا على مواجهتها.

لكن قطاعًا من التغطيات الإعلامية الغربية للحرب الروسية- الأوكرانية التي تجرى وقائعها الدامية راهنًا يُظهر ميلًا عنصريًا واضحًا ومطردًا، وهو أمر يتضح في تغطيات لوسائل إعلام كبرى ومرموقة من أستراليا شرقًا إلى الولايات المتحدة غربًا.

وقد بات المواطن العادى في منطقتنا على سبيل المثال يعرف الكثير من الزلات والأخطاء الكبيرة التي وقع فيها إعلاميون غربيون وحملت إساءات عنصرية لبلداننا ومواطنينا، بل يتداولها مع آخرين عبر وسائط «التواصل الاجتماعى» كدليل على تلك النزعة العنصرية المتجذرة لدى بعض الغربيين، والتى تظهر في وسائل إعلام لطالما تباهت بأدائها الاحترافى وخضوعها للمعايير واحتفائها بالقيم.

ترتكز معظم هذه المقاربات الإعلامية الغربية العنصرية على فكرة متكررة؛ مفادها: «إن هؤلاء الأوكرانيين يشبهوننا تمامًا.. وهم ليسوا من الشرق الأوسط، ولم يأتوا إلينا من أفغانستان أو سوريا أو العراق، فكيف يحدث لهم ذلك؟».

لقد تم تسليط الضوء على هذه النزعة العنصرية البغيضة المتزايدة من قبل وسائل إعلام أخرى أو نُقاد أو منظمات مجتمع مدنى، كما اعتذر عدد من وسائل الإعلام التي تورط بعض العاملين فيها في هذا الخطأ، لكن تلك الانتقادات والاعتذارات لم تكن كافية لمسح الإهانة أو التغاضى عن هذه المخالفات التي ترقى إلى حد الجرائم.

والشاهد أن مختلف وسائل الإعلام في العالم يمكن أن تقع في الأخطاء، وأننا لسنا في وضع يمكننا من إعطاء النصح والدروس للآخرين حين نتحدث عن معايير الإعلام وقيمه، لكن مع ذلك لا يبدو من المُستساغ أن تكون في موضع الإلهام ثم تتورط إلى هذا الحد في تلك المخالفات العنصرية البغيضة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – المصري اليوم-



مقالات أخرى للكاتب

  • «السوشيال ميديا» قد تقودنا إلى الحضيض
  • الناتو الشرق أوسطى.. وخلل التوازن
  • علامَ تعتمد لمعرفة ما يجري في أوكرانيا؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي