متى يظهر الضوء في آخر النفق اللبناني؟
2021-03-14
غادة السمان
غادة السمان

لم أتلق بعد لقاحاً لمرض (كورونا 19) لأسافر بلا حَجْرٍ صحي. ولذا، وعلى غير عادتي، لم أزر لبنان منذ عام ونيف، لكنني أتابع أخباره كما تلاحق العاشقة أخبار الحبيب.. ويا لها من أخبار ليس فيها ما يشرح القلب أو يوحي بالطمأنينة!

لبنان معطل بأكمله… فلماذا الثلث المعطل؟

لست كاتبة سياسية، وليس المرء في حاجة إلى أن (يفهم) في السياسة ليدرك أن فقدان بعض الأدوية في لبنان وبيعها في السوق السوداء ظاهرة تضاف إلى مآسيه منذ قبل الانفجار المروع في المرفأ وإلى ما بعده.. وجاء مرض كورونا ـ كوفيد 19 ليعطل ما لم يكن معطلاً. وباختصار، سقط اللبناني في هوة الفقر، ولكن ثمة من لا يبالي حقاً بذلك، بعدما اغتنى وصارت أمواله في بنوك سويسرا.

وحتى الطبقة المتوسطة في لبنان صارت تعاني من الفقر، لي صديقة لديها مبلغ من المال في بنك لبناني، لكن نقودها وسواها مجمدة وتحصل على بعضها شهرياً (بالقطارة) أي أنه صار عليها أن تتسول مالها الذي جمعته بالتعب ليوم الشدة.. أما الليرة اللبنانية فهي تفقد أيام عزها، وتتدهور يوماً بعد آخر.

والوزارة الجديدة لم تتشكل حتى لحظة كتابة هذه السطور؛ لخلافات منها حكاية «الثلث المعطل» ولأنني روائية ولست كاتبة سياسية، لا أعرف بالضبط ما حكاية الثلث المعطل، لكنني أضحك بحزن ساخر من هذا التعبير، فلبنان بأكمله معطل وفي حاجة إلى علاج بدلاً من (النق) حول ثلث أو نصف أو ربع معطل.. والحياة اللبنانية بأكملها معطلة!

ولكنني أفتقد لبنان، وسأطير إليه بعد أن أتلقى اللقاح ضد كورونا، فما يحدث في لبنان يكفي لقتلنا حزناً بوباء لا مبالاة البعض بالعواطف.

نفق مظلم بلا نهاية كالكوابيس

يعيش لبنان هذه الأيام في نفق مظلم، ولحظات الضوء صارت قليلة، والنفق يزداد ظلمة، لكنني ما زلت أحلم بأن أرى الضوء في آخر النفق.

معذرة أيها الزمان.. فلبنان اليوم يختنق والتفاصيل تطول.

لكنني مصرة على أن أظل أحلم بمشاهدة الضوء في آخر النفق ومغادرة لبنان لذلك النفق المروع الذي يزداد ضيقاً يوماً بعد آخر ويخنق الشعب اللبناني.

ترى هل سأرى ذات يوم الضوء في آخر النفق؟

ثورة البدناء على ديكتاتورية النحول!

صدر كتاب بالفرنسية لسيدة بدينة عن «منشورات لودوك» بعنوان: «فخورة بأن أكون نفسي» تأليف غاييل برودونسيو، وتتجسد فيه ثورة البدينات على (ديكتاتورية النحول) على طريقة أجساد عارضات الأزياء النحيلات.

ولعل أول من تجرأ على دعم البدينات وإظهار جمالهن الخاص مطرب لبناني الأصل اسمه الفنيّ «ميكا» وله صوت جميل مختلف في (كليب) مصور أذيع مرات في التلفزيون الفرنسي حيث يغني وخلفه كورسه: مجموعة من النساء البدينات الجميلات، على العكس من المغني الراحل كلود فرنسوا الذي كان يغني محاطاً بنحيلات راقصات يدعوهن «ليه كلوديت». و«ميكا» اللبناني الأصل من مشاهير مطربي فرنسا، وغنى ليلة رأس السنة في الأوبرا الملكية في قصر فرساي، ونجح ميكا في كورسه النسائي من البدينات، إذ يبدو أن أهل البدانة تعبوا من تحمل السخرية منهم (منهن) وكل إنسان حر بجسده، كما تقول مؤلفة الكتاب غاييل برودونسيو، مضيفة أنه ليس من الضرورة أن نفقد الوزن لنتصالح مع أنفسنا، ولأنني معتدلة الوزن أستطيع أن أكون محايدة.. ولي صديقات كثيرات بدينات لا تهمني حكاية بدانتهن أو نحول سواهن، بل ما يهمني صفاتهن الإنسانية.. وصحتهن.

بين البدانة والصحة العامة

كما ذكرت، لست ضد البدانة كشكل خارجي، فأنا أحب الأصدقاء والصديقات دون أن أطلب منهن الوقوف على الميزان لأعرف وزنهن ولست معنية بذلك. ما يهمني أولاً صحتهن/صحتهم، ولعلي أميل إلى رفض زيادة الوزن لأن ذلك فيما يبدو يؤذي الصحة ويسبب ضغط الدم و يقلل ضغط القلب له ويقصر من الأعمار.. ولا أريد أن أفقد بعض صديقاتي العزيزات بسبب شراهتهن!

مطعم الريجيم الخاص بالنحول

عارضات الأزياء كلهن نحيلات، كأنهن يحددن الوزن المطلوب للجمال، وبالنسبة لي فالقضية فقط «العافية» ومنذ أعوام افتتح في باريس مطعم خاص بالنحول لا يقدم إلا الأطباق التي لا يمكن أن تزيد في وزن الزبون (وبأسعار مرتفعة) بل وتساعد على إنقاص الوزن.

وهكذا دعوت إليه إحدى صديقاتي الحبيبات البدينات حينما زارت باريس، وأعلنت سرورها لوجود مطعم كهذا، وبعد أن التهمنا العشاء وغادرنا المطعم ضبطتها بالجرم المشهود تشتري «سندويش هامبرغر» والطريف أنني كنت ذاهبة إلى ذلك البائع لشراء الشيء ذاته والتهامه! وهكذا فإنقاص الوزن والمحافظة عليه قضية لا تخلو من الطرافة الطفولية، ولكنها تظل في نظري قضية ليست جمالية بل صحية.. فزيادة الوزن تؤذي الصحة.. وقالت لي صديقتي اللبنانية البدينة إنها تفضل أن تعيش أعواماً أقل وتستمتع بطعامها.. كما تشتهي. وتذكرت زوجي الحبيب الراحل الذي كان مدمناً على التدخين، وقال له الطبيب: إذا لم تتوقف عن التدخين ستعيش عشر سنوات أقل.. وهكذا كان.

وبالتالي، لا موعظة لدي.. وكل إنسان يختار أسلوب حياته وموته. من طرفي، لست مدخنة ولا بدينة.. لكنني أتفهم مشاعر البدينات اللواتي سئمن من المحاضرات حول ضرورة خسارة بعض الوزن، وضرورة التوقف عن التدخين، وكل إنسان يختار أسلوب موته ومرضه!

 

  • كاتبة وأديبة سورية

*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي