الأحداث والكوارث التي تعصف بالدول والمجتمعات، هي محطات اختبار تتعلم منها الشعوب دروسا بليغة في الصبر والتحمل والمواجهة، وهي تحدث عند القوى الوطنية الشابة في الاوساط الثقافية والسياسية والعسكرية ردود فعل مقاومة للعبث والفوضى بطرق واشكال مختلفة..
الاحساس بالحاجة للمراجعة يكون عادة هو ردة الفعل الأولى للوجع الوطني، والتأثر بالأحداث التي مر ويمر بها المجتمع هو شعور يساعد بالضرورة على تشكل وعي جديد، ويخلق نخبا جديدة تفكر بطريقة مختلفة عن النخب التي تسببت في الدفع بالبلاد إلى الحرب، واوصلت الوطن إلى حافة الانهيار والسقوط .
النخب البالية تجدد نفسها:
مررنا في اليمن وبلدان "الشتاء" العربي بأحداث التغيير 2011، التي تجاوزتها مصر وتونس، واستقر نزيفها في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، وهو الامر الذي لم يكن مصادفة وإنما جاء بفعل تآمر كبير ومخطط مدروس مر عبر ادوات وقوى الفساد في الداخل الوطني ..
كيف؟!
لن انساق الى فكرة المؤامرة الخارجية - وان كانت محركا مهما في اللعبة - لكني أميل أولا الى فكرة الاستعداد الداخلي للارتهان والبيع والشراء المتوارث كما في حالتنا اليمنية، ولن اذهب بعيدا، فالكل هرول للارتماء في احضان دول الاقليم، أملا في الانتصار على الخصم الداخلي، فكان الرهان (القديم - الجديد) على إيران، والسعودية والامارات، وقطر، وحزب الله، واخيرا التفكير في تركيا، مع ان بعضها دول وجماعات لم تتمكن من حماية نفسها والانتصار لقضاياها الداخلية..
والمهم، رغبة الشباب غير المؤدلج في التغيير الى الأفضل اجهضت في مهدها، والتف عليها عتاولة الاستبداد والفساد التاريخيين (قوى حزبية وقبلية عتيقة متخلفة، وجماعات دينية بائسة ومتطرفة، وساسة وقوى فساد عتيدة)، وقتلوا الفكرة يوم ولادتها، وطردوا الشباب، وركبوا على دمائهم..
سؤال ناومكين:
وهنا، اتذكر سؤلا لصديقي الاكاديمي الروسي المستشرق الشهير (فيتالي ناومكين) كان وجهه في مؤتمر صحفي عقد في موسكو (اكتوبر 2011) لممثلي ثورة "الشباب" ياسين نعمان (اشتراكي- 75 عاما)، عبد الوهاب الانسي (اصلاح- 77 عاما) محمد باسندوة (رئيس حكومة لاحقا-85 عاما) قال في سؤاله:
كشف السؤال عن حجم الكارثة، وكان بالتالي محرجا للنخب القديمة وجميع قطاع الطرق ومشايخ وثوار "الفيد"، الذين ركبوا الموجة وطوعوا حركة التغيير لمصالحهم، وعبروا على ظهور الشباب وتسلموا السلطة، لكنهم فشلوا في الحفاظ عليها لعدد من الاسباب أهمها:
3 . مارسوا تجريفا مخيفا في الوظيفة العامة، ومارسوا الإحلال الحزبي على حساب الكفاءات الوطنية..
ومذ ذاك والنخب العتيقة البالية المجربة (سلطة ومعارضة) تجدد نفسها، ولم تسمح للشباب ان يلعب دوره ويلتقط فرصته، ولم يتغير في الأمر شيء.. بل سرنا - ولا نزال- بخطى مسرعة ومخيفة الى الأسوأ والاخطر..
ذلك يعني أن الاحداث الكبيرة والعاصفة - اية أحداث- تفرز بالضرورة نخبا جديدة من الشباب الوطني القادر على حمل الرسالة لحماية وإنقاذ ما تبقى من مجتمع ودولة .. ولكنها لم تظهر بعد.. فعلى من يكون الرهان إذا..؟!!
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس