بهذه الطريقة يمكن أن تمنع المملكة المتحدة محاكمة إسرائيل للفلسطينيين عسكريًّا

Israel's military courts for Palestinians are a stain on international justice
2021-03-11

تحت عنوان «المحاكم العسكرية الإسرائيلية للفلسطينيين وصمة عار في جبين العدالة الدولية»؛ كتبت المحامية سحر فرنسيس، مديرة مؤسسة «الضمير» لرعاية الأسرى وحقوق الإنسان، مقالًا في صحيفة «الجارديان» البريطانية، وصفت فيه النظام القضائي الإسرائيلي بأنه تمييزي حتى الصميم، ويجب تفكيكه، مشيرة إلى إمكانية أن تساهم المملكة المتحدة في حل هذه المشكلة.

تشير سحر فرنسيس، في صدر مقالها، إلى أن الغالبية العظمى من فلسطينيِّي الضفة الغربية وُلِدوا داخلها، وأمضوا حياتهم كلها تحت نير احتلالٍ عسكريٍّ إسرائيليٍّ ينتهك حقهم في تقرير المصير.

وتستشهد الكاتبة بتقريرٍ صدر مؤخرًا عن منظمة «الحرب على العوز»، وهي مؤسسة خيرية لمكافحة الفقر تتخذ من لندن مقرًّا لها، خَلُصَ إلى أن هذه المنظومة القضائية العسكرية، الموغلة في انتهاك القانون الدولي، تعدُّ ركنًا أساسيًّا في دعم الاحتلال الإسرائيلي.

إسرائيل.. القاضي والجلاد

يحمل التقرير عنوان «القاضي وهيئة المحلفين والمحتل.. النظام القضائي العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية»، ويوضح بجلاءٍ الطرق المتنوعة التي تلجأ إليها إسرائيل لانتهاك حقوق الفلسطينيين؛ من الاعتقال مرورًا بالاستجواب والإدانة وصولًا إلى السجن.

ويمثل التقرير انعكاسًا لتجارب المحامين الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان، وتقول مديرة مؤسسة «الضمير» إن مؤسستها تفخر بالإسهام في هذا التقرير عن طريق تقديم أدلة توثق هذه الانتهاكات.

تتمثل إحدى المساهمات المهمة التي يقدمها التقرير في توضيح أنه على الرغم من اتفاقيات أوسلو، وتشكيل سلطة فلسطينية للفلسطينيين في الضفة الغربية، لم يكن هناك مفر من الخضوع للنظام القضائي العسكري الإسرائيلي، ولا يزال هذا هو الوضع القائم حتى الآن.

وبغض النظر عن وجود قانون للعقوبات وللسلطة القضائية يتبع السلطة الفلسطينية، وهما نظامان يعملان باستقلالية محدودة في أجزاء من الأراضي المحتلة، فإن جميع الفلسطينيين، أينما كانوا يقيمون في الضفة الغربية، يظلون خاضعين للاختصاص القضائي للمحاكم العسكرية الإسرائيلية حال ارتكبوا أي مخالفة لقوانين محددة.

نزع الشرعية القانونية عن المنظمات الفلسطينية

تصف الكاتبة تأثير هذا النظام القضائي العسكري بأنه بعيد المدى وموغل في التمييز. فمنذ عام 1967، على سبيل المثال، أصدرت إسرائيل مرسومًا ينزع الشرعية القانونية عن أكثر من 411 منظمة فلسطينية، بما في ذلك جميع الأحزاب السياسية الفلسطينية الرئيسية. وبموجب هذا المرسوم، يُحاكَم المدنيون الفلسطينيون بتهمة «الانضمام إلى جمعية غير قانونية، وممارسة نشاط تحت رايتها»، وبذلك أصبح أداة رئيسية في منظومة القمع الإسرائيلية للنشاط المناهض للاحتلال.

وفي هذا السياق، تشمل مخالفات النظام العام تهمة «التحريض»، التي تُعرَّف بأنها أي محاولة «للتأثير في الرأي العام… بطريقة من شأنها الإضرار بالسلم العام أو النظام العام». ويمكن أيضًا اعتقال الفلسطينيين بتهمة «إثارة الكراهية، أو الازدراء، أو إثارة السخط ضد السلطات».

الفلسطينيون تحت الفصل العنصري.. بحكم القانون

ومن التهم الأخرى التي نظرت فيها المحاكم العسكرية: الإقامة في إسرائيل بدون مسوغ قانوني – أي أولئك الذين قبض عليهم وهم يبحثون عن عمل دون الحصول تصريح – بالإضافة إلى مخالفات المرور. ويشكل هؤلاء حوالي 40% من مجمل الفلسطينيين الذين يمثُلون أمام المحاكم العسكرية كل عام.

والنظام القضائي العسكري جزء من واقع «منفصل وغير متكافئ»- على حد وصف الكاتبة – فعلى عكس الفلسطينيين، يُحاكم المستوطنون الإسرائيليون الذين يلقى القبض عليهم في الضفة الغربية أمام محاكم مدنية داخل إسرائيل. فهناك شعبان ونظامان قانونيان مختلفان، والحال هكذا حُقَّ لأكبر مجموعة لحقوق الإنسان في إسرائيل أن تصف هذا الوضع بأنه شكل من أشكال الفصل العنصري.

نزع الاعترافات تحت التعذيب.. لا مفر من الإدانة

داخل الإطار الأوسع لهذا النظام التمييزي، يرصد المقال انتهاكات محددة وخطيرة للقانون الدولي. وأحد هذه الانتهاكات: التعذيب، وهو النهج الذي يوثق التقرير استخدامه على نحوٍ روتيني، إلى جانب ممارسات قاسية ومهينة أخرى تلجأ إليها سلطات الاحتلال لانتزاع اعترافات من الفلسطينيين أثناء استجوابهم (يمكن حرمان المعتقل من الاتصال بمحاميه لمدة تصل إلى 60 يومًا). ثم تُستخدم هذه الاعترافات أدلة أولية للتأكد من إدانة المتهم أمام المحاكم العسكرية.

وأحد الأمثلة التي يستشهد بها المقال: محنة شخص يدعى طارق، يعمل مستشارًا مدرسيًّا، اعتقل في عام 2019 بزعم أنه عضو في منظمة محظورة، وتعرض للضرب، والوضعيات المجهدة، والشتائم.

مخالفةٌ أخرى للقانون يعرضها المقال تتعلق بحقيقة أن معظم الأسرى الفلسطينيين محتجزون في سجون داخل إسرائيل، على الرغم من أن اتفاقية جنيف الرابعة تحظر نقل الأسرى من الأراضي المحتلة إلى داخل دولة الاحتلال.

كل هذا يحدث ضمن نظام تؤكد الكاتبة أنه مستعصٍ على «الإصلاح»، بل يجب إلغاؤه، وهو الحكم الذي خلُصَت إليه بناء على سنوات خبرتها في الدفاع عن الناس أمام المحاكم العسكرية.

واجبٌ تاريخيٌّ على المملكة المتحدة

وتضيف الكاتبة: أي قوة محتلة عليها التزام بالعمل لصالح السكان المحتلين، لكن على النقيض من ذلك، فإن إسرائيل تنتهك الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، كما أوضح المقرر الخاص للأمم المتحدة مايكل لينك، بعد نصف قرن، فإن «دور إسرائيل بوصفها محتلًّا… تجاوز الخط الأحمر ليصبح غير شرعي».

ويشير المقال إلى دور بريطانيا ومسؤوليتها الخاصة عن هذا الوضع. فمن العناصر المهمة التي يستند إليها الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة: لوائح الدفاع (الطوارئ) التي سنَّها الانتداب البريطاني في فلسطين عام 1945. واليوم، توافق حكومة المملكة المتحدة على بيع الأسلحة والمكونات والتكنولوجيا العسكرية لإسرائيل، وتستورد كذلك تكنولوجيا عسكرية إسرائيلية الصنع.

في ضوء هذه الحقائق، يدعو التقرير حكومة المملكة المتحدة إلى تنفيذ حظرٍ على مشتريات ومبيعات الأسلحة من إسرائيل وإليها، كما يحث الحكومة البريطانية على زيادة دعمها للمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الفلسطينية.

وفي ختام المقال، تقول الكاتبة: إن ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لإنهاء احتلالها ووقف العمل بنظامها القضائي العسكري هو الحل الحتميُّ لإصلاح خطأ تاريخي وظلم قائم. وبالنسبة للرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا لحرمانٍ كابوسيٍّ – يليق بروايات الرعب – من حريتهم، فهذا الإجراء ليس ضروريًّا فحسب، بل إنه مطلب عاجل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي