أسطورة قد تتحقق.. هل نشهد تحول صحراء سيناء إلى أراضٍ زراعية؟

Our biggest challenge? Lack of imagination’: the scientists turning the desert green
2021-03-27

عبدالرحمن النجار

قال ستيف روز في تقرير له على موقع صحيفة «الجارديان» إن علماء صينيين حولوا مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة إلى واحة خصبة. والآن يريد فريق من المهندسين المستقلين أن يفعل الشيء نفسه في شبه جزيرة سيناء المصرية.

وأوضح روز أن الهولندي تيس فان دير هوفين سافر إلى مصر في أوائل فبراير (شباط) الماضي لتقديم أهم عرض في حياته، وقد استعد له بالاستماع إلى بودكاست «13 دقيقة إلى القمر» – وهي قصة تسرد كيف أنجزت ناسا الهبوط على سطح القمر. كانت المهمة التي سيناقشها مع الحكومة المصرية تتعلق بالأرض وليس القمر، لكنها كانت طموحة في كل جزء منها، إذ يمكن أن تمثل قفزة عملاقة للبشرية.

فان دير هوفين هو أحد مؤسسي «ويذر ميكرز»، وهي شركة هولندية لديها خطة للتنمية الزراعية في شبه جزيرة سيناء – المثلث الصغير من الأرض الذي يربط مصر بآسيا. يعتقد مهندسو الشركة أنه في غضون عقدين من الزمن يمكن أن تتحول سيناء من صحراء حارة وجافة وجرداء إلى ملاذ أخضر يعج بالحياة: الغابات والأراضي الرطبة والأراضي الزراعية والنباتات والحيوانات البرية. إنها خطة للتنمية الزراعية في سيناء ستغير أنماط الطقس المحلية وتغير اتجاه الرياح، مما يؤدي إلى هطول المزيد من الأمطار.

قال فان دير هوفين للمندوبين المصريين، وهم مجموعة متنوعة من الأكاديميين وممثلي الوزراء وكبار الضباط العسكريين: «إذا كان هناك أي شخص يشك في إمكانية إعادة تخضير سيناء، فعليه أن يفهم أن الهبوط على القمر كان يُعتقد في السابق أنه غير واقعي. لم يضعوا خارطة طريق كاملة ومفصلة عندما بدأوا، لكن كانت لديهم الرؤية. وخطوة بخطوة تحققت المعجزة».

يمتلك فان دير هوفن – البالغ من العمر 40 عامًا، ويتميز بالحيوية والتواضع – خبرة عبر تخصصات من المورفولوجيا (علم التشكل) إلى التصوف الباطني. لكنه يركز بشدة على المستقبل. يقول: «هذا العالم جاهز للتغيير التجديدي. سيكون تغييرًا كاملاً في سلوكنا البشري على المدى الطويل. وستكون خطوة عملاقة بالنسبة للبشرية».

الطبيعة هي السبيل الأمثل لإنقاذ الكوكب

يبدو الأمر بعيد المنال إلى حد بعيد – يشير روز – لكن الشركة تصر على أن الخطة مجدية تمامًا، وأنها بالضبط نوع المشروع الذي يجب أن تتجه إليه البشرية الآن. في السنوات الأخيرة، تركز النقاش حول أزمة المناخ في الغالب على الوقود الأحفوري وغازات الاحتباس الحراري. الآن، نحن ندرك أن الوجه الآخر لتلك العملة هو حماية العالم الطبيعي وتجديده. لا توجد آلية أفضل لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي من الطبيعة، ولكن في الخمس آلاف سنة الماضية، قلل النشاط البشري من إجمالي الكتلة الحيوية للأرض بما يقدر بنحو 50%، ودمر 70% من غابات العالم.

وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العام الماضي: «الأنشطة البشرية هي أساس انحدارنا نحو الفوضى. لكن هذا يعني أن التحرك البشري يمكن أن يساعد في حلها».

يدرك القائمون على الشركة هذا جيدًا: فعملهم الأصلي هو التجريف، أحد أثقل مجالات الصناعات الموجودة. على مدى القرون القليلة الماضية، ساعد التجريف البشر على تغيير وجه الكوكب على مستويات أكبر من أي وقت مضى. تدرب فان دير هوفن باعتباره مهندسًا في علم التشكل، وأمضى العقد الماضي في هذه المجال، إذ عمل في مشاريع في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك جزر دبي الاصطناعية، التي اشتمل إنشاؤها على أعمال تجريف واستصلاح الأراضي على نطاق واسع. لقد انغمس في أسلوب حياة المغتربين هناك، كما يعترف: الشرب والأكل والسمر، «لقد فقدت روحي قليلاً».

بعد عودته إلى هولندا في عام 2008، بدأ في إعادة التفكير في مهنته: «ما استطعت رؤيته هو أن مجال التجريف لديها الكثير من الإمكانات؛ لكننا فقط نسيء استخدامها».

من خلال العمل في شركة «ديمي» البلجيكية – يضيف روز – ابتكر طريقة جديدة للتجريف كانت أكثر صداقة للبيئة وأكثر كفاءة. استخدم أجهزة استشعار غير مكلفة لنمذجة الظروف البحرية – الأمواج والتيارات والمد والجزر – دقيقة بدقيقة، وذلك لتحديد مكان وزمان العمل بشكل أكثر دقة. بعد تجربة النظام، أقنع زملاءه المتشككون من خلال العيش على السفينة معهم، وحتى طهي وجبات الطعام. وقد اقتنع المكتب الرئيسي أيضًا عندما أنقذ أسلوبه ثروة صغيرة.

في يناير 2016، اتصل ممثل شركة «ديمي» في مصر بفان دير هوفن، الذي طالبته الحكومة المصرية للنظر في استعادة بحيرة البردويل، وهي بحيرة على الساحل الشمالي لسيناء. كان عمق البحيرة من 20 إلى 40 مترًا، لكن اليوم يبلغ عمقها بضعة أمتار فقط. إن تجريف البحيرة وقطع القنوات للسماح بدخول المزيد من المياه من البحر الأبيض المتوسط سيجعلها أعمق وأبرد وأقل ملوحة – وكل ذلك من شأنه أن يعزز مخزون الأسماك.

لكن فان دير هوفن لم يرغب في التوقف عند هذا الحد. يقول: «إذا شعرت أنني على الطريق الصحيح، فمن الصعب على الناس إلهائي». بدأ في النظر إلى شبه جزيرة سيناء بمزيد من التفصيل: تاريخها، وأنماط الطقس، والجيولوجيا، والمد والجزر، والحياة النباتية والحيوانية، وحتى النصوص الدينية. لقد ترك مشاريع أخرى وقضى ساعات طويلة في شقته محاطًا بالرسوم البيانية والخرائط والكتب والرسوم التخطيطية. يقول هوفن: «كان الناس يخافون عليّ لأنني كنت أنسى نفسي. وكان أصدقائي يطبخون لي». كلما نظر أعمق، رأى المزيد من الإمكانات.

سيناء.. سلة غذاء مصر

هناك أدلة على أن سيناء كانت خضراء ذات يوم – منذ 4500 إلى 8 آلاف عام. تم العثور على لوحات في الكهوف هناك تصور الأشجار والنباتات. وقد دونت السجلات في دير سانت كاترين البالغ من العمر 1500 عام بالقرب من جبل سيناء أنواع محاصيل الخشب. كما تكشف صور الأقمار الصناعية عن شبكة من الأنهار تتدفق من الجبال في الجنوب باتجاه البحر الأبيض المتوسط.

يرجح التقرير أن ما حوَّل سيناء إلى صحراء كان على الأرجح نشاطًا بشريًا. فأينما استقروا، يميل البشر إلى قطع الأشجار وتبوير الأرض. يؤثر فقدان الغطاء النباتي في قدرة الأرض على الاحتفاظ بالرطوبة. كما أن حيوانات الرعي تعيش هناك وتستهلك النباتات عندما تحاول النمو مرة أخرى. تفقد التربة هيكلها – ومن هنا جاء الطمي في بحيرة البردويل. وبحسب فان دير هوفن، فإن البحيرة تحتوي على حوالي 2.5 مليار متر مكعب من الطمي. إذا كان على المرء أن يستصلح سيناء، فإن هذا الاحتياطي الهائل من المواد الغنية بالمغذيات هو بالضبط ما نحتاجه. يقول: «أصبح من الواضح أن لدينا فرصة هائلة. لم يكن هذا حلًّا لمشكلة واحدة، بل الحل لجميع المشاكل».

بحلول هذه المرحلة، اتفق فان دير هوفن وشركة «ديمي» على أنه سيكون من الأفضل له العمل ككيان منفصل، لذلك في عام 2017 أسس «ويذر ميكرز» مع صديقين هما جيجز بوسمان ومادي أكرمانز، ويبدو أن كلاهما له تأثير. بوسمان، مدير المشاريع في شركة «رويال هاسكونينج» الهندسية الهولندية وصديق هوفن منذ أيام الدراسة، كان لديه القدرة على ترجمة رؤية فان دير هوفن العظيمة إلى تفاصيل تقنية قابلة للتنفيذ. أما أكرمانز، فلديها الخلفية المالية والاقتصادية. تقول أكرمانز: «قال فان، أنا فوضوية للغاية. لذلك لا يمكنني القيام بذلك بمفردي. ووجود شخص مثلي يمكنه إخباره بالحقيقة وإبقاؤه على المسار الصحيح منحه الثقة لبدء شركة».

لقد تشاوروا مع خبراء من مختلف التخصصات، ولا سيما حفنة من الذين كانوا يحلمون باستعادة البيئة منذ عقود. يسميهم فان دير هوفن «Jedi». أول هؤلاء هو جون دي ليو، عالم البيئة الصيني الأمريكي الذي لديه خلفية في البذر السطحي. إن استصلاح أرض كبيرة ومتدهورة مثل سيناء يبدو وكأنه خيال علمي، لكن أُنجز من قبل. بينما كان فان دير هوفين منغمسًا في بحثه، ناشده صديقه أن يشاهد فيلمًا وثائقيًا بعنوان الذهب الأخضر، الذي صنعه ليو للتلفزيون الهولندي في عام 2012. ويؤرخ قصة هضبة اللوس، وهي منطقة في شمال الصين، بحجم فرنسا تقريبًا.

هضبة اللوس.. من أرض قاحلة إلى كتلة خضراء

يشير الكاتب إلى أنه في عام 1994 طلب البنك الدولي من ليو، الذي كان يعمل صحافيًّا تلفزيونيًّا في بكين، تصوير بداية مشروع ترميم طموح بقيادة العالم الصيني الرائد لي روي. في ذلك الوقت، كانت هضبة اللوس تشبه إلى حد كبير سيناء: فهي أرض جافة قاحلة ومتآكلة بشدة. كانت التربة تنجرف وتغمر النهر الأصفر. وبالكاد يستطيع المزارعون زراعة أي محاصيل. وكانت خطة استصلاحها ضخمة من حيث الحجم ولكنها منخفضة التقنية نسبيًا: غرس الأشجار على قمم التلال؛ وعلى المنحدرات الشديدة؛ وإضافة مواد عضوية إلى التربة؛ ومراقبة حيوانات الرعي؛ والاحتفاظ بالمياه. لقد كان التحول مذهلاً.

في غضون 20 عامًا، أصبحت صحاري هضبة اللوس وديانًا خضراء وأراضي زراعية منتجة، مثلما أوضح وثائقي الذهب الأخضر. يقول فان دير هوفن: «شاهدته 35 مرة على التوالي، وفكرت في نفسي، لنفعل ذلك!»

كان مشروع هضبة اللوس أيضًا نقطة تحول بالنسبة إلى ليو، كما يقول – بعيدًا عن البذر السطحي ونحو استعادة النظام البيئي: «تبدأ في رؤية أن كل شيء متصل. يبدو الأمر وكأنه مصفوفة». على الرغم من خبرته، فإن ليو البالغ من العمر 68 عامًا يتسم بالهدوء. منذ عام 2009، يعمل سفيرًا لكومنلاند، وهي منظمة هولندية غير ربحية، ومستشارًا لمعسكرات استعادة النظام البيئي – وهي شبكة عالمية من المجتمعات المتطوعة والعملية.

بعد مشاهدة فيلم الذهب الأخضر – يواصل روز كلامه – زار مهندسو شركة «ويذر ميكرز» مقر كومنلاند في أمستردام لمشاركة خططهم. يتذكر ليو قائلًا: «لن نرد طلبهم! قلت إن علينا العمل مع هؤلاء، لأن هذه أكثر أطروحة جريئة رأيتها على الإطلاق».

سافر ليو فان دير هوفين إلى الصين لرؤية هضبة اللوس مباشرة، ويقول عن ذلك: «أن أكون في مكان كان في الأساس عبارة عن صحراء، حيث تمطر الآن بشدة، ولا يغرق بالمياه، لأنه يتم اعتراضها والاحتفاظ بها في النظام – كان كل ذلك مثيرًا للإعجاب بالنسبة لي».

من خلال ليو، التقى فان دير هوفن بخبير آخر: البروفيسور ميلان ميلان، عالم الأرصاد الجوية الإسباني. في التسعينيات، بدأ ميلان تحقيقًا لصالح المفوضية الأوروبية حول اختفاء عواصف الصيف في شرق إسبانيا. يقول: «ما وجدته هو أن الخسارة مرتبطة بشكل مباشر بالبناء في المناطق الساحلية». يأتي هطول الأمطار في المنطقة بالكامل تقريبًا من نسائم البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك – يستدرك روز – فإن النسيم وحده لا يحمل ما يكفي من بخار الماء لتكوين عاصفة في الداخل؛ ثمة حاجة إلى الرطوبة الزائدة، التي كانت تظهر في المستنقعات والأراضي الرطبة على طول الساحل.

لكن خلال القرنين الماضيين، جرى البناء على هذه الأراضي الرطبة أو تحويلها إلى أراضٍ زراعية. ولم تعد هناك رطوبة إضافية ولا مزيد من العواصف. يقول ميلان: «بمجرد إزالة الكثير من الغطاء النباتي، يؤدي ذلك إلى التصحر بسرعة كبيرة».

اكتشف ميلان أن مثل هذه التغييرات لا تؤثر فقط في الطقس على المستوى المحلي: «يعود بخار الماء الذي لا يترسب فوق الجبال إلى البحر الأبيض المتوسط ​​ويتراكم في طبقات لمدة أربعة أو خمسة أيام، ثم يذهب إلى مكان وسط أوروبا». بمعنى آخر، تسبب البناء على الساحل الإسباني في حدوث فيضانات في ألمانيا. وأضاف أن النتائج التي توصل إليها لم تكترث لها المفوضية الأوروبية. إنه يبلغ من العمر 79 عامًا، ويتحدث بأسى شخص خبير جرى تجاهله منذ فترة طويلة.

توصل بحث ميلان وتجربة ليو في هضبة اللوس إلى النتيجة نفسها؛ اقطع الأشجار، ودمر النظام البيئي، ستختفي الأمطار؛ لكن إذا استعدت النظام البيئي، وجعلت المناظر الطبيعية أكثر رطوبة، ستعود الأمطار. لخص ميلان عمله في مقولة بسيطة: «الماء يولد الماء، والتربة هي الرحم، والنباتات هي القابلة».

بتطبيق المقولة السابقة، ثمة إمكانية لإعادة تخضير سيناء – يؤكد روز. بعد استعادة بحيرة البردويل، تتمثل المرحلة الثانية في توسيع واستعادة الأراضي الرطبة من حولها لتوليد المزيد من الرطوبة وزيادة التنوع البيولوجي. يعد ساحل سيناء بالفعل نقطة عبور عالمية رئيسية للطيور المهاجرة. وستشجع الأراضي الرطبة المستصلحة قدوم المزيد من الطيور، مما سيزيد من الخصوبة.

عندما يتعلق الأمر باستصلاح المناطق الداخلية في سيناء، هناك تحدٍ آخر: المياه العذبة. هنا يبرز دور خبير آخر: جون تود، عالم الأحياء البحرية ورائد في التصميم البيئي. في السبعينيات من القرن الماضي، بعد أن شعر بالإحباط من ضيق الأوساط الأكاديمية، أنشأ تود معهد الكيمياء الجديدة، وهو مجتمع بحثي بديل في ماساتشوستس مكرس للحياة المستدامة.

سيناء الخضراء

يوضح تود أن الآلة البيئية هي في الأساس تقنية حية. والمبدأ الكامن وراءها هو أن الماء يتدفق من برميل إلى آخر، ويحتوي كل برميل على نظام بيئي صغير: الطحالب والنباتات والبكتيريا والفطريات والديدان والحشرات والأسماك؛ مثل سلسلة من البرك من صنع الإنسان. عندما يتدفق الماء، يصبح أنظف وأنظف. يمكن تصميم واحدة تعالج النفايات السامة أو مياه الصرف الصحي، أو زراعة المحاصيل. إنها تعمل بالطاقة الشمسية، ولديها قدر كبير جدًا من التنوع البيولوجي – بمعنى أنها تعكس التجربة الإجمالية للحياة على الأرض على مدى 3.5 مليار سنة. في سيناء، سيتم استخدام الآلات البيئية لزراعة النباتات وإنتاج المياه العذبة.

في الخريف الماضي – ينوه روز – بنت شركة «ويذر ميكرز» آلة البيئة الخاصة بها في مزرعة للخنازير في ضواحي إحدى المدن الهولندية. تشبه الآلة نفقا زراعيا قياسيا. يوجد داخل الدفيئة ستة براميل صافية الجوانب مملوءة بالماء بدرجات مختلفة من الأخضر والبني. وفي بعض الخزانات توجد أوراق نفايات ومواد نباتية ميتة. يشير فان هوت إلى الطحالب البنية التي تنمو على الجوانب: العوالق النباتية، وهي أساس الشبكة الغذائية، التي تغذي الحياة بشكل أكبر في السلسلة: الحشرات والقواقع والأسماك في حوض واحد (في سيناء يمكن استخدام أسماك البلطي الصالحة للأكل).

صورة افتراضية لسيناء بعد تنفيذ المشروع

يتبخر بعض الماء من البراميل ويتكثف على السطح الداخلي للبيت الزجاجي، حيث يتم تجميعه بواسطة نظام المزاريب. وحتى في يوم بارد في هولندا، ثمة تسرب مستمر إلى حاوية على الأرض. في ظل حرارة سيناء، ستمضي الدورة بسرعة أكبر، كما يقول فان هوت. ستكون المياه التي تغذي الآلة البيئية عبارة عن مياه مالحة، لكن الماء الذي يتكثف في الداخل سيكون عذبًا، ويمكن استخدامه بعد ذلك لري النباتات. إذا تم تصميم الهيكل بشكل صحيح، فسيحتاج المرء فقط إلى البرميل من الخارج لخلق مطر اصطناعي بالداخل. وعندما تصل النباتات والتربة داخل الدفيئة إلى مستوى معين من النضج، فإنها تصبح مكتفية ذاتيًّا.

يمكن بعد ذلك إزالة الدفيئة وتكرار العملية في مكان مختلف. يقول جون تود: «الفكرة هي أنه قد يكون لديك 100 من هذه الهياكل. وستظل خمس سنوات في موقع واحد ثم يتم نقلها، لذلك ستُترك هذه البيئة الصغيرة».

في سيناء، سيتم ضخ الرواسب من بحيرة البردويل إلى التلال، على بعد 50 كيلومترًا إلى الداخل، حيث تتدفق بعد ذلك عبر شبكة من الآلات البيئية. يقول فان هوت إن ملوحة الرواسب هي في الواقع أحد الأصول، لأنها حافظت على جميع العناصر الغذائية. شطفها من خلال الآلات البيئية سوف «يعيد تنشيطها». إنهم يقومون الآن باختبار لمعرفة الأنواع النباتية التي تتحمل الملح، أو النباتات الملحية، التي تنمو بشكل أفضل حول خزانات المياه. يشير فان هوت بفخر إلى كومة من الأحواض البلاستيكية البيضاء التي تحتوي على طمي طازج من قاع بحيرة البردويل. «هذا ما تبدو عليه استعادة النظام البيئي في الحياة الحقيقية. دلاء من الطين باهظة الثمن».

من الصعب تحديد مقدار الفرق الذي يمكن أن تحدثه سيناء المعاد تخضيرها – يكشف روز. فيما يتعلق بخفض نسبة الكربون، سيكون بلا شك بمقدار «مليارات الأطنان»، كما يقول فان دير هوفن. لكن مثل هذه المقاييس ليست مفيدة دائمًا: على سبيل المثال، إذا قمت بتحويل الكربون الموجود في الغلاف الجوي إلى عوالق نباتية، فماذا يحدث عندما تأكل سمكة تلك العوالق؟ أو عندما تأكل سمكة أكبر تلك السمكة؟

يمكن أن تكون درجة الحرارة العالمية مقياسًا مفيدًا آخر. بالإضافة إلى عزل الكربون، تساعد المساحات الخضراء أيضًا في تبريد الكوكب. تعتبر الصحاري منتجة للحرارة، حيث تعكس حوالي 60-70% من الطاقة الشمسية التي تسقط عليها مباشرة في الغلاف الجوي. وفي المناطق المغطاة بالنباتات، يتم استخدام الكثير من هذه الطاقة الشمسية بدلاً من ذلك في التبخر. يقول فان دير هوفن: «إذا عادت المساحات الخضراء، فإنك تزيد الغطاء، وتقلل من درجة الحرارة وانعكاس الشمس، وتبدأ في خلق مناخ مستقر. وإذا أردنا أن نفعل شيئًا حيال الاحتباس الحراري، فعلينا أن نفعل شيئًا حيال الصحاري».

التحديات في سيناء

في الوقت الحاضر، تعمل سيناء الحارة بمثابة «مكنسة كهربائية» تجذب الهواء الرطب من البحر الأبيض المتوسط ​​وتوجهه نحو المحيط الهندي. إن برودة سيناء تعني فقدان قدر أقل من تلك الرطوبة. وبدلاً من ذلك، ستهطل أمطار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يعزز الإمكانات الطبيعية للمنطقة بأكملها. يصف فان دير هوفن شبه جزيرة سيناء بأنها «نقطة وخز بالإبر: هناك نقاط معينة في هذا العالم حيث، إذا جمعنا طاقتنا المشتركة، يمكننا إحداث فرق كبير».

ومع ذلك – يستدرك روز – فإن سيناء هي أيضًا نقطة وخز بالإبر من الناحية الجيوسياسية. بعد الربيع العربي، أصبحت المنطقة ساحة معركة بين قوات الأمن المصرية والمتطرفين. وقد شهدت العديد من الحوادث الإرهابية: أدى تفجير طائرة ركاب روسية في عام 2015 إلى مقتل 224 شخصًا؛ وأسفر هجوم على مسجد صوفي في عام 2017 عن مقتل أكثر من 300 مصلّ. إن شمال سيناء حاليًّا منطقة محظورة على الغرباء، ويسيطر عليها الجيش، وتعاني من الفقر والإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان. منذ عام 2018، فرض الجيش قيودًا على وصول الصيادين المحليين إلى بحيرة البردويل لبضعة أشهر فقط في السنة.

وكما يقول أحمد سالم، مؤسس مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ومقرها المملكة المتحدة: «هناك الكثير من المعاناة، لأنهم لا يملكون أي طريقة أخرى لكسب المال وإطعام عائلاتهم». ويضيف سالم أن استعادة المناظر الطبيعية ستجلب فوائد ملموسة للسكان المحليين، لكن كل هذا يتوقف على الرئيس عبد الفتاح السيسي. يقول سالم: «إذا كان السيسي يريد حقًا مساعدة أصحاب المبادرة، فسيكون ذلك جيدًا لهم لأنه محبوب جدا في مصر. ولكن إذا لم يفعل، فسيفشلون».

لكن يبدو أن حكومة السيسي قد أدركت أن تجديد النظام البيئي يمكن أن يحل العديد من المشاكل في وقت واحد: الأمن الغذائي، والفقر، والاستقرار السياسي، والأهداف المناخية، فضلاً عن إطلاق مشروع أخضر ذي شهرة دولية. تقترب الحكومة من توقيع عقود المرحلة الأولى من خطة الاستصلاح التي تغطي جرف بحيرة البردويل. قد تتطلب المراحل اللاحقة دعمًا ماليًا من هيئات خارجية مثل الاتحاد الأوروبي.

بصفتهم غرباء – يقول روز – يدرك مهندسو شركة «ويذر ميكرز» أن خطتهم ستتطلب دعمًا محليًا وتعاونًا وعمالة. بسبب القيود العسكرية، لم يزر أي منهم بحيرة البردويل، على الرغم من أنهم أقاموا روابط مع مزرعة عضوية في جنوب سيناء تسمى حبيبة. تأسست حبيبة في عام 1994، على يد ماجد السعيد، منظم الرحلات السياحية ذي الشخصية الجذابة، المولود في القاهرة والذي وقع في حب المنطقة. في الأصل كانت منتجعًا شاطئيًا، ولكن في عام 2007 تفرع السعيد إلى الزراعة العضوية، وتربط حبيبة الآن المزارع الأخرى والقبائل البدوية المحلية والمؤسسات الأكاديمية.

لدى السعيد بعض التحفظات بشأن خطة الشركة: «إنه مشروع كبير ذكي، ولكنك أيضًا تغير البيئة والنباتات والحيوانات بشكل كبير. لا أعرف ما إذا كانت ستكون هناك آثار جانبية». ولكن فيما يتعلق بالمهمة الأكبر، فهم متفقون إلى حد كبير: «نحن جميعًا في نفس القارب. يحدث التصحر وتغير المناخ بسرعة كبيرة، لذلك نحن بحاجة إلى العمل على أرض الواقع. يجب بناء ما يكفي من ورش العمل، وعقد ندوات ومحادثات باستمرار».

استعادة النظام البيئي

على المستوى العالمي، يتحول المد في صالح الشركة. تزايدت المناقشات حول إعادة التخضير والتحريج والبناء، بدعم من دعاة بارزين مثل جريتا ثونبرج وديفيد أتينبورو وعالم البيئة البريطاني توماس كروثر، الذي احتل عناوين الصحف في عام 2019 ببحث يشير إلى إمكانية حل أزمة المناخ عن طريق زراعة تريليون شجرة (لكنه اعترف لاحقًا أن الأمر ليس بهذه البساطة).

يصادف هذا العام بداية عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي – يشير روز – وهو «دعوة حاشدة لحماية وإحياء النظم البيئية في جميع أنحاء العالم». تأمل الأمم المتحدة في استعادة 350 مليون هكتار من الأرض بحلول عام 2030، والتي يمكن أن تزيل 13 إلى 26 جيجا طن إضافية من الكربون من الغلاف الجوي. بعد عقود من تجزئة القضايا البيئية وفقدان أهدافها الخاصة، أدركت الأمم المتحدة أيضًا أن الحل الوحيد القابل للتطبيق هو القيام بكل ذلك في وقت واحد. إنها تريد بشكل خاص حشد الشباب من أجل القضية؛ فحملاتها على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل وسم «استعادة الأجيال».

يقول تيم كريستوفرسن، رئيس فرع الطبيعة للمناخ في برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن «استعادة النظام البيئي ليس تحديا تقنيا؛ إنه تحدٍ اجتماعي».

تتعهد الدول والشركات أيضًا بالتزامات أكثر طموحًا لإعادة التخضير، حتى لو كانت تكافح من أجل الارتقاء إلى مستوى تلك الالتزامات. تخطط المملكة المتحدة لإنشاء 30 ألف هكتار من الغابات سنويًا بحلول عام 2025. وقد تعهدت الهند باستعادة 26 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة بحلول عام 2030. ويهدف السور الأخضر العظيم في أفريقيا ، وهو «أكبر مشروع لاستعادة النظام البيئي في العالم»، إلى زراعة 8 آلاف كيلومتر من الأشجار عبر الصحراء الكبرى، من السنغال إلى جيبوتي (بعد 14 عامًا، اكتمل حوالي 15% من المستهدف فقط). وفي الوقت نفسه، تتجذر الشركات الخضراء، مثل Ecosia، محرك البحث الذي يتخذ من برلين مقرًا له، والذي قام حتى الآن بزراعة أكثر من 120 مليون شجرة حول العالم.

يقول كريستوفرسن: «التحدي الرئيسي هو الافتقار إلى الخيال البشري. عدم قدرتنا على رؤية مستقبل مختلف لأننا نحدق في هذا المسار البائس للوباء وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. لكن الوعي الجماعي بأننا في هذا معًا يمثل فرصة كبيرة. لا يواجه الناس مشكلة في تخيل شكل طريق سريع مكون من أربع حارات. ولكن لتخيل المناظر الطبيعية المستعادة لأكثر من مليون هكتار – لا أحد يعرف كيف سيبدو ذلك لأنه لم يحدث فعلاً من قبل».

يتفق معه فان دير هوفين. ويستشهد بكتاب يوفال نوح هيراري «العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري»، الذي يجادل بأن البشر انتصروا بسبب قدرتنا على مشاركة المعلومات والأفكار والقصص: «كنا قادرين على الإيمان بأسطورة – بشيء لم يكن موجودًا بعد».

إن إعادة تخضير سيناء هي في الوقت الحاضر أكثر من مجرد أسطورة، تمامًا كما كانت مهمات أبولو في السابق؛ لكنها موجودة الآن في المخيلة كمؤشر للمستقبل الذي نطمح إليه. كلما جرت مشاركته، زاد احتمال حدوثه. يمكن أن تكون نقطة تحول، يقول فان دير هوفن: «لن نغير مستقبل البشرية بقول يجب تقليل كل شيء». ويضيف: «علينا أن نفعل المزيد من الأشياء الجيدة. لماذا لا نجتمع ونفعل شيئًا بطريقة إيجابية؟».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي