كليوباترا.. سيدة الغموض التاريخي
2020-10-04
إميل أمين
إميل أمين

ربما لم ينشغل العالم بشخصية من شخصيات مصر القديمة بقدر انشغاله بشخصيتين رئيسيتين، نفرتيتي، وكليوباترا، ولا يزال علماء المصريات يبحثون وينقبون عن مقبرتيهما، عل ما فيهما من آثار، يميط اللثام عن بعض من جوانب حياتهما.

كليوباترا، سيدة، ملكة، ابنة ملك، حاكمة، طموحها أدى بها إلى القبر، أحلامها شاهقة كالمسلات، مهدت درب حياتها بمزيج عجيب من الممرات المخملية المسلفنة بحرائر ناعمة، ونثرت في بعضها أشواكا مدببة تدمي الأقدام وحمته بأسوار عالية من قسمات القسوة وقوة الإرادة. 

هكذا وصفها الأثري المصري الشهير "بسام الشماع"، في كتابه: "كليوباترا.. بين الحقيقة والأسطورة والإعلام"، وعنده أنها سيدة حكمت مصر، وربما طمحت أو طمعت يوما ما في حكم روما، ولكن دربها البائس شتت تلك الطموحات.

أما الغريب والعجيب في قصة الملكة المصرية الشهيرة التي تغنى بها شعراء مصر الكبار، فهو أنها سيدة بلا قبر حتى الساعة، بلا مومياء، بلا آثار ضخمة إلا فيما ندر، بلا قصور ظاهرة، بلا مخطوطات مجزمة، هي بلا شك سيدة الغموض التاريخي.

لماذا الحديث عن كليوباترا مجددا هذه الأيام؟

ربما كانت صحيفة "الاوبزرفر البريطانية هي السبب المباشر والرئيس، بعد أن سلطت الضوء في تقرير أخير لها على معلومات ربما تقود الى اكتشاف مقبرة الملكة الأسطورية لمصر القديمة ، تلك التي خلدتها دفاتر التاريخ كشخصية جميلة وقوية، عاشقة ووطنية ، جميلة وإنسانية ، والمثير انه رغم الشهرة الفائقة التي تمتعت بها لا يزال قبرها مجهولا ، ويعد أحد الألغاز العظيمة التي لم يتم حلها حتى الساعة.

على أن السؤال قبل الدخول في مرحلة البحث عن قبرها: "كيف ماتت كليوباترا ، وهل هناك اتفاق بين المؤرخين الذين تناولوا سيرتها على طريقة موتها، أم أن الغموض بدوره يلف هذه الجزئية أيضا؟

لا تزال صورة كليوباترا في أذهان العالم مرتبطة بالفيلم العالمي الذي أدت فيها دورها الممثلة الشهيرة "اليزابيث تيلور"، دور كليوباترا ، وقد رسخت هوليوود فكرة انتحارها عبر لدغة ثعبان الكوبرا بعد هزيمة حبيبها "مارك انطونيو"، في مواجهة عدوة "اوكتافيو ".

لكن الحقيقة تبقى غائبة وغائمة، إذ يؤكد مؤرخ تلك الرواية وينفيها آخر، ويقول ثالث إنها وخزت نفسها بدبوس للشعر، ثم سكبت السم في الجرح لتموت.

ولعل الأكثر إثارة في مشهد نهاية كليوباترا ، هو صمت المؤرخين المريب ليس فقط عن طريقة موتها، ولكن عما حدث لجثمانها، الأمر الذي يستدعي فتح مسارات عديدة بحسب الباحث الأثري المصري الشماع، وفي المقدمة منها التشكيك في قصة انتحارها، إذ كان من اليسير لعدوها " اوكتافيو"، ان يدخل الى ضريحها ليقبض عليها، وتاليا يصطحبها معه إلى روما ، لعرضها في موكب النصر كما جرت العادة من القادة الرومان المنتصرين.

هناك من يتساءل ألم يكن متاحا جدا للجيش الروماني المحتشد بالاسكندرية أن يدخل الى مقر إقامتها ، ويمنعها من قتل نفسها أو حرق كنوزها؟.

والشاهد أنه إذا كانت كليوباترا قد أهلكت نفسها ، فهل كان عدوها "اوكتافيو" سيسمح بان يحنط جثمانها، كما جرى العرف مع جثث الفراعنة العظام؟

قطعا كان سيرفض لسبب واضح وهو أن التحنيط والاهتمام بالجثمان كان سيعني التكريم لها ولسيرتها من جموع المصريين، وتأكيد وجود حياة ثانية أبدية هانئة لها، الأمر الذي لم يكن ليقبل به "اوكتافيو" أبدا .

هناك كذلك من يشير إلى أنه بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها انطونيو ، قد أهين جسد كليوباترا بعد موتها أو تم حرقه وإلقاء الرماد بعيدا حتى لا تعيش أسطورتها مقدسة في نفوس المصريين .

ومع ذلك يبقى هناك احتمال آخر قائم وهو أنها دفنت بشكل أو بآخر على أطراف المدينة المصرية الكوزموبولتينية، أي الإسكندرية ، وقد يكون الكشف عن موقع وموضع جثمانها مرتبط ارتباطا وثيقا ولصيقا بسر آخر من أسرار تلك الحقبة ، أي جثث البطالمة وزوجاتهم ، ومقابرهم الفارهة المليئة بالمتعلقات الشخصية النفيسة والتي لا يعرف أحد حتى الساعة أين دفنوا .

لم تكن صحيفة الاوبزرفر البريطانية وحدها من تناول مسألة مقبرة كليوباترا مؤخرا ، ذلك أن صحيفة " الجارديان " بدورها أشارت الى كشف جديد تمثل في العثور على مومياوتين في منطقة " تابوزيريس ماجنوم "، كانت رقائق الذهب تغطيهما ، وهي رفاهية لا تمنح الا لمن هم من اعلى طبقات المجتمع ، وربما تكون هناك علاقة مباشرة بين أصحاب تلك المومياوات وبين كليوباترا نفسها .

يشير الأثري المصري الكبير الدكتور زاهي حواس إلى أن "تابوزيريس ماجنا " تقع على بعد حوالي 30 كيلومترا من مدينة الاسكندرية ، ويؤكد على أن هناك آمالا عريضة على وجود مومياء كليوباترا ومارك انطونيو هناك، ويرجح أنهما دفنا في قبر واحد.

تقول السيرة التاريخية أن كليوباترا كانت قد اختارت لمقبرة مارك أنطونيو مكانا مقدسا يحمل اسم تابوزيريس ماجنا أي مدينة أوزوريس قرب الإسكندرية‏، وكان هذا المكان له أهمية كبيرة بالنسبة لكليوباترا لأنها بوصفها ملكة مصر كانت تجسيدا بشريا للإلهة إيزيس زوجة الإله أوزوريس‏.‏

يشارك زاهي حواس في البحث البروفيسور "جلين جودينهو"، المحاضر الأول في علم المصريات في جامعة ليفربول ، وتراس الحفريات في "تابوزيريس ماجنا " الدكتورة "كاثلين مارتينيز "، وكلاهما يقطعان بأنهما قريبان جدا من العثور على مقبرة كليوباترا هناك ، لا سيما بعد اكتشافهما لتمثال فرعوني بدون رأس ، يعتقد أنه للملك بطليموس الرابع سلف كليوباترا ، ولوحة كبيرة بها نقش يظهر أن المعبد مخصص للآلهة إيزيس ، وتقول الدكتورة كاتلين ، إن كليوباترا رأت نفسها على أنها "تجسيد الإنسان لايزيس".

في الموقع نفسه تم اكتشاف نحو 200 قطعة نقدية تحمل اسم كليوباترا ووجهها في موقع مذبح داخل المعبد، حيث كان الكهنة يقدمون القرابين للآلهة .

هل العالم قريب بالفعل من كشف سر مقبرة كليوباترا وانطونيو؟

ربما يكون ذلك كذلك قولا وفعلا ..غدا لناظره قريب.

 


مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي