تحالف «أوبك بلس» لن يموت
2021-07-09
 وائل مهدي
وائل مهدي

عندما بدأت أهتمّ بالنفط قبل سنوات طويلة، كانت هناك نظرية اسمها ذروة النفط، مفادها أن عصر النفط سيدخل في بداية النهاية مع وصول منتجين كبار مثل السعودية إلى ذروة إنتاجهم في منتصف العقد الماضي.
وكنت من الأشخاص الذين ينتظرون تأكيد هذه النظرية لما لذلك من أهمية على حياتنا ومستقبل البشرية على الأرض، إذ لا يمكن تصور تطور الاقتصاد العالمي من دون النفط، على الأقل في المستقبل القريب. ولكن السنوات مرت واكتشفنا العكس، وأن الطلب على النفط في زيادة وأن الإنتاج العالمي لم يصل للذروة بعد، خصوصاً بعد دخول الولايات المتحدة في ثورة النفط الصخري والتي أسهمت في رفع إنتاجها لمستويات تاريخية جعلتها تتفوق على السعودية وروسيا للمرة الأولى منذ عقود، بل أصبحت الولايات المتحدة بلداً مصدّراً للنفط والمشتقات النفطية.
نفس الأمر ذاته أراه وأسمعه عند كل خلاف ينتج في أحد اجتماعات «أوبك» تقريباً حيث يتم التنبؤ بموت منظمة «أوبك» أو التحالف الذي عقدته باسم تحالف «أوبك بلس» مع كبار المنتجين خارجها بقيادة روسيا. وفي كل مرة تخرج «أوبك» وتحالف «أوبك بلس» أقوياء رغم كل حدة الخلافات، مما جعلني أقتنع أكثر بأن تحالف «أوبك بلس» لن ينتهي، وأن التحالف قد يستمر لفترة أطول من المتوقع.
لقد نشأ هذا التحالف في 2016 عندما أجبرت ظروف السوق الصعبة حينها روسيا وباقي المنتجين على التعاون مع «أوبك» لإعادة استقرار السوق، لأن سوق النفط من الناحية العملية لا تستطيع العمل بشكل صحيح من دون قيادة. ولأن القيادة الفعلية تتعلق بحجم إنتاج كل دولة وتأثيرها، كان من الطبيعي أن تقود السعودية وروسيا هذا التحالف. ومن المفارقات أن روسيا وشركاتها النفطية كانت تشكك بصورة مستمرة في فاعلية التعاون مع «أوبك»، ورفضت روسيا التعاون مع «أوبك» في مرات كثيرة سابقة رغم كل الدعوات التي وجهتها «أوبك» لها لفعل شيء في كل مرة يختلّ توازن السوق.
لكنّ روسيا لم يعد بإمكانها تجنب «أوبك»، لأن الولايات المتحدة أصبحت مؤثرة جداً في السوق بفضل النفط الصخري، وليس بإمكان روسيا مواجهة هذا التطور من دون «أوبك». وساعد في هذا التقارب السياسي السعودي - الروسي، إذ أصبحت الزيارات الرسمية والتجارية بين البلدين أمراً ثابتاً في السنوات التي تلت نشوء التحالف، وانفتحت شهية «أرامكو السعودية» على الاستثمار في روسيا وانفتحت شهية الصناديق السيادية الروسية للبحث عن استثمارات في السعودية.
في البداية كانت نظرة روسيا قصيرة الأمد من هذا التحالف، حيث كان الهدف الأساسي منه هو خفض المخزونات النفطية في الدول الصناعية إلى مستوى متوسط السنوات الخمس، ولكن مع الوقت وبعد تحقيق هذا الهدف اكتشف الجميع أن هذا التحالف عامل مهم في استقرار السوق، واستمر لفترة أطول. ومر هذا التحالف بتحديات كثيرة كان أشدها هو الخلاف بين السعودية وروسيا العام الماضي في بداية أزمة «كورونا» عندما أرادت روسيا أن تغرّد خارج السرب وتزيد إنتاجها كيفما تشاء وتتخارج من الاتفاق بصورة سهلة إثر ذلك. لكن ردة فعل السعودية أعطت ثقلاً كبيراً لهذا التحالف، إذ أثبتت السعودية بالبراميل وبالناقلات النفطية وبالتخفيضات على أسعار البيع أنها قادرة على إغراق السوق بالنفط، وأخذ حصة كبيرة من أي دولة تنافسها في السوق. وأصبح الجميع يرى أن تحالف «أوبك بلس» والاتفاقات الناشئة عنه أكثر استقراراً وقوة من منظمة «أوبك» وحدها، لأن التحالف يضم قوى عظمى ودولاً عديدة حليفة للولايات المتحدة والغرب مثل المكسيك ودول الخليج العربي.
والأن عند نشوء خلاف فني وتقني بين الإمارات وتحالف «أوبك بلس»، وهو خلاف أراه عادياً ويدخل ضمن الحقوق السيادية للدول للبحث عن أفضل الصفقات لمصالحها، يعود الجميع للتنبؤ بفشل التحالف كما كانوا يقولون عن «أوبك» في سنوات مضت. في الحقيقة هذا الخلاف سينتهي مثل ما انتهى غيره في السابق لأن التحالف مبنيٌّ على أساس قويّ وهو الحفاظ على استقرار سوق النفط، الأهم لكل الدول. وكما قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان: «شيء من العقلانية وشيء من التنازل» هو كل ما يحتاج إليه التحالف حتى يتم تمديد اتفاق خفض الإنتاج لما بعد أبريل (نيسان) 2022. وحتى أكون صريحاً مع الجميع، لم أكن أتوقع أن التحالف سيستمر حتى 2022. والآن أصبحت أتوقع أن هذا التحالف سيستمر لفترة أطول ولن يموت بسهولة كما يظن البعض لأن القادم في سوق النفط لن يكون أسهل مما مضى.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • استقرار سوق النفط يحتاج لروسيا والصين
  • الصين بين ((أوبك)) ووكالة الطاقة الدولية
  • شخصنة قرار «أوبك بلس»





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي