لحظات غاضبة!
2020-11-21
غادة السمان
غادة السمان

ثمة أخبار لا أستطيع أن أصدقها لو لم أطالعها في منابر محترمة إعلاميا وذات مصداقية، ومنها مثلا قول من تدعى «مرشحة تعدد الزوجات» للانتخابات المصرية: حذاء الرجل فوق رأسنا، والزوجة خادمة لزوجها! وكنت أتوهم أن في أي بيت أمكنة لحذاء الزوج غير رأس زوجته! وأتوهم أن المرأة شريكة لزوجها لا (خادمة) مع الاحترام لمهنة الخادمات.

وتضيف المرشحة مبررة «لأن الرجل هو من يستر عرضنا!.. ألا تستر المرأة عرضها بنفسها؟ وماذا عن النساء العازبات اللواتي لا يحملن على رؤوسهن حذاء رجل، وهن (خادمات) للمجتمع في حقل العمل كالطبيبات والمحاميات، والكاتبات مثلي، والمذيعات في التلفزيونات اللواتي تراهن على الشاشة وليس على رؤوسهن حذاء الزوج لحماية (عرضهن)؟! أو لو تصادف أن لم يكن متزوجات؟ أكاد لا أصدق خبرا كهذا من مرشحة للانتخابات المصرية تقوم بجلسة تصوير محاطة بالموز الذي اعتبره الكثيرون إيحاءات جنسية!

بين الطعام (الحلال) و(الكوشير)

وهذه لحظة غضب أخرى.. رافقــــت جارة فرنســــية للتســوق. أبدت انزعاجها في (السوبر ماركت) من وجود قسم للمنتجات (الحلال).

وسألتها ببساطة: ولماذا تنزعجين من وجود أقسام للمنتجات (الحلال الإسلامية) وليس من المخازن المخصصة لطعام (الكوشير) الخاص باليهود؟

ثم إن أحدا لا يحمل مسدسا يطلقه على رؤوسنا إذا لم نشتر من أقسام المنتجات الحلال؟ فعلام الانزعاج؟

وهل الطعام اليهودي (الكوشير) محبب لديها، والطعام الإسلامي (الحلال) مسمم؟

«مرتفعات ترامب» سورية دائما

لحظة غضب أخرى.. توهم الرئيس السابق ترامب أن في وسعه أن يهدي الجولان السورية إلى إسرائيل..

وتستطيع إسرائيل رد الهدية بإطلاق اسمه على الجولان: مرتفعات ترامب. وتستطيع إسرائيل بناء مستوطنات هناك لتوسيع احتلالها للأرض العربية.. لكن كل حبة تراب في فلسطين وبقية الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل، ستهتز غضبا تحت لافتات تحمل اسم الرئيس السابق ترامب، الذي أهدى ما لا يملك لمن لا يستحق، ناهيك عن أنه ليس في وسعه أو في وسع إسرائيل تبادل الهدايا على حساب الشعب الفلسطيني.

قبل أن يصير السيد ترامب رئيسا لجمهورية أقوى دولة في العالم U.S.A زرت ناطحة السحاب التي تحمل اسمه في نيويورك كأي رجل أعمال ناجح، لكن رجال الأعمال يدركون أنه ليس في وسعهم إهداء ما لا يملكون على الرغم من أن إسرائيل تريد بناء «فندق ضخم» في مرتفعاته السورية (!) لأن سياسة ترامب أفسحت المجال للمستثمرين، وتتوهم (كما تقول مصادر إسرائيلية) أن مرتفعات الجولان ستبقى إسرائيلية إلى الأبد، وقد يحمل أحد الفنادق التي تبنى هناك اسم ترامب.

لن يسرقوا حبة تراب سورية!

ينسون أن الزلزال آت ذات يوم.. وأن كل حبة تراب سورية هي لسوريا، وأن تبادل الهدايا بين إسرائيل وترامب لن يتم على حساب الشعب الفلسطيني والسوري في المدى البعيد.. وهذا ما تعلمنا إياه كتب التاريخ.

أما ما يدعى «بصفقة القرن» فهو «محاولة سرقة القرن». فلسطين أرض محتلة منذ 1948 كما كل ما تم بعد ذلك احتلاله، بعد هزيمتنا كعرب في حرب 1967 التي يدعوها البعض نكسة، ليست كلمة النهاية على شاشة التاريخ.

فلسطين محتلة، كما الجولان وغيرها من الأراضي العربية، أما بناء فنادق هنا وهناك فهو كمن يبني منتجعات في أراضٍ زلزالية.

السيد ترامب رجل الأعمال الناجح، يدرك ذلك، ولن يضايقه أن تحمل الفنادق والمرتفعات اسمه، لكن لعله لن يتورط في تمويلها من ماله الخاص. فهل تصحو إسرائيل من وهمها بأن أرضها ستمتد من النيل إلى الفرات؟

ذات يوم سيستيقظ العملاق العربي من نومه الطويل كأهل الكهف، ليعيد العدالة إلى كل حبة تراب عربية.

رجل دين: فليموتوا غرقا!

ثمة أخبار موثوقة أكره أن أصدقها، كما ذكرت، منها مثلا أن «رجل دين» ألمانيا هو (قس) في ولاية بافاريا الألمانية، نصح بترك المهاجرين يغرقون في مراكبهم! .. فأنا على الصعيد الشخصي أتعاطف مع الفقراء العرب والإفريقيين الذين يحلمون بحياة أفضل في الغرب، ويغامرون بحياتهم في ركوب «قوارب الحظ» للوصول من شواطئ بلادهم إلى بلدان أخرى يرتزق المرء فيها على نحو أفضل، ويستطيع أن يبعث ببعض المال إلى أسرته في الوطن في قارات أخرى، وأحيانا تغرق تلك المراكب ويموت العديد من الأطفال فيها مع عائلاتهم ويفشلون في الوصول إلى حلم الحياة الرغدة.. وأحيانا يستغلهم تجار الهجرة في قوارب لا تستطيع أن تحمل هذا العدد من المهاجرين وتغرق.. نتعاطف معهم، ونحزن بقدر حزننا على الطفل إيلان الذي انتشرت صورته إعلاميا وهو جثة قذفت بها مياه البحر المتوسط إلى أحد الشواطئ.

لن أصدق!

دريهر، القس في كنيسة ميلانشيتون البروتستانتية في نورمبرغ/بافاريا، قرر في فتوى، أنه يمكن ترك المهاجرين يموتون غرقا لكي يتوقف المهاجرون عن (غزو) أوروبا طمعا في حياة أفضل!

وأعترف أن ذلك الكلام (النازي) أثار غضبي.. هل في وسعك أن ترى إنسانا يغرق ولا تمد له يد المساعدة لإنقاذه، بل تتركه يموت غرقا ليتعلم سواه درسا في عدم المخاطرة لاجتياز البحر المتوسط؟

وكملايين الناس، حين أرى شخصا يغرق وفي وسعي السباحة سأقفز لإنقاذ حياته ولا يحق لي الحكم عليه بالموت وتركه يغرق، وذلك كله كردة فعل عفوية يريد الكاهن البروتستانتي تجريدنا منها لتعليم درس للآخرين بعدم ركوب قوارب الهجرة.. وكم سرني أن أسقف بافاريا رفض هذا المنطق والادعاء بأن رجال الإنقاذ البحريين هم السبب في أن الناس يخاطرون بعبور البحر المتوسط.. وأنا أعارض ذلك بغضب.. فالمهاجر في مراكب الحظ لا يتوقع أن ينقذه أحد.. بل يغامر. ومن يستطيع ترك رجل يموت غرقا ليعلمه درسا؟!

من يرفض إنقاذهم؟

أجل، لا أكاد أصدق ما نسب للقس حول ترك المهاجرين يغرقون دونما محاولة لإنقاذهم!

أتمنى ألا يضيق صدر أوروبا بأولئك المهاجرين (اللاشرعيين) ويتم إنقاذهم من الموت ومعاقبة صاحب المركب الذي تقاضى منهم ثمن الرحلة دون تزويد مركبه بإطارات النجاة على الأقل.

 

*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي