بايدن والروح الأميركية المتشظية
2020-12-19
إميل أمين
إميل أمين

في غالبية إن لم يكن كل الخطابات التي وجهها الرئيس المنتخب جوزيف بايدن، إلى مريديه من الديمقراطيين، وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، نجده يتوقف طويلا عند فكرة واحدة، وهي أنه سيكون رئيسا لكل الأميركيين، وهنا فإن علامة الاستفهام الحيوية، بل الجوهرية: "هل بايدن قادر على جمع الشمل الأميركي الذي تفرق في العقود الأخيرة، وبان ذلك جليا في الصيف الماضي بنحو خاص؟".

بداية يمكن القطع بأن معركة الديمقراطيين في الداخل لم تكتمل بفوز مبين، فلا تزال نتيجة مجلس الشيوخ مؤجلة إلى يناير كانون الثاني المقبل، وهذا يعني أنه لو فاز الجمهوريون بأغلبية من جديد، فإن غالبية خطط الديمقراطيين ستلاقي رفضا وعرقلة كبيرين، ولن يكون من الممكن لبايدن قيادة عجلة البلاد من غير التشظي الحادث في الروح الأميركية من جديد.

يدخل بايدن البيت الأبيض ومن خلفه قضايا تثير الجدل، تبدأ من عند حالته الصحية، وقدرته على متابعة الملفات الصعبة والمعقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيما تبدو إشكاليات ابنه "هنتر"، كالسيف المعلق على رقبته، لا سيما إذا أثبتت التحقيقات أنه تورط بصورة أو بأخرى في علاقات ابنه مع الشركات الصينية، وهو الأمر الذي لن يوفره الحزب الجمهوري من التدقيق والمساءلة، ولن يرحمه الإعلام الموالي لترمب من التحقيق المكثف، ما يمكن أن يترك أثرا واضحا على مصداقية وموثوقية بايدن في أيامه الأولى وبقية ولايته ذلك إن قدر له أن يكملها بالفعل.

أول وأهول تحدٍّ سيواجه بايدن، هو الفيروس الذي فعل فعله ولا يزال في صفوف الأميركيين، وقد تندر الديمقراطيون كثيرا جدا على ترمب وقرعوه تقريعا شديدا، ووجهوا له اللوم اللاذع والقارس، متهمين إياه بأنه السبب في انتشار الفيروس على هذا النحو، من خلال تخاذله.

عما قليل وخلال أسابيع وليس شهورا سيسائل الأميركيون بايدن ماذا قدمت يداه، لا سيما إذا لم تثبت فاعلية اللقاحات التي وفرتها شركات الأدوية الأميركية.

الشقاق بين بايدن وفريقه وبين الأميركيين يمكن أن يتعمق خاصة أن الرجل يسعى جاهدا لإلزام جموع الأميركيين بارتداء الأقنعة وهو ما يرفضه الكثيرون باعتباره اعتداء على حقهم في الحريات، والأمر نفسه ينسحب على مسألة الإغلاق، وقد رأينا ميليشيات يمينية مسلحة تسعى للاعتراض على وقف الأعمال في المنشآت الخاصة، فهل سيقدر لبايدن أن يجمع كلمة الأميركيين تحت سماوات البلد الإمبراطوري، أم العكس هو السيناريو الأكثر توقعا واحتمالا؟

من بين الملفات التي يمكنها أن تضع العجلة في دواليب إدارة بايدن في قادم الأيام، ملف التغير المناخي، وهل قرار عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ هذا، كما ينتوي بايدن، سيكون قرارا موفقا أم مفرقا للأميركيين؟

لدى بايدن خطة لتحويل البلاد إلى الطاقة النظيفة، والخلاص من المصادر الملوثة للبيئة، بتكاليف تصل إلى 2 تريليون دولار من الآن وحتى عام 2035، وقد وعد بايدن بعودة بلاده إلى مسار التضامن مع العالم في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري.

تنفيذيا يستطيع بايدن في الداخل إصدار قرارات مهمة في هذا الشأن، لكن هناك لوبي رابض في الخفاء يمكنه أن يعيق عمله، ويتمثل في جماعة الفحم، والضغوطات الرهيبة التي تمثلها ضمن خطوط طول وعرض البلاد، والنفوذ الذي تمارسه على نواب الكونغرس ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء، وتستخدم سلاح التبرعات كأداة للحفاظ على مصالحها واستثماراتها، وهنا يشك الكثيرون في مقدرة بايدن على أن يكون موحدا ومجمعا لفرق وشيع أميركية متضاربة إلى حد الصراع.

من بين القضايا التي تظهر روح أميركا القلقة والمضطربة، مسألة الهجرة، وهي في حقيقة الحال تستحق كلاما كثيرا، وقد مثلت سنوات إدارة ترمب اليتيمة عبئا ثقيلا على روح أميركا القائمة على الهجرة والمهاجرين، فقد وضع العقبات في طريق اللاجئين والمهاجرين، مما جعل البعض من الديمقراطيين يعلقون بالقول إن أميركا قامت ولا تزال على فكرة الهجرة، فكيف للرجل أن يوقف رفد البلاد بعناصر جديدة لا سيما من العقول المتميزة؟

إلى هنا يبدو الخلاف سطحيا، لكن الحقيقة تتضح في الجدل القائم حول روح أميركا، ذلك أنه وباختصار غير مخل، كلما ازدادت دفقات الهجرة إلى الداخل الأميركي، تعرض الرجل الأبيض إلى مخاوف التقلص، وقد بلغت جماعة "الواسب"، أي الرجال البيض البروتستانت الأنجلو ساكسون، نحو 60% من تعداد البلاد.

ترى هل سيقدر لبايدن أن يحاجج من جديد بأن نسيج أميركا فسيفسائي كما يقول التيار الجاكسوني، الرافض لفكرة أميركا بوتقة الانصهار وحساء الطماطم، أم أن الضغوطات التي ستمارس عليه من جانب المتشددين اليمينيين من الحزبين الكبيرين وغيرهما، ستجعله حائرا غير قادر على الإيفاء بما وعد به خلال حملته الانتخابية.

مفارق الطرق أمام بايدن متعددة، ومنها على سبيل المثال أزمة المخدرات المنتشرة بضراوة في السنوات الأخيرة، وهناك أحاديث دائرة حول تشريعات تسمح بتعاطي الماريغوانا، ورفعها من جداول المخدرات وإتاحتها للعوام.

هنا هل سيمضي بايدن في هذا المساق الذي يخالفه الكثيرون أم سيظل على وعده بما يفتح الطريق لصراع حزبي وإعلامي، بل ديني وأخلاقي عميق في الداخل الأميركي.

وفي الحق أن الكثير جدا من البنود يمكننا أن تناولها بالتدقيق والبحث المعمقين، ناهيك عن المقاربات التي تظهر حال المجتمع الأميركي، غير أن هناك جزئية بعينها سوف تقف ولا شك حائلا في مواجهة الرجل وهي الرئيس ترمب.. كيف ذلك؟

المؤكد أن ترمب الذي يرفض حتى الساعة الاعتراف بفوز بايدن، حال واصل هجوماته الإعلامية وتجميع الجمهوريين الرافضين بدورهم لفوز بايدن على النحو الذي رأيناه مؤخرا وظهر في صراعات وصلت حد التصادم والقتل، فإن مستقبل التشظي الأميركي سيتعمق وسيكون الفرار من المصير المنتظر صعبا إلى أبعد حد ومد.

مهما يكن من أمر فقد يكون لدى بايدن النوايا الطيبة بالفعل لتجميع الأميركيين تحت جناحيه، لكن معطيات الواقع الأميركي تشهد بأن الفراق لا الاتفاق قد يكون صاحب الحظ الأوفر.

-المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي
  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي