ما التجسس الاقتصادي؟ وكيف يغيِّر موازين القوى في العالم؟

Understanding Economic Espionage: The Present
2021-03-30

نشر مركز «ستراتفور» للدراسات الإستراتيجية والأمنية، تقريرًا يستعرض حقائق متعلقة بالتجسس الاقتصادي الذي تواجهه الولايات المتحدة حاليًا. وخلُص التقرير إلى أن الولايات المتحدة أرْسَت دعائمها بقوة بصفتها قوة سياسية وصناعية عالمية بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.

ومع سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. وقد جعلها هذا الصعود أبرز أهداف التجسُّس الصناعي في أوائل القرن الحادي والعشرين من جانب البلدَين الرئيسَيْن الَّلذين يسعيان إلى تقويض قوتها النسبية، وهما: روسيا والصين.

يشير التقرير في بدايته إلى أن الاتحاد السوفيتي كان يُمثِّل أوضَح تهديد تجسُّس تواجهه الولايات المتحدة في منتصف القرن العشرين؛ ذلك أنه كان قد فجَّر لتوِّه قنبلته الذرية في عام 1949 التي أنهت احتكار الولايات المتحدة للأسلحة النووية الذي دام أربع سنوات، ويرجع الفضل في ذلك، إلى حد كبير، إلى التجسُّس السوفيتي الشامل على مشروع مانهاتن (مشروع بحث وتطوير يهدف إلى إنتاج أسلحة نووية لأول مرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وقادته الولايات المتحدة بدعم من المملكة المتحدة وكندا).

ولكن التجسُّس السوفيتي لم يقتصر على الاستخبارات الإستراتيجية والعسكرية، بل كان السوفيت أيضًا مهتمين للغاية بالأسرار الصناعية الأمريكية.

وبدأ سَعيُ روسيا إلى حيازة المِلكية الفكرية قبل وقتٍ طويلٍ من اندلاع الحرب الباردة. وبعد تشكيل الاتحاد السوفيتي في عام 1922، كان يتحتَّم على قادته، من الناحية السياسية، تسريع التصنيع وتوسيعه من أجل اللحاق بركب الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، التي بدأت جميعها في التصنيع قبل الإمبراطورية الروسية.

وتَمثَّل جزء مُهم من تلك الإستراتيجية في إنشاء شركة «أمتورج» التجارية، وهي مكتب سوفيتي في نيويورك عَمل على تعزيز العلاقات التجارية والاستثمار، ولكن كان يُشتبه على نطاق واسع في أنه يعمل قاعدة للتجسُّس الاقتصادي السوفيتي منذ تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي.

هل تكفي حيازة الأسرار التجارية؟

وسرعان ما أدرك السوفيت أن حيازة الأسرار التجارية لم تكن كافية لتكرار التكنولوجيا. على سبيل المثال، يبدو أن موظفي شركة «أمتورج» توصَّلوا إلى مُخطَّطات تصميم الجرار الذي تنتجه شركة «فورد»، ولكن فشلت الجهود المبذولة لتكرار صناعة الجرار في الاتحاد السوفيتي.

ولذلك، عيَّن الزعماء السوفيت مصممًا صناعيًّا بارزًا من مدينة ديترويت (في ولاية ميشيجان الأمريكية)، يُدعى ألبرت كان، لتصميم مصانع يمكنها بناء جرارات بفعالية. وانطلاقًا من حرصه على تحقيق إيرادات في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي وبعد انهيار البورصة، قَبِل ألبرت كان بالعقد، ولكنَّ السوفيت أنهوا العقد في وقتٍ مبكر.

وبعد حصولهم على تصميمات المصنع، بنى السوفيتُّ المصنع بأنفسهم بدلًا من الاستمرار في دفع أموال لألبرت نظير بناء مصانع لهم.

وجادلت المؤرخة المعمارية الروسية، سونيا ميلنيكوفا رايش، بأن الاتحاد السوفيتي في عهد جوزيف ستالين استمدَّ من تصميمات ألبرت كان أكثر من مجرد إنتاج جرَّارات، كما أنشأ وسائل أكثر فعالية لإنتاج سيارات ركَّاب وشاحنات، بل حتى دبابات.

ومكَّن هذا الأمر الاتحاد السوفيتي من تطوير صناعته الدفاعية بالكامل. وفي نهاية المطاف، ساعدت مُخطَّطات مصنع الجرارات الخاصة بألبرت كان السوفيت في حربهم ضد ألمانيا النازية والحفاظ على التكافؤ مع الولايات المتحدة في الحرب الباردة التي أعقبت هذه الأوضاع.

ويؤكد التقرير أن الاتحاد السوفيتي استمر في الاعتماد على محاكاة التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية وسرقة الأسرار التجارية أثناء الحرب الباردة، غير أن النتائج كانت متباينة. على سبيل المثال، كانت الطائرة السوفيتية «توبوليف» من طراز تي يو 144 محاكاة واضحة لطائرة الركاب الإنجليزية-الفرنسية «كونكورد» التي تتميز بأنها أسرع من الصوت.

ومع أن السوفيت تمكَّنوا من مطابقة (بل تجاوزا) سرعة «كونكورد»، عانى المشروع من انخفاض الطلب عليه والمخاوف المتعلقة بالسلامة.

وأوجَدت منطقة شمال الأطلسي الاقتصادية طلبًا على السفر السريع بين أوروبا وأمريكا الشمالية للنُخب التجارية الثرية. وكان من الممكن أيضًا أن تستفيد جغرافيا الاتحاد السوفيتي الواسعة من رحلات سفر الركاب الأسرع من الصوت، ولكنَّ الطلب على الرحلات الجوية بين موسكو وبقية الاتحاد السوفيتي لم يكد يصل إلى حجم الطلب على السفر عبر المحيط الأطلسي.

وبعد عدة تحطُّمات، حلَّقت الطائرة «تي يو-144» في نهاية المطاف 55 مرة فقط وعلى متنها ركاب. وفي نهاية المطاف، كان البرنامج السوفيتي الخاص بطائرة «تي يو-144» مدفوعًا بشدة برغبة سياسية في الحفاظ على التكافؤ التكنولوجي أكثر من الطلب التجاري المستدام.

تهديد تجسُّس متزايد

وتستمر روسيا في تشكيل تهديد تجسُّس متزايد على البلدان والشركات في جميع أنحاء العالم، بحسب التقرير. ومع أن انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي أدَّى إلى اندلاع اضطرابات سياسية دامت عقدًا، كان هناك قَدْر كبير من الاستمرارية في نشاطات التجسُّس في الاتحاد الروسي الجديد.

وتتمثل شواهد هذه الاستمرارية في عمليتي اعتقال ألدريش أميس، الضابط الذي كان يعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية في عام 1994، وروبرت هانسن، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2001، إذ قدَّم كلاهما معلومات استخباراتية سياسية وإستراتيجية إلى مسؤولين سوفيت ومن جاء بعدهم في هذه المناصب داخل الاتحاد الروسي.

واستمرت حملات اعتقال أخرى وتفكيك عصابات التجسُّس المرتبطة بعملاء روس مثل آنا تشابمان (في عام 2010)، وماريا بوتينا (في عام 2018)، على مدار العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأكَّد التقرير أيضًا أن الاتحاد الروسي يستمر اليوم في تشكيل تهديد تجسُّس اقتصادي على الشركات. وأسفرت ثلاث قضايا على الأقل من قضايا التجسُّس الاقتصادي الروسي التي تستهدف معلومات المستخدم وأسرار تجارية تكنولوجية في شركات كبرى مثل «ياهو» و«جي إي» و«بوينج» عن توجيه تُهَم اتحادية في الولايات المتحدة بين عامي 2016 و2019.

وفي عام 2020، أخطر موظف في شركة «تيسلا» السلطات بعد أن اتَّبع مواطنٌ روسي نهجًا مشبوهًا وطلب من الموظف تثبيت شفرة ضارة على شبكات «تيسلا» من أجل ابتزاز الأموال من الشركة. ومع أن التُّهم الموجَّهة إلى هذا المواطن الروسي لم تذكر التجسُّس على وجه التحديد، أظهرت هجمات التجسُّس الإلكتروني على موقع «ياهو» تداخلًا بين مجموعات إجرامية روسية والأجهزة الاستخبارات الحكومية.

القطاعات ذات الأولوية بالنسبة لروسيا والصين – المصدر: غرفة التجارة الأمريكية والمراسيم الرئاسية الروسية ومكتب وزارة العلوم والتعليم العالي في الاتحاد الروسي

ويبدو أن حملات التجسُّس الاقتصادي الروسية الحديثة تُكرِّر أيضًا نموذج إنشاء وجود تجاري في السوق من أجل الوصول إلى أسرار تجارية. وفي عام 2015، ألقى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي القبض على إيفجيني بورياكوف واتهموه بالتجسُّس لصالح جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي.

وكان بورياكوف يعمل تحت غطاء غير رسمي لصالح بنك التنمية الروسي المملوك للدولة «ڤنيش‌ إكونوم‌ بانك» (Vnesheconombank) لتوظيف مصادر في قطاعي الطاقة والتمويل في نيويورك. وبالإضافة إلى ذلك، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي تحذيرات عامة في عام 2014 بشأن التهديد الاستخباراتي المُحتمَل الذي تُشكِّله شركات استثمارية رأسمالية مدعومة من الدولة مثل شركة روسنانو على قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

الصين

ويؤكد التقرير أن جمهورية الصين الشعبية ووزارة أمن الدولة التابعة لها، التي تورطت في عشرات الاتهامات المتعلقة بسرقة أسرار تجارية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، تحتل الصدارة بوضوح في مجال التجسُّس الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين.

وفي الحقبة بين عامي 1996 و2019، استفادت الصين من 66 قضية (32%) من أصل 206 قضايا اتحادية أمريكية تنطوي على تُهَم تتعلق بقانون التجسُّس الاقتصادي الصادر عام 1996. واحتلت الصين المرتبة الثانية بعد الشركات الأمريكية الأخرى، المسؤولة عن 76 من قضايا عام 2016 (37%) على مدار المدة ذاتها.

وفي إطار زمني أكثر حداثة، أي في المدة بين عامي 2016 و2019، كانت الصين مسؤولة عن نصف جميع التهم المتعلقة بالتجسُّس الاقتصادي (18 من أصل 36 قضية).

وأوضح كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أن الحكومة الأمريكية تنظر إلى التجسُّس الصيني بوصفه تهديدًا خطيرًا ومتزايدًا. وخلال تصريحاته العامة التي أدلى بها في عام 2020، أشار راي إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يفتح قضية مكافحة تجسُّس جديدة متعلقة بالصين كل 10 ساعات في المتوسط، وأن الصين متورطة في نصف ما يقارب 5 آلاف قضية نشطة جارية لمكافحة التجسُّس يحقق فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي ابتداء من عام 2020.

وألمح راي إلى أن هذا مثَّل زيادة في عدد القضايا بنسبة 1.300% على مدار العقد الماضي. وينوِّه التقرير إلى أن التأثير الاقتصادي كبير أيضًا: إذ قدَّر الباحث نيكولاس إفتيمياديس (المهتم بشؤون الاستخبارات الصينية) أن نشاطات التجسُّس الاقتصادي الصيني تسبَّبت في خسائر تبلغ قيمتها 320 مليار دولار سنويًّا ابتداء من عام 2018، أو 80% من إجمالي تكلفة سرقة الملكية الفكرية للولايات المتحدة، والتي يُقدِّرها مدير الاستخبارات الوطنية بحوالي400 دولار؛ أي مليار دولار سنويًّا.

واستحدثت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من السياسات، التي تتراوح بين عقوبات وقيود مفروضة على الطلاب والبرامج الصينية، التي تهدف إلى تحديد التجسُّس الاقتصادي ومنعه. ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن التدابير الوقائية ستؤدي في أحسن الأحوال إلى إبطاء نَقْل التكنولوجيا.

وطبَّقت الصين والمملكة المتحدة تدابيرَ صارمة لردع النقل غير المشروع للتكنولوجيا: إذ هدَّدت الصين بقتل منتهكي هذه التدابير، وحظرت المملكة المتحدة سَفَر الحرفيين في بعض المهن. ولكن حتى ذلك الحين، خرجت الأسرار إلى العلن.

ومن الصعب إيقاف الموجة الحالية من التجسُّس الاقتصادي الذي تقوده الصين ويستهدف الولايات المتحدة نظرًا إلى أن العلاقات التجارية ذات الأهمية الإستراتيجية بين البلدين تُسهِّل تدفُّق المعلومات وتجعل سياسات مكافحة التجسُّس مُكلِّفة للغاية.

وأجرت الولايات المتحدة تداولات بلغت قيمتها 558 مليار دولار في البضائع مع الصين في عام 2019؛ وستضطر أي سياسة تهدف إلى مكافحة التجسُّس الاقتصادي إلى مراعاة الحقائق الاقتصادية لضرورة الاستمرار في التعامل مع الصين.

مبادرات صينية

وينوِّه التقرير إلى أن اهتمام الصين الإستراتيجي بإجراء عمليات تجسُّس اقتصادي اتضح من خلال مبادرات مثل خُطتي صُنِع في الصين 2025 (خطة إستراتيجية أصدرها رئيس الوزراء الصيني وحكومته في مايو (أيار) 2015 بوصفها مبادرة للارتقاء الشامل بالصناعة الصينية) والألف موهبة (خُطة تهدف إلى تكريم خبراء دوليين بارزين في مجال البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال).

وبوصفها خطة صناعية صدرت في عام 2015، تهدف خطة صُنِع في الصين 2025 إلى تحويل اقتصاد التصنيع الصيني الكثيف العمالة إلى اقتصاد رائد في إنتاج تكنولوجيا تمتع بمزيد من القيمة المضافة.

وتتضمن الخطة أيضًا تحقيق 70% من الاكتفاء الذاتي في مجال صناعات التكنولوجيا الفائقة بحلول عام 2025 والهيمنة على أسواق التكنولوجيا العالمية بحلول عام 2049، خلال الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

وتُعد خطة الألف موهبة إستراتيجية أخرى مألوفة تسعى إلى تجنيد علماء وباحثين ومتخصصين في الصناعة للعمل في الصين، وبذلك تقدِّم معرفة تقنية لمساعدة الصين في تحقيق أهدافها الطموحة. وفي السنوات الأخيرة، زعم محققون أمريكيون أن خطة الألف موهبة عرَضَت على موظفين بعينهم مكافآت نقدية نظير تقديم وثائق حسَّاسة وأسرار تجارية معهم أثناء انتقالهم إلى الصين.

واتَّهم تحقيق اتحادي أمريكي شركات توظيف صينية بمَنْح مهندس يعمل في شركة طاقة أمريكية ما يزيد على 170 ألف دولار في عام 2018 من أجل تقديم أسرار تتعلق بتكنولوجيا البطاريات التي كانت شركته تعمل عليها.

وحتى قبل إعلان خطة آلاف المواهب، عرَضَت الصين في عام 2011 على مهندس ساخط يعمل في الشركة المتخصصة في تكنولوجيا الطاقة، شركة «AMSC»، ‏1.7 ملايين دولار لتقديم أسرار تجارية من شأنها أن توفِّر لشركة «سينوفيل» (Sinovel) المملوكة للحكومة الصينية 800 مليون دولار من العقود التي أبرمتها مع شركة «AMSC».

وأفاد التقرير بأن الحوافز المالية أيضًا تأتي في هيئة استثمار ووعود بمساعي تنظيم مشروعات مُربحة. واستخدم باحث في علوم المواد ويقيم في تكساس عِدَّة ملايين من الدولارات في التمويل الصيني لتكييف تقنية الرغوة المُركَّبة، التي تسمح بالتحكُّم في الطفو بصورة أكبر في السفن البحرية الحديثة، من الشركة التي كان يعمل لديها مسبقًا، وبدأ شركته الخاصة في عام 2014 التي قدَّمت للصين الأسرار التي تسعى إليها.

وهناك أيضًا حوافز مماثلة في صناعة الأدوية، التي تهتم بها الصين أيضًا اهتمامًا شديدًا؛ إذ في عام 2016، أغرى مستثمرون صينيون (بدعم حكومي على الأرجح) عالمة كيمياء حيوية تعمل على الأجسام المضادة الأحادية النسيلة، للاستيلاء على مواد حسَّاسة من الشركة التي تعمل بها، وهي شركة «جلاكسو سميث كلاين»، ومحاولة بدء نشاطها التجاري المنافس في الصين.

وازداد اهتمام الصين وروسيا بأسرار تجارة الأدوية في عام 2020 فقط مع تفشِّي جائحة كوفيد-19، والسباق العالمي لإيجاد علاجات ولقاح في نهاية المطاف.

ويلفت التقرير إلى أنه مع أن الولايات المتحدة تُمثِّل هدفًا أساسيًّا، فإنها ليست الهدف الوحيد بأي حال من الأحوال. وكانت محاولات التجسُّس الاقتصادي الصيني في تايوان قد استهدفت شركة الكيماويات الصناعية الألمانية «باسف» (BASF)، وهو ما واجهه تكتُّل إنتاج الهندسة الصناعية والصلب «تيسين كروب» (ThyssenKrupp).

وقد وقَعَت إحدى أنجح عمليات مكافحة التجسُّس في السنوات الأخيرة التي استهدفت جهود التجسُّس الصيني في بلجيكا، حيث ألقت السلطات القبض على يانجون تشو، وهو ضابط تابع لوزارة أمن الدولة، بسبب جهوده الرامية إلى تجنيد مصادر استخباراتية داخل الشركات.

اختلافات جوهرية

ويتمثل أحد الاختلافات الرئيسة بين حملة التجسُّس الحالية والحملات السابقة في الصين في وتيرة نقل التكنولوجيا ونطاقها. وقد سهَّلت التكنولوجيا الحديثة التجسُّس بعدَّة طُرُق. ويمكِّن التخزين الرقمي للمعلومات والوسائل الإلكترونية لتجميع الأجهزة الاستخباراتية من جَمْعِ تيرابايت من المعلومات ونقلها على قُرص صلب أو خادم مجهول يمكن إخفائه بسهولة.

كما يمكن استغلال شفرة المصدر والبرامج التي غالبًا ما تكون هدفًا لحملات تجسُّس حديثة بسرعة تفوق بكثير سرعة تكنولوجيات الماضي، التي استغرقت سنوات (إن لم يكن عقودًا) لإعادة إنشائها.

وتسمح تقنيات التجسُّس الإلكتروني لهواة جمع المعلومات بالوصول إلى معلومات حسَّاسة بدون التعقيدات اللوجيستية المتمثِّلة في إرسال ضباط أو مخبرين سريين في مهام طويلة ومكلِّفة عبر مناطق عدائية. ويُسهِّل تخزين المواد المُهرَّبة بصورة رقمية الحفاظ على سلامة الوثائق ومشاركتها على نطاق واسع عند الحاجة. وتُسْهِم كل هذه الأمور في التجسُّس على نطاق يتجاوز بكثير التنقيط البطيء للمعلومات خلال الحملات السابقة.

ووفقًا للتقرير، من الواضح أن الصين لديها اهتمام ونية وقدرة على إجراء تجسُّس اقتصادي، وقد ثبت ذلك من خلال عشرات الاعتقالات والتُّهم والإدانات على مدار العقد الماضي. ويبدو أن الصين أيضًا في وضع جيد يُمكِّنها من استغلال الأسرار التجارية التي حصلت عليها من خلال عمليات التجسُّس، نظرًا إلى قاعدتها التصنيعية الكبيرة، ورأس المال الذي تقدمه لدعم الشركات الناشئة الجديدة، والدعم السياسي للابتكار التكنولوجي من خلال برنامج صُنِع في الصين 2025 والألف موهبة. وقد كثَّفت الولايات المتحدة، الهدف الرئيس للصين، من جهود مكافحة التجسُّس ردًّا على ذلك.

ولكن سواء كان إنتاج الحرير الصيني، أو مصانع النسيج البريطانية، أو عمليات إنتاج المصانع الأمريكية، أظهر التاريخ أنه يصعُب للغاية إيقاف انتشار التكنولوجيا الناجحة. كما أظهر التاريخ أن التجسُّس الاقتصادي وحده لا يكفي لترجمة الأسرار التجارية المسروقة إلى نجاح اقتصادي، على غرار الجهود الفرنسية الرامية إلى تعلُّم أسرار إنتاج الخزف الصيني، أو الجهود السوفيتية لتكرار الجرَّار الذي صنعته شركة «فورد».

ومع أن بكين تمتلك كثيرًا من القوى التي تعمل لصالحها، فإن هدفها الطموح لتحقيق هيمنة عالمية في التكنولوجيا بحلول منتصف القرن ليس مضمونًا بأي حال من الأحوال. غير أنَّه من الواضح أن التجسُّس الاقتصادي سيستمر في تشكيل تهديد للشركات والبلدان التي تستفيد من عملها لسنوات قادمة.

واختتم الموقع الأمريكي تقريره بتأكيد أن الصين ليست الدولة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تعتمد على التجسُّس الاقتصادي لتحقيق أهداف صناعية ذات دوافع سياسية، فما البلدان الأخرى التي ستستفيد من التجسُّس الاقتصادي، وما الدول المستهدفة؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي