هل الصغار بضاعة سينمائية استهلاكية؟
2020-09-12
غادة السمان
غادة السمان

مئات آلاف الناس في كوكبنا سمعوا باسم «هاري بوتر» الصبي (الساحر) الذي اخترعته بنجاح الروائية البريطانية «رولينغ» وذاعت شهرته عالمياً في عدة أفلام مستقاة من كتبها.

كما ذاعت شهرة «البومة البيضاء» التي تلعب دور «ساعي البريد» في الفيلم، وكان ذلك ممتعاً (لي على الأقل، فأنا من عشاق شعب البوم!)

ولكن، ذلك الصبي الذي قام بتمثيل دور الساحر الشهير «هاري بوتر» وربح (وأسرته) ملايين الدولارات، كبر للأسف! كبر (هاري بوتر) وصار شاباً مغموراً اسمه دانييل رادكليف. وأتساءل: هل الأطفال مادة استهلاكية للسينما أم هم من البشر. يكبرون وعليهم التكيف مع عالم يعودون فيه إلى حقيقتهم اليومية؟ ممثل فيلم «هاري بوتر» لن يبقى ذلك الصبي الصغير الساحر، بل صار رجلاً.

الأطفال المشهورون يكبرون لسوء حظهم!!

أتساءل باستمرار عن مصير أولئك الصغار الذين عرفوا شهرة عالمية عبر السينما مثل بطل سلسلة أفلام «أمي… لقد فاتتني الطائرة» وأتساءل: ماذا يحدث للصبي الممثل حين يكبر بعدما حظي بالشهرة؟ ولن يعرفه اليوم أحد إذا مشى في الشارع مثلاً، بل لن يذكر أحد اسمه!

هل بينكم مثلاً من يعرف اسم الممثل الذي لعب في السينما دور البطولة في سلسلة أفلام «أمي… لقد فاتتني الطائرة»، واسم الذي لعب دور «هاري بوتر»، أو هل قد يعرفه أحد إذا التقاه في الطريق بعد مرور عقد ونيف على الفيلم وتحول الصبي الساحر إلى شاب؟ بل هل بيننا من يذكر أن اسم الشاب الذي قام بتمثيل دور هاري بوتر الشهير هو دانييل رادكليف؟ ولذا، قرأت بشراهة وفضول ذلك الحوار بين رادكليف (هاري بوتر في السينما) والصحافي فرانك روسو المراسل في أمريكا لمجلة «بوبليك» الفرنسية.

الساحر: وسيم بلحية عمره 31 سنة!

في الحوار نلتقي برجل عادي يعيش مع صديقته في نيويورك التي وصلا إليها قبل إغلاق المطارات بسبب مرض كورونا وليس لهما أطفال.

يتحدث (هاري بوتر)، عفواً الشاب دانييل رادكليف الذي ما زال يعمل في التمثيل كنصف مغمور على صعيد الشهرة، وقد مر بفترة كان فيها مدمناً على الخمرة. وذلك يحدث غالباً للذين اشتهروا شهرة عالمية حين كانوا صبياناً صغاراً ثم مر الزمان وكبروا ولم تكبر شهرتهم! وثمة بينهم من يدمن المخدرات، لكن (هاري بوتر).. عفواً: دانييل رادكليف، تعالج ضد الإدمان واستطاع النجاة.

دانييل رادكليف ولد في لندن عام 1989 وصار هاري بوتر في العاشرة من عمره، ولم يشتهر فيما بعد فيلمه «اقتل حبيبك» عام 2012، كما لم تنل أعماله السينمائية الأخرى شهرة تشابه شهرته في أفلام لعب فيها دور (هاري بوتر). ولكنني أحببت كثيراً جوابه على سؤال محاوره الصحافي فرانك روسو، الذي سأله: لو كان لديك عصا سحرية حقاً مثل هاري بوتر، ما الذي كنت ستفعله بها؟

وأجاب دانييل رادكليف: كنت سأقتل فيروس كورونا! وهي إجابة محببة. ويقول عن نفسه بصدق إنه خجول جداً ولا يثق بنفسه. ومن يلوم شاباً بلغ ذروة الشهرة صبياً ثم نسيه العالم بعد أعوام كما لو انتهى دوره في الحياة؟ بل إنني أتساءل أحياناً: هل يحق لنا (استعمال) الأطفال في السينما وتركهم يواجهون مصيرهم شباناً؟

بين العزلة باختيارنا وسجن كورونا!

حين أكتب عملاً روائياً جديداً، أصير برية (ومتوحشة) اجتماعياً وبحاجة إلى العزلة عن عالمي اليومي الداجن، هاربة إلى عالم بطلات وأبطال رواياتي. ولطالما هربت من بيتي الكبير في قصر الداعوق إلى غرفة في فندق متواضع أو شقة مفروشة لأهجر التفاصيل المعيشية اليومية، وأفسح المجال لأبطال قصصي. وكان زوجي الرائع (رحمه الله) يتفهم ذلك ويحمل لي الطعام وأسطواناتي المفضلة ويمضي، وهكذا ينبت أبطال قصصي ويستولون على حياتي وتصير مهمتي تقمص مشاعرهم وكتابة حكاياتهم. وحين أنام وأحلم بهم، كما لو كانوا جزءاً من حياتي، أعرف أن روايتي بدأت تصير حقيقة، كما في روايتي مثلاً «سهرة تنكرية للموتى» حيث يختلط الأموات والأحياء في شوارع بيروت ما بعد الحرب، وتضيع الحدود بين أبطال روايتي وحياتي الخاصة، فهم هنا في شوارع شرايين روحي وأحلامي، وأشباههم في شوارع بيروت في آن.

أغبط الذين يسخّرون العزلة الإرغامية إيجابياً!

ذكرني بكل ما تقدم اتصال هاتفي من صديقتي أمينة وزوجها د. رياض ع. بعد انقطاع دام منذ لقائنا الأخير في جنيف عام 2008 حيث يعيشان كسويسريين من أصل لبناني.

وسألتها دون مواربة: ما الذي ذكركما بي بعد هذه الأعوام كلها، وعلام الاتصال الهاتفي؟

وقال لي د. رياض ع: لقد انتهزت فرصة العزل المنزلي الإجباري بأمر حاكم كوكبنا هذه الأيام كورونا كوفيد 19، وقررت ترتيب الكتب في مكتبتي، ووجدت رواية تحمل إهداء منكِ لي ولزوجتي بخط يدكِ، وبدأ الإهداء بعبارة: «إلى الصديقين العزيزين»، فأحببت وزوجتي سماع صوتك والاطمئنان على صحتك.

وهما بحق صديقان عزيزان مهما تفرقنا جسدياً وتباعدنا، منذ أيام إقامتي في جنيف، وغبطت د. رياض ع. لأنه يستغل فترة العزل المنزلي لترتيب مكتبته.

غبطته لأنني لا أستطيع القيام بشيء حين أكون سجينة في بيتي بأمر «الحاكم» كورونا، ويصير هاجسي الهرب للمشي على ضفة نهر السين وأنا أحلم بركوب طائرة إلى بيروت لأعيد تعبئة بطارياتي الكتابية. ثم جاء انفجار مرفأ بيروت وتلاشى الحلم.

الفرق بين العزلة الاختيارية وسجن كورونا

في نظري، ثمة فارق شاسع بين العزلة الأدبية الاختيارية (التي أمارسها مع كل كتاب جديد أصدره) وعزلة السجن الإرغامي بأمر حاكم كوكبنا اليوم «كورونا فيروس».

وأغبط الذين يتقنون الاستفادة من وقتهم أيام العزلة الإرغامية حتى في سجن كورونا.. وللأسف، أفشل في ذلك، والسجون بالنسبة لي متشابهة. أما «الكمامة الإرغامية» التي لا نستطيع الخروج من البيت بدونها، فهي بمعنى ما بالنسبة لي كمامة أبجدية أيضاً..

وعليّ الآن أن أتعلم العمل داخل ذلك السجن الإرغامي والسجان كورونا، فنحن لا ندري حقاً هل سينجح لقاح ما في هزيمته أو سنتابع ما تبقى من حياتنا مع محاولة التكيف مع سجنه وتهديده لنا بالقتل، كما بعض الأحزاب اللبنانية (كورونية!) السلوك.

من «مرقد عنزة» في لبنان إلى «مغارة علي بابا»!

كانوا يهاجرون إلى لبنان.. صاروا يهاجرون منه.

كانوا يقولون: «نيال ـ أي محسود ـ من له مرقد عنزة في لبنان، اليوم هربت (العنزة) ولم تعد محسودة، وها هي واقفة أمام باب إحدى السفارات الغربية تطلب تأشيرة سفر إلى بلد غربي ما لتهاجر هرباً من «علي بابا والأربعين حرامي» في لبنان… ماذا يحدث في ذلك الوطن الحبيب؟ وذلك بعد الانفجار الرهيب في المرفأ وقبله؟

باختصار شديد: لا كهرباء… البنوك لم تعد تسدد للناس الأموال التي ائتمنوها عليها. جاء وباء كورونا، وتسبب في مزيد من الفقر وفقدان العمل..

عشاق لبنان مثلي، يحزنون هذه الأيام على حال ذلك الوطن الحبيب، عاصمة الحرية العربية، ولكن صار الناس فيه يبحثون عن اللقمة حتى في صناديق القمامة، وذلك يكسر قلوبنا. علي بابا في مغارته صار فيها أكثر من (أربعين حرامياً) بكثير. من المسؤول عن ذلك الواقع المرير؟

ولبنان يســتحق من هو أفضل من بعض حكامه والميليشيات الداعمة لهم!



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي