هل يبدو فتح سماء السعودية سلفة في صفقة سياسية بين بن سلمان وترامب؟
2020-09-03
كتابات عبرية
كتابات عبرية

غداة انتهاء الزيارة الرسمية للبعثة الإسرائيلية لأبوظبي، أعلنت السعودية بأنها ستفتح سماءها أمام كل الطائرات المدنية التي ستطير إلى الإمارات، ومنها إلى جميع دول العالم. لم يتم ذكر سماء إسرائيل في الواقع بصورة صريحة، لكن ليس هناك حاجة إلى ذلك. ما زالت السعودية حذرة، وسيكون ثمن التطبيع الرسمي مع إسرائيل مرتبطاً بالثمن السياسي الذي ستحصل عليه السعودية من الولايات المتحدة، وتجري نقاشات حول ذلك بصورة حثيثة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصديقه جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي الخاص الذي يسعى إلى استكمال “الصفقة” قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني.

يمر الوقت وترامب يتطلع إلى عرض إنجاز سياسي آخر مثير للانطباع يعينه على التلويح به في حملته الانتخابية، بعد انهيار معظم مبادراته السياسية، بما في ذلك “صفقة القرن”، التي تحولت في أفضل الحالات إلى نكتة، وأدت في معظم الحالات إلى خوف عميق في أوساط جميع الأطراف. السلام بين إسرائيل والإمارات هو في الحقيقة خطوة اختراقية قد تغير الموقف في الشرق الأوسط من إسرائيل، لكنه لا يكفي أن يثبت بأن صفقة القرن ما زالت سارية المفعول.

ولإثبات الرؤية الاستراتيجية التي تقول بأن السلام بين إسرائيل والعرب لا يقتضي حل المشكلة الفلسطينية، وأن السلام مع الدول العربية يمكن استخدامه كمحفز للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، نحن بحاجة إلى حزام عربي أوسع تشارك فيه دول أخرى، أو على الأقل السعودية، ولكن هذا الأمر يتطلب شروطاً. وبالنسبة للدولة التي صنعت في 2002 النموذج الذي تستطيع إسرائيل بحسبه أن تحظى بتطبيع وسور دفاع عربي مقابل انسحابها من جميع الأراضي – معادلة تحولت إلى جزء لا ينفصل عن أي مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك خطة ترامب، وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.. ستظهر وبحق مثل تراجع لا يمكن الرجوع عنه في هذا المبدأ الأساسي. ولكن المس بهذا المبدأ حدث بعد أن قررت الإمارات إقامة علاقات سلام كاملة مع إسرائيل.

وبقي التحدث عن الثمن السعودي. تحول بن سلمان منذ قتل الصحافي جمال الخاشقجي قبل سنتين تقريباً إلى شخصية غير مرغوب فيها في أوساط الجمهور الأمريكي والكونغرس، ومذاك لم يزر واشنطن، ويمثل مصالحه هناك شقيقه الأمير خالد، الذي كان سفير السعودية في واشنطن حتى العام 2019، وبعد ذلك عُين في منصب نائب وزير الدفاع ورئيس سلطة الصناعات العسكرية. لم تنته التحقيقات ضد بن سلمان في قضية قتل الخاشقجي، وإضافة إلى ذلك فرض الكونغرس الحظر على بيع السلاح للسعودية، وهو القرار الذي التف عليه الرئيس ترامب.

يحتاج بن سلمان إلى تغيير يعيد له مكانته بعد أن بدأ ولي العهد في الإمارات، صديقه محمد بن زايد، في التعتيم عليه كزعيم نجح في تشكيل سياسة شرق أوسطية جديدة، وكالشخصية العربية الأكثر قرباً من ترامب. في الحقيقة يمكن أن يستخدم السلام مع إسرائيل كخطوة اختراقية أمام واشنطن، لكن الوضع مع السعودية معقد أكثر مقارنة مع الإمارات.

من جهة، تعهدت الرياض بشراء سلاح أمريكي بمبلغ 110 مليارات دولار، وهذا إغراء كبير استخدمه ترامب في محاولة لإقناع الكونغرس بالسماح لعقد الصفقة. بتشجيع، أو أكثر دقة، بضغط من الولايات المتحدة، توطد السعودية علاقتها مع العراق وتعرض عليه بدائل للكهرباء والغاز التي تشتريهما من إيران، هذا كجزء من النضال المشترك لصد نفوذ إيران في الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى، وقعت السعودية على مذكرات تفاهم مع روسيا، وهي تفحص إنشاء مفاعل نووي من إنتاجها لغرض إنتاج الكهرباء. ويبدو أيضاً أنها تفحص إمكانية تطوير برنامج نووي يشك في نواياه كنوايا عسكرية. وإذا كان هناك طلب رئيسي واحد للإمارات – من أجل بيعها طائرات “إف35” – فإن رزمة الطلبات السعودية العسكرية والسياسية ستكون أطول بكثير. ولكن أدوات المساومة لبن سلمان محدودة بالزمن؛ فلا يمكنه الوثوق بأن يظل ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وعليه أن يأخذ في الحسبان بأن جو بايدن سيجلس في البيت الأبيض، والإدارة الديمقراطية ليست هي حلم ولي العهد.

هنا يكمن العامل الذي يمكنه أن يخدم التبكير في التطبيع مع إسرائيل، فسواء كان ترامب أم خصمه بايدن، فستشق إسرائيل لبن سلمان مسار العودة إلى واشنطن. وما فتح سماء السعودية أمام الطائرات الإسرائيلية وغيرها إلا بناء على ذلك، بل وأكثر من حقنة في العظام وإظهار الدعم لاتفاق بين إسرائيل والإمارات. هو يبدو مثل سلفة أولية على حساب صفقة يأمل بن سلمان الحصول عليها من ترامب.

المشكلة الإسرائيلية
يبدو أن إسرائيل ستكون راضية من التطورات الأخيرة التي حولتها إلى بؤرة وساطة نشطة بين الدول العربية وواشنطن، دون أن يحتاج الأمر إلى دفع ثمن بعملة فلسطينية، باستثناء تجميد الضم الذي هو أصلاً كان يعاني من الاحتضار في مرحلة متقدمة.

الرزمة الدبلوماسية التي وُضعت على بابها مؤخراً تشمل الاتفاق مع الإمارات، وفتح سماء السعودية، والمحادثة الهاتفية الودية والعلنية بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي هنأه فيها السيسي، ولكن حذره أيضاً من خطوات أحادية الجانب في الضفة، وحتى الحوار الذي تجريه إسرائيل وقطر حول التهدئة في غزة، الذي أثمر هذا الأسبوع تفاهمات حول “وقف إطلاق النار”. كل هذه الأمور تتسرب أيضاً إلى وسائل الإعلام وإلى تصريحات المحللين العرب. أما الانتقاد والتنديدات تجاه الإمارات فلا تختفي في الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الرسمية. ولكن يمكن إلى جانبها تشخيص التغيير في الوعي الذي تضع بحسبه هذا الاتفاق والاتفاقات التي ستأتي بعده معارضي التطبيع أمام واقع جديد وأمام تحديات من نوع جديد.

ومهما تغير هذا التطور لن يعفي إسرائيل من ضرورة حل النزاع مع الفلسطينيين. قالت إسرائيل بصورة تقليدية إن حل النزاع يجب أن يؤدي إلى إنهاء حالة الحرب مع العالم العربي، وإلا فلن تكون هناك أي فائدة من الحل. بهذا، اعتقدت إسرائيل بأنها تضع عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها أمام أي مفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن كلما زاد عدد “الدول المطبعة” سيصبح هذا الادعاء فارغاً من المضمون وستضطر إسرائيل إلى تعريف النزاع بصورة رسمية كـ “مشكلة إسرائيلية” وليس كـمشكلة فلسطينية.

بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 3/9/2020



مقالات أخرى للكاتب

  • هل كان "منع الفيتو الأمريكي" متفقاً عليه مع تل أبيب؟  
  • الأمن الإسرائيلي متوجساً من "لاهاي": ما مصير علاقاتنا مع الولايات المتحدة؟  
  • “الجزيرة” تنشر “فيلم رعب”.. والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: كانوا في ساحة شهدت قتالاً من قبل!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي