من البحر المتوسط إلى آسيا.. لماذا تقوّي فرنسا علاقاتها البحرية؟

What's behind France's interest in navy ties from Mediterranean to Asia?
2021-03-20

نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالًا لسيث جي فرانتزمان، كبير مراسلي الصحيفة الإسرائيلية ومحلل شؤون الشرق الأوسط، تناول فيه الحديث عن الطريق الذي سلكته فرنسا مؤخرًا في تعزيز العلاقات البحرية مع دول البحر المتوسط، وبعض دول آسيا من خلال التدريبات البحرية، مؤكدًا أن البعض فسَّر هذه التقدمات الفرنسية بأنها تصب في مصلحة الولايات المتحدة التي تسعى إلى عرقلة تقدمات الصين.

يستهل الكاتب مقاله بالتأكيد على أن التدريبات البحرية تحدِّد علاقات جديدة من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى خليج عمان وما وراءه، وهناك تقارير جديدة أفادت أن فرنسا تؤدي دورًا رائدًا في هذا الصدد. وكانت فرنسا وقبرص قد شاركتا لأول مرة في تدريب أجرته البحرية الإسرائيلية مؤخرًا بعنوان «نوبل دينا» في الأسبوع الماضي. وعادةً ما تضم هذه التدريبات إسرائيل واليونان، ولكنَّ هذه الأنواع من التدريبات مهمة ورمزية.

فرنسا وروابط جديدة

يبدو أن هذه التدريبات تربط أيضًا بين بلدان مثل فرنسا والهند واليونان ومجموعة من البلدان التي لديها اهتمامات مشتركة. وتتضمن هذه البلدان، الإمارات، والهند، والسعودية، والبحرين، ومصر، واليونان، وقبرص، وفرنسا، والأردن، وإسرائيل. كما أن هناك نمطًا إستراتيجيًّا ذا نطاق أوسع يربط بعض هذه البلدان بدول الحوار الأمني الرباعي (وهو منتدى إستراتيجي غير رسمي يجري فيه تبادل المعلومات والتدريبات العسكرية بين الدول الأعضاء)، وهي اليابان، وأستراليا، والولايات المتحدة، والهند.

ووفقًا لصحيفة هندوستان تايمز، يبدو أن فرنسا تعمل على زيادة دورها في هذه التدريبات؛ إذ ستشارك الهند والإمارات في إجراء تدريب في أواخر أبريل/نيسان. وسوف يستضيف الخليج العربي وخليج عمان هذا التدريب. وبحسب تقرير الصحيفة الهندية، «ستنضم الإمارات إلى الهند وفرنسا لأول مرة في مناورة بحرية ثلاثية في الخليج العربي وخليج عمان اللذين يتمتعان بأهمية إستراتيجية تحت راية مناورة فارونا، وهي تدريب عسكري مشترك بين فرنسا والهند عادةً. ويشير الكاتب إلى أن الإمارات زادت من قربها من الهند في السنوات الأخيرة. ويطرح الكاتب سؤالًا: لماذا تعد هذه التطورات مهمة؟

دول الحوار الأمني الرباعي

ويجيب: شاركت الهند مؤخرًا في أول قمة افتراضية تعقدها دول الحوار الأمني الرباعي مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان. ويأتي ذلك بعد مرور عقد ونصف من دخول هذه البلدان الأربعة في هذه العلاقة الإستراتيجية المحدودة. ويمكن فعل المزيد في هذا الإطار، ومن الواضح أن فرنسا ودولًا أخرى مثل الإمارات تريد فِعْل أكثر من ذلك مع بعض هذه البلدان.

وقد أشاد رئيس الوزراء الهندي، الذي تربطه علاقة وثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلي، بالاجتماع الذي عقدته دول الحوار الأمني الرباعي يوم الجمعة. وكتب قائلًا: «أكرر التزام الهند بالحفاظ على حرية منطقة المحيط الهادئ والهندي وانفتاحها وشمولها بما يتماشى مع رؤيتنا لـ ساجار (وهي سياسة الهند التي أعلنت عنها في عام 2015 بهدف تحقيق الأمن والنمو للجميع في المنطقة)».

ويمكن أن تقدِّم التدريبات البحرية التي ربما توحِّد فرنسا والإمارات والولايات المتحدة واليابان وأستراليا رسالة رئيسة للشراكة الإستراتيجية التي تربط مساحة كبيرة من المحيط، من أستراليا إلى فرنسا، تصل إلى حوالي 12 ألف كيلومتر.

مواجهة الصين

ويرى الكاتب أن هناك تفسيرات كثيرة لتقارب هذه الدول أو لإمكانية إجراء تعاون فيما بينهما، وتميل هذه التفسيرات إلى أن هذا التقارب أو التعاون يأتي في إطار الرد على الصين الأكثر عدوانية. وتتوقع إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية أن هناك حاجة إلى مواجهة الصين، التي يصفها الكاتب بـ الخصم «القريب». ومع ذلك، هناك انقسام حول كيفية اضطلاع الولايات المتحدة بذلك الدور. ويرى البعض أن هذه التطورات تُعد «حربًا باردة» جديدة، فيما يرى آخرون أنها «مشاركة» دبلوماسية.

وبغض النظر عن كيفية تداعيات هذه الأمور التي تجري في المحيط الهادئ على المنافسة المحتملة بين الولايات المتحدة والصين والتي قد تشمل أيضًا أستراليا واليابان أو دولًا أخرى، إلا أنه من المتحمل أن تُمثِّل الصورة من أستراليا إلى فرنسا، وعبر المحيط الهندي وخليج عمان ثم عبر السويس إلى شرق البحر المتوسط، رابطًا وممرًا إستراتيجيين يتمتَّعان بمزيد من الأهمية.

وتشير التقارير أيضًا إلى أن القوات الجوية الهندية ستُشرِك سربها الثاني من طائرات رافال المقاتلة في منتصف أبريل، وفقًا لصحيفة تايمز أوف إنديا. وفي يناير (كانون الثاني) ، حدث تطور آخر مثير للاهتمام، إذ شاركت القوات الجوية الفرنسية في تدريب ديزيرت نايت (Desert Knight) مع الهند. وبحسب محمود جمال، المهتم بالتعليق على القضايا الأمنية المصرية، كانت «المحطات التالية» للطائرات التي شاركت في التدريب هي الإمارات ومصر واليونان. ومن الصعب تجاهل تلك الروابط الرمزية بين الهند وفرنسا والإمارات واليونان ومصر.

وعندما استضافت اليونان منتدى فيليا (الذي شاركت فيه سبع دول في حوض البحر المتوسط والخليج العربي) في فبراير (شباط) ، دعَت أثينا أيضًا فرنسا والأردن والعراق. واستضاف اليونان وزراء خارجية مصر والإمارات وقبرص والبحرين والسعودية. كما التقى قادة القوات البحرية المصرية والفرنسية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وعقدا اجتماعًا «عابرًا» تقليديًّا في أوائل مارس (آذار) . وسوف يتضمن نشر البارجة الفرنسية «جان دارك» السنوي التدريبات الخاصة بمناورة فارونا.

عقد مزيد من المناقشات

وقد تبدو كل هذه الاجتماعات البحرية، من ناحية، مجرد جزء من تدريبات سنوية. ومع ذلك تشير الصورة العامة إلى عقد مزيد من الاجتماعات وإجراء مزيد من المناقشات الإستراتيجية والعمل على تحقيق مزيد من الروابط بين الأصول الجوية والبحرية. على سبيل المثال، تشير شبكة «ويون نيوز» الهندية إلى أنه عندما حلَّقت طائرات رافال من فرنسا إلى الهند في يناير، تزوَّدت بالوقود في الإمارات وتوقفت أيضًا في قاعدة الظفرة الجوية.

ويؤكد الكاتب أن قاعدة الظفرة أدَّت دورًا رئيسًا في نشر الطائرات الأمريكية من طراز إف-35 في الشرق الأوسط، حيث حلَّقت هذه الطائرات من قاعدة الظفرة في الإمارات للمشاركة في (تدريب البرق الدائم 3) مع إسرائيل في عام 2020. ومرة أخرى تبدو الأمور واضحة فيما يخص هذه الشبكة، ومحور القواعد، والصورة الأكبر التي تقدِّمها، ويبدو أن كل ذلك يزيد من ارتباط فرنسا ببلدان مثل: مصر، والإمارات، والهند، وغيرها من الدول التي تتبنى تفكيرًا مماثلًا.

وفي نهاية المقال، يقول الكاتب إن وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي شجَّعت الولايات المتحدة وغيرها من الدول على الالتزام بقوة أكبر بالأمن البحري في خليج عمان في عام 2019. واستضافت الإمارات البعثة التي يقودها الأوروبيون في ذلك الوقت لتوفير الأمن في البحار بعد المزاعم التي أفادت أن هناك هجمات إيرانية ستُشَن ضد سفن شحن في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2019.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي