التطبيقات والأمن القومي للدول
2020-08-24
بسام البنمحمد
بسام البنمحمد

تغَّير العالم كثيرًا ما بعد الحرب العالمية الثانية ودخل في حرب باردة استخدمت فيها أدوات عديدة وانتهت بفوز أمريكا لامتلاكها أدوات أكثر فاعلية وأحسنت استعمالها على امتداد الحرب الباردة مما مكنها من الخروج منتصرة وتزعم العالم مقابل انهيار خصمها، الاتحاد السوفيتي برغم قوته العسكرية. ومن ضمن الأدوات المتاحة في ذلك الوقت ومن أهمها كان السلاح الإيدلوجي الذي قسم العالم لمعسكرين، رأسمالي ينادي بالحريات وشيوعي ينادي بالاشتراكية، إنما أمريكا لم تنتصر بسبب اقتناع العالم بنظامها الرأسمالي فقط بل بسبب امتلاكها لأدوات تأثير كانت أكثر فاعلية مما أرهق وفكك الاتحاد السوفيتي.
نعيش اليوم حربًا باردة جديدة حتى وإن لم يتم الإعلان عنها رسميًا، ومن المهم أن نفهم ونجيد التعامل مع الادوات الحديثة التي طرأت في هذه الحرب الباردة ولم تكن موجودة في السابق لما لها من أهمية في تحديد مستقبل زعامة العالم وأيضًا لما تحمله من فرص هائلة بالنسبة لنا إن استطعنا امتلاكها، فهي ادوات من لا يملكها لا يملك السيطرة على أمنه القومي.
والمقصود هنا هو عالم التطبيقات الذكية والامن السيبراني، ويكفي التنبية على ان الصين حجبت تطبيق Facebook الشهير منذ العام 2009 وتبعه حجب العديد من المواقع الإلكترونية والتطبيقات الشهيرة مثل WhatsApp (منع في العام 2017) وTwitter وInstagram وYouTube وغيرهم. وفي هذه الفترة كثر الحديث عن نية الرئيس الامريكي دونالد ترامب حجب التطبيق الصيني الشهير TikTok من امريكا، مما دعى الكثيرين لانتقاد موقف الرئيس ترامب دون الانتباه إلى أن الصين سبقت امريكا بسنوات واتخذت هذه الخطوة بشكل فعلي ولم تهدد بها فقط لعلمها بما تشكله هذه التطبيقات من خطر على الامن القومي.
ولأن الصين تدرك ايضًا انها لا تستطيع أن تنمو من غير أن تمتلك ادوات القوة الذكية فسخرت طاقتها وامكاناتها لانشاء تطبيقات صينية بديلة مثل تطبيق Baidu كبديل عن محرك البحث google، وكذلك تطبيق WeChat كبديل عن تطبيق WhatApp، وأيضًا Tudou كبديل لـ YouTube. ولم تكتفِ الصين بإنشاء هذه الحسابات محليًا بل دخلت المجتمع الامريكي وحتى العربي بتطبيقات مثل TikTok، وأيضًا أنشأت هيئات رسمية معنية بمراقبة الفضاء الالكتروني مثل ادارة الفضاء السيبراني لمراقبة الانترنت التي تم انشاؤها في العام 2014، وأيضًا وزارة الامن العام والادارة المركزية للبروبوغاندا.
إنما بسبب وجود ثغرة لم تستطع الصين السيطرة عليها وحجب هذه التطبيقات وخطرها الامني على كل الاراضي الصينية وتحديدًا هونغ كونغ بسبب طبيعة النظام السياسي القائم على «دولة واحدة، نظامين مختلفين» One country, two systems. قررت الصين اتخاذ قرار حاسم بطرح قانون جديد للأمن الوطني يشمل كل الاراضي الصينية بما فيها هونغ كونغ، مما آثار موجة دولية كبيرة من الغضب على هذا القرار الصيني، فبريطانيا هددت بتجنيس سكان هونغ كونغ واعطائهم الجنسية البريطانية وألغت اتفاقية الحكومة البريطانية مع شركة هواوي الصينية بسبب مخاوف من استغلال الحكومة الصينية لها للتجسس بناء على تحذيرات الأجهزة الامنية البريطانية وكذلك الامريكية، وامريكا هددت بعقوبات كبيرة على المسؤولين الصينيين وألغت رسميًا الإعفاءات التجارية الممنوحة لهونغ كونغ «لأنها لم تعد تحظى بحكم ذاتي بشكل كافٍ لتبرير المعاملة الخاصة» كما صرح دونالد ترامب.
المواجهة الحتمية أصبحت امرًا واقعًا والحرب الباردة مشتعلة في وقت نعيش في عالم اكثر انفتاحًا وارتباطًا ببعضه. وانعكاس الحرب الباردة الجديدة علينا في الشرق الاوسط او في الخليج العربي كبير جدًا ليس فقط بسبب تحالفنا الاستراتيجي مع امريكا من جهة ومن جهة اخرى زيادة التعامل التجاري مع الصين سواء كمصنع للعالم او كأحد اهم مشترين النفط، إنما أيضًا بسبب ارتباطنا بهذا العالم واعتمادنا على تطبيقات مثل واتساب وغوغل ويوتيوب على سبيل المثال والذي اصبح ارتباطًا مصيريًا لا يمكننا من دونهم إنجاز اعمالنا اليومية بالشكل الطبيعي؛ فسواء استعملت هذه التطبيقات للاختراق الامني او التجسس لتهديد مصالحنا الامنية او كأداة ضغط للتأثير على الرأي العام او للضغط السياسي فإننا لا نملك حاليًا البدائل وهذا يضعنا في موقف لا يعكس امكاناتنا الحقيقية غير المفعلة بشكل كامل لحد الآن.
لذلك علينا أن نعجّل من وضع الخطط الاستراتيجية التي تتعامل مع هذه المعطيات الجديدة لا الاستمرار مع السياسات القديمة التي رسمت وفق معطيات مختلفة تمامًا، وان لم نسرع بتوفير كل الامكانات لامتلاك ادوات التأثير فإننا لن نكون خارج المنافسة فقط انما سنكون تحت مهددات لأمننا واستقرارنا لم نشهدها من قبل ولن يكون التعامل معها ممكنًا بأدواتنا القديمة.



مقالات أخرى للكاتب

  • سياسة أمريكا ونموذج Apple
  • هل لدى الحزبين الديمقراطي والجمهوري ثوابت لا تتبدل؟
  • الافضلية للمهارات ومفهوم جديد للبطالة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي